عند البطون.. ضاعت العقول!

قيل ليوسف عليه السلام :

لمَ تجوع  وأنتَ على خزائن الأرض؟!

فقال : أخاف أن أشبع فأنسى الجياع!

 وللجوع أنواع.. منه جوع المعدة للطعام،  وجوع العقل للمعرفة،  وجوع الروح للأمن  والاستقرار. ولعل أرقى  وأجمل جوع، هو جوع العقل للمعرفة  والعلم.

إن جوع المعدة هو جوع الغريزة للطعام،  وجوع العقل هو جوع الإنسان إلى المعرفة  والرّقي  والتقدم.

 ولا جوع أكرم  وأشرف من هذا الجوع.. إنه الجوع الذي ينبت للأجساد أجنحة،  وللعيون بصائر،  وللقلوب المحبة والتَّسامح.

 وإذا جاعت الأرض أنزلت عليها أختها السماء الثلوج  والأمطار،  وإذا شبع التراب أنبت لنا الورود  والقمح  والزيتون.

وتطحن المعدة نفسها إذا لم تجد ما تطحنه،  وتأكل النار بعضها إذا لم يصادفها ما تأكله..  ومن غرائب  الحياة وعجائبها أن العقارب تفتك بصغارها حين تجوع،  وتعضُّ الأفاعي أجسادها حين لا تجد ما تعضه.

 وبقدر الرغبة  والشهوة يكون الأكل، لا بقدر الجوع.. فقد يكون أحدنا جائعاً إلى حدّ الموت.. لكن رغبته متخمة بالحزن  والقهر  والانكسار.. فكيف يأكل؟!

(ويأكل الغني متى شاء،  ويأكل الفقير متى استطاع،  وبعض الناس يموتون من الجوع،  وبعضهم من التخمة)

 وليس كل من ملأ معدته بالطعام بقادر  على تحويل ذاك الطعام إلى طاقة  مفيدة خيرة،  وهل للتماسيح  والأفاعي أهداف غير لدغ  فرائسها  وعضها، ومن ثم ابتلاعها؟!

 وهل للضباع  والخنازير مشاريع  وخطط غير سرقة طعام الآخرين،  وتلويث كل مكان يمرّون فيه؟! 

  إن كثيراً من الناس  والأصدقاء  والأقرباء يأتون للأعراس  والحفلات، لا ليشاركوا، بل ليأكلوا،  ومن ثم ليلوموا  وينمّوا على العرس  وأهله.

 ولا تأخذ الأزهار من السماء  وندى الصباح إلا حاجتها، أما الباقي فتتركه لينابيع الأرض  وطيورها،  ومن يغلِّب جوع معدته على جوع عقله كان أقرب إلى الدواب  والحمير منه إلى الإنسان.

 ولا شرف أرفع من عزّة النّفس،  ولا تاج أثمن  وأغلى من العفّة  والتّعفف،  وترجيح المعرفة على الجهل  والحب على الحقد،  والحق  والعدالة على القهر  والظلم،  والشجاعة  والنخوة على الذّل  والخنوع.

 وتُوزن النعاج بلحومها،  ويُوزن العقل بمعرفته،  وكلما كان صاحب العقل كبيراً، كان سهلاً على من حوله مناقشته  والتّحاور معه.

(وما أضيق عقلي إذا لم يتّسع لكل عقل…

إن من ألد أعداء الكرامة الإنسانية أن يجوع الإنسان  ويُجوّع  ويُحارب برغيف خبزه، فلا جريمة أحقر من الجوع،  وكم هو جميل أن يعطى الجائع خبزاً،  وأجمل منه أن لا يكون في الدنيا جياع).

العدد 1107 - 22/5/2024