المنهاج الجديد.. آراء ومواقف أصحاب الشأن في العملية التربوية!

هل أصبحت عادة التغيير المستمر للمنهاج من العادات التي على الأهالي والأساتذة والطلاب أن يعتادوا عليها، حتى لو كلف ذلك ضياع مستقبل الطالب؟! أم أنها عملية تجريب بغية الوصول إلى شيء ما يلوح في الأفق الضبابي للمسؤولين عن المناهج في وزارة التربية؟!

 

أعتقد أن القضية أعمق من هذا وأوسع، برغم اعتراف بعض المعلمين والمعلمات أن هذه المناهج ممتازة ورائعة من حيث المعلومات الموجودة فيها، إلا أنهم لم يستطيعوا إخفاء استياءهم، لجهة عدم توفر ظروف نجاحها، والتي تعود لجملة من العوامل، في مقدمتها عدم وجود وسائل الإيضاح الضرورية واللازمة، إضافة إلى كثافة المنهاج.. وطبعاً دون أن نغفل العدد الكبير من التلاميذ أو الطلاب في الصف الواحد. علماً أن رأي عدد آخر من المعلمين والطلبة كانت بعكس ذلك.. إذ عبّروا عن دهشتهم من حجم المعلومات الواجب إعطاؤها في فترة زمنية قليلة لا تتجاوز 45 دقيقة، ولا يتمكن المدرسون من متابعة جميع التلاميذ، هذا من جهة، ومن جهة أخرى بسبب عدم كفاءة الأساتذة وقدرتهم على شرح المضمون وإيصال الفكرة المطلوبة، إذ يحتاج المنهاج إلى دوام داخلي 24 ساعة لإيصال المعلومات كاملة (على حد قولهم).

ويشير بعض من التقيناهم إلى أن المناهج الجديدة جيدة في حال توفر الكادر التعليمي المتمكن والقادر على إيصال المعلومات بطريقة يستوعبها التلميذ، إضافة إلى أن هذه المناهج وضعت وفق معايير وتجهيزات تفتقد مدارسنا لها (المقعد الدراسي، غرفة الحاسوب، السبورة.. إلخ)، لأن هذه المناهج وضعت على أساس العمل الجماعي وفق حلقات يتعاون فيها التلاميذ والمدرس، بغية تنمية العملية الذهنية للتلميذ! طبعاً بعضهم  اشتكى من الضياع بين أسلوب المدرس القديم، وأسلوب المدرس الجديد، وحتى أسلوب الأهل في المنزل، إذ إن قدرة كثير من المدرسين على شرح فكرة الدرس بشكل واف وإيصالها بصورة مبسطة إلى التلميذ لا تتحقق، إضافة إلى ضخامة وكثافة المنهاج التي جعلت الأهالي عاجزين عن مساعدة أبنائهم.

 

الوقت غير كاف

وللوقوف على كل هذه الأسئلة، تعالوا معنا في هذا الريبورتاج الذي أجريناه في عدد من مدارس محافظة طرطوس.. والبداية كانت مع مدير مدرسة بيت الخدام الأستاذ رجب محمد، وهو مدرّس لمادة الفيزياء والكيمياء أيضاً: استراتيجية المنهاج بالمطلق غير مقيسة وفق فترة زمنية، تبدأ من السابعة والنصف صباحاً إلى الواحدة ظهراً.. بمعنى أن خمس حصص أو ست حصص غير كافية من أجل إيصال المعلومات المخصصة.. في حين كانت هذه المدة كافية بالنسبة إلى المنهاج القديم إلا المواد العلمية التي تتفاوت بين مدرس ومدرّس آخر، وهذا برأيي هو السبب بين مدارس أنهت المنهاج كاملاً مع نهاية السنة، ومدارس لم تتمكن من إنهائه!

 

التوافق والتكامل

المنهاج الجديد بالمطلق أيضاً هناك كتابان، واحد للمدرس وآخر كتاب أنشطة للتلميذ، فإذا أردت أن أعطي المعلومات ضمنهما احتجت إلى نحو90 دقيقة كي أستطيع إيصال المعلومة وحل التمارين أو المسائل، علماً أنني أدرك أن كتاب التلميذ هو للتلميذ كي يحاول حل التمارين والمسائل. ولكن ألا ينبغي أن أتأكد أن هذا التلميذ قد استوعب الدرس من خلال الحل الصحيح للتمارين، علماً أنه في كثير من الكتب لا يوجد توافق بين أسئلة الوحدة وأفكار الوحدة.

