الآثار الاجتماعية والنفسية للنزاعات المسلحة على المرأة

من بحث قدمته المحامية دعد موسى عام2010 يتعلّق بالآثار النفسية والاجتماعية للنزاعات المسلحة على المرأة، وكانت قد ركّزت على عموم الاتفاقيات الدولية والقانون الدولي المتعلقين بهذا الخصوص، لذا ارتأيت التعرَض لبعض ما جاء فيه.

مما لا شكّ فيه أن البلدان والمناطق التي تشهد حروباً ونزاعات مسلحة، تكون النساء بشكل خاص، بحكم وضعهن في التراتبية الاجتماعية، من أكبر دافعي ضرائب تلك النزاعات، على الرغم من أنهنّ على الغالب لا يشاركن فيها مباشرةً، لكنهن للأسف أوّل من يجني تبعاتها المرعبة من قتل وخطف واغتصاب، إضافة إلى معايشتهنّ مقتل أطفالهن أو أزواجهن وإخوتهن، عدا التهجير والنزوح وفقدان الخدمات العامة الأساسية للحياة، مما يتركهنّ عرضةً وفريسةً سهلة لمشاعر الخوف والحزن والاضطرابات النفسية المتعددة.

وإذا ما ألقينا نظرة سريعة على الكثير من الدراسات الصادرة عن اليونسيف بهذا الخصوص، نجد أن أعداداً كبيرة من النساء قد قُتلن أو اغتُصبن بأساليب وحشية ومقززة أمام أطفالهن وذويهنّ، وهذا ما يخلّف لهنّ صدمات نفسية وأخلاقية تترك بصماتها على مستقبل حياتهنّ، عدا معاناتهنّ المتمثلة في ندرة الخدمات الأساسية كالماء والغذاء والدواء أو فقدانها، لتغدو مقاومتهن للأمراض هزيلة وهشّة. إضافة إلى تحملهنّ أعباء أسرية مضاعفة بحكم غياب الرجل تتمثل بتلبية احتياجات الأسرة المادية والاجتماعية دون أثر لأيّ دعم مادي أو نفسي أو اجتماعي.

وقد حظي واقع النساء هذا باهتمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، وكذلك لجنة حقوق الإنسان فيها، إضافة إلى المؤتمرات الدولية ذات الصلة.

فقد ورد في تقرير للجنة حقوق الإنسان ما يلي:

(يجري أحياناً، على نحو منظّم تجاهل القانون الدولي الإنساني الذي يحظر الاعتداء على المدنيين بصفتهم تلك، كما أن حقوق الإنسان غالباً ما تُنتهك في حالات النزاعات المسلحة، مما يؤثّر على السكان المدنيين، وخاصة النساء والأطفال وكبار السن والمعوقين… رغم أن المجتمعات بأكملها تُعاني عواقب النزاع المسلح والإرهاب، فإن النساء والبنات يتأثّرن بشكل خاص بسبب مركزهن في المجتمع وجنسهن).

وعلينا ألاّ نغفل أمراً على قدر كبير من الأهمية، وهو أنه نتيجة لفقدان الرجل بسبب الموت أو الاعتقال أو الخطف أو المشاركة في القتال، تجد النساء والفتيات أنهنّ يقعنّ تحت مسؤوليات مضاعفة من أجل رعاية أُسرهن وتأمين مستلزماتها.

ففي تقرير لمنظمة العفو الدولية صدر عام 2000 بمناسبة اليوم العالمي للمرأة جاء ما يلي:

(تحمل الحروب والنزاعات هولاً كبيراً بالنسبة للمرأة، ولا تقتصر مخاوف المرأة على الدمار والاضطرابات والإصابات والموت، بل تمتد لتشمل خوفها من عمليات الاغتصاب والتعذيب والأذى الجسدي والجنسي والعبودية الجنسية أو الاقتصادية، والعلاقات أو الزيجات الجبرية).  وبناءً على ذلك يمكننا إيجاز الآثار الاجتماعية لتلك النزاعات على النساء بما يلي:

– تعرّض غالبية النساء في ظلّ تلك النزاعات للفقر والتهميش، إضافة إلى تعرضهنّ للاغتصاب والتعذيب وجميع أشكال العنف، وما يخلّفه من شعور بالإثم والعار والاضطهاد الاجتماعي.