 

التقنيات غير متوفرة دائماً

الكتب الموجودة بين يدي التلميذ لا تعطى إلاّ بواسطة جهاز إسقاط، ولكن لا يتوفر إلاّ قطعة واحدة لا تكفي لخمس أو ست شُعب؟! وبالنسبة لسؤالك عن الدورة التي تسبق افتتاح العام الدراسي والتي أعطت نتيجة سلبية بالنسبة إلى التلميذ، وهي أن المدرس غير قادر على مواكبة التغيير في المنهاج الجديد، والدليل أن المدرس عندما يقف عن الشرح لدقيقة تبدأ الشوشرة بين التلاميذ. وأنا مدرّس وعندي أولاد في الثانوية والأساسي، وأسمع منهم هذا التقييم! أعتقد أن التربية وقعت هنا في خطأ، لأنها أطلقت على الدورة اسم دورة مناهج. طبعاً هناك واجب على المدرّس، وهو ضرورة تثقيف نفسه والتحضير الجيد، ولكن أقول لك بصراحة (أعطني بطناً ملآن وخذ مني التحضير اللازم.. إذ إن معظم المدرسين يعملون أعمالاً أخرى تنعكس سلباً على تحضيرهم).

 

المعايير..

ودعني أسألك عن المعلومات التي تعطى في دورة مدتها أسبوع يحضرها القليل القليل من المدرسين. وشيء آخر أنا واثق منه أن بعض المشرفين على الدورة يحتاجون إلى دورات من أجل فهم المنهاج الجديد، ولا تسمع منهم سوى المعيار التعليمي والمعيار الثقافي والمعيار الوطني.. إلخ من المعايير التي لا نملك ميزاناً لوزنها.. فمثلاً لا يوجد معيار وطني كي يفهم التلميذ شيئاً عن الأسطوانة سوى رأس حفارة النفط! في حين أنه لم يرها مطلقاً، وشيئاً آخر هناك مصطلح دينار، فأين المعيار الوطني في ذلك؟!). أما المعيار العلمي فأضرب لك مثالاً ما ورد في كتاب الفيزياء الصف الثامن عن الطاقة الشمسية التي هي عبارة عن موضوع تعبير يتحدث عن فوائد الطاقة الشمسية، وهذا يخلو من أي معيار علمي.. وأسألهم لماذا لم يضعوا بين يد التلميذ كيفية صناعة الخلية الشمسية؟! أما المعيار التربوي، فأعتقد أنك إذا زرت عدداً من المدارس وتفقدت مقاعدها وأثاثها فستجد أن المتعاملين مع هذا الأثاث لا علاقة لهم بالتربية، فضلاً عن الكتابات المقززة في الحمامات! أما من جهة الكتاب فهو جميل من حيث السعر ومن حيث الرسوم.. التقصير موجود عند بعض الأهل وعند بعض التلاميذ وبعض المدرسين، وهنا أتمنى أن يكون الترفيع حسب العطاء، كما أتمنى تفعيل موضوع المكتبات المدرسية ورفدها بالكتب الحديثة المتوافقة مع معلومات المنهاج الجديد.

السيدة منال سليمان، مدرّسة رياضيات في مرحلة التعليم الأساسي، تحدثت عن المنهاج الجديد قائلة: المنهاج الحديث بالنسبة لمادة الرياضيات هو منهاج تكراري بحت للمعلومة.. ففي كل سنة هناك المواضيع نفسها تقريباً ولكن بشكل أكبر.. الكتاب ضخم وليس الوقت كافياً كي نفي كتاب المدرّس وكتاب الأنشطة حقه. ليس لدي معلومات جديدة في المادة، وأعتقد أن التلميذ مرتاح ولا يعاني من المادة. ولكنه لا يستطيع أن يعتمد على نفسه في حل كل التمارين الكثيرة.. وهنا أسأل المعنيين عن مسألة الوقت فيما يتعلق بذلك. برأيي لولا موضوع الوقت غير الكافي، فإن المنهاج أسهل من المنهاج القديم وأفضل، وأعتقد أن بعض الأهالي غير قادرين على مواكبة المنهاج الجديد بسبب تحول الرموز إلى اللاتينية، ولكن هذا يساعد من يريد متابعة تحصيله العلمي. أما فيما يتعلق بسؤالك عن الدورات الصيفية وإنهاء المنهاج في شهرين، فأقول لك بصراحة: المدة كافية نظرياً فقط وغير كافية عملياً.