– إصابة العديد من النساء بالأمراض المختلفة، وأهمها الأمراض الجنسية، إضافة إلى نقص الرعاية الصحية لاسيما أثناء الحمل والولادة، مما يؤدي إلى حدوث مضاعفات خطيرة.

– المعاناة الكبرى المترافقة مع تفاقم مشاعر الحزن والخيبة غالباً أثناء البحث عن الأولاد أو الأزواج المفقودين.

– قيام المرأة بأدوار مضاعفة في الأسرة، بحكم غياب أو فقدان الرجل، تتمثل في تأمين  احتياجات الأسرة المعاشية، إضافة إلى حلّ جميع المشاكل الأسرية المتعلقة بالتربية وتأمين المستلزمات المادية والمعنوية، مما يضطرها لترك أطفالها وحيدين أو في رعاية الآخرين.

– ازدياد عدد النساء الأرامل وما يتطلبه من تغييرٍ في الأدوار الاجتماعية والاقتصادية للمرأة، مما يُفاقم شعور المرأة بفقدان الأمان، وربما عدم إمكانية احتفاظها بالأولاد، أو حصولها على حقوقها وحقوقهم بالميراث، في ظلّ علاقات اجتماعية تقليدية مضطربة.

– ارتفاع معدّل العنوسة في المجتمع بسبب النقص الحاصل في أعداد الرجال نتيجة تلك النزاعات، الأمر الذي يُرخي بظلاله الثقيلة على إمكان تأسيس أُسر جديدة.

– ارتفاع معدلات الطلاق بسبب الأزمات النفسية التي يعانيها الزوجان أو أحدهما، بسبب الآثار العميقة التي خلّفتها تلك النزاعات. مما يؤدي إلى تفكك الأسرة وجنوح الأطفال في كثير من الحالات، إضافة إلى النزوع إلى الزواج المبكّر لدى العديد من الفتيات.

أما إذا ما وصلنا إلى استعراض الآثار النفسية، فإننا نجدها تظهر على النحو الآتي:

– الصدمات النفسية الناجمة عن فقدان أعزاء أو ممتلكات، ناهيك بالصدمات المرتبطة بالاغتصاب، لاسيما الحالات التي ينتج عنها قدوم مواليد إلى الحياة غالباً ما يكونون مجهولي النسب.

– يُضاف إلى كل هذا حالات اضطراب التوتر الحاد، اضطراب توتر ما بعد الصدمة. وقد ورد في موسوعة تشخيص وإحصاء الاضطرابات النفسية تعريفاً للتوتر الحاد على أنه:

أولاً- حالة الفرد الذي تعرض أو عايش، أو شاهد، أو واجه حدثاً ما يتعلق إما بالموت أو تهديد كيانه أو الكيان النفسي والجسدي للآخرين.

ثانياً- أثناء أو بعد حدوث الصدمة، تنتاب الفرد على الأقل ثلاثة أعراض انفصامية، منها: غياب الاستجابة، ونقص معرفة محيطه، وانفصام الشخصية، وفقدان الذاكرة.

ثالثاً- استعادة حادث الصدمة على شكل صور أو أحلام.

رابعاً- إفراط في تجنّب المثيرات المرتبطة بالصدمة، إضافة إلى الإفراط بالقلق.

خامساً- تصدّع العلاقات الاجتماعية والمهنية وغيرها من العلاقات.

إن مجمل ما تخلفه الحروب والنزاعات المسلحة يفترض أن يقوم المجتمع المدني والحكومات بمجموعة من الإجراءات تتمثل فيما يلي:

– تقديم برامج تأهيلية وإغاثية وتشغيلية للنساء، لاسيما أولئك اللواتي يقمن بإعالة أسرهن، إضافة إلى تأمين فرص عمل دائمة لأولئك النسوة.

– إنشاء مراكز للدعم النفسي والاجتماعي والقانوني للنساء والأطفال في مناطق النزاع.

– إنشاء دور إيواء للناجين والنازحين، لاسيما للنساء والأطفال وكبار السن والجرحى والمعوقين.

وأخيراً لا بدّ من تأكيد تطبيق القانون الدولي والاتفاقيات الدولية الخاصة بحماية النساء والأطفال في مناطق النزاع المسلح، باستخدام جميع الوسائل المتاحة، إضافة إلى محاولة إشراك النساء في جميع التدابير التي يمكن اتخاذها بشأنهن.

العدد 1104 - 24/4/2024