 

ربط المنهاج بالبيئة.. جيد

السيد محسن سلمان، مدرّس مادة علوم طبيعية تحدث عن المنهاج الجديد قائلاً: المادة العلمية فيه رائعة كمادة علم أحياء فقط، وخاصة بعد أن زودونا بعدد جيد من الأجهزة والعينات ووسائل الإيضاح، واستطاعوا بنسبة 85% أن يربطوا التلميذ ببيئته، وهذا أمر ضروري وأساسي في مادة علم الأحياء. أعتقد أن وسائل الإيضاح ومقدرة المدرّس كفيلة بالوصول إلى ذلك. رسوم الكتاب رائعة وملونة بشكل أنيق.. أما فيما يتعلق بالزمن فأنا ألجأ إلى عدم التوسع بالدرس والتقيد بفقراته، كي لا نخرج عن الموضوع. منهاج السابع والثامن جميل ومريح، ولكن المشكلة في منهاج الصف التاسع، إذ تبدو فيه بعض المشاكل لناحية فهم الدرس. علم الأحياء يحتاج إلى إجابة دقيقة ومصطلح علمي دقيق وطريقة سرد لغوية دقيقة، وأعتقد أن هناك بعض الحالات التي تحوي ركاكة سردية لغوية يصعب على التلميذ فهمها. وبالنسبة للدورة التي أتحفونا بها قبل افتتاح المدرسة، فهي لم تغن ولم تقدم لنا أي جديد. أسلوبي إلقائي بحت، وقد حاولت أن أتقيد بطريقة الشرح الحديثة التي تعتمد على تقسيم السبورة، وتقسيم التلاميذ إلى مجموعات، ولكن تحوّل الصف لدي إلى ما يشبه المسرح، مع قدرتي الكبيرة على ضبط التلاميذ، ودرجة الأخلاق العالية لمعظمهم والتعاون مع الإدارة بشكل ممتاز! أتمنى فصل مادة علم الأحياء عن الفيزياء والكيمياء، كي لا نتقاذف التهم فيما بيننا. هناك سلبية واحدة هي وجود بعض الكائنات في الكتاب غير موجودة في البيئة السورية، ولكن قد تكون هذه خطة الوزارة وربما لديهم تبريراتهم، وبالمختصر أنا راض عن المنهاج.

 

التكامل مطلوب

السيد هاشم إسماعيل، مدرّس مادة الرياضيات للمرحلة الثانوية كان له رأيه بالمنهاج إذ قال: لا ترابط بين المرحلة الثانوية ومرحلة التعليم الأساسي، فهناك في الصفين السابع والثامن حشو هائل من المعلومات، حتى إن التلميذ لا يستطيع أن يأخذ فترة زمنية بين معلومة ومعلومة أخرى. في الحادي عشر هناك قسم بالكامل (المثلثات) ألغي في البكالوريا، إضافة إلى قسم الفراغية أيضاً، كما أُلغي بحث الدائرة، علماً أن هناك العديد من التمارين والمسائل التي تعتمد على المنهاج القديم. وهنا لا يمكن للتلميذ أبداً أن يتماشى مع هذه الحالات! أعتقد أنه من الضروري أن تكون الدراسة متراكمة من المرحلة الدنيا إلى المرحلة العليا بشكل هرم مقلوب، بحيث يصل التلميذ إلى البكالوريا وهو حاصل على المعلومات العلمية التي يحتاجها. هناك شرخ كامل بين العاشر والسابع وبقية الصفوف. أتمنى أن يُوضع المنهاج بشكل يُراعى فيه الوقت الكافي للشرح النظري وللتطبيق العملي!

كما التقينا عدداً من الطلاب في الصف الثالث الثانوي نذكر منهم الطالب إياد الذي تحدث عن المعلومات المكثفة التي تحتاج إلى شرح وتفسير، لكن المدرسين يعجزون أحياناً عن شرحها وإيصالها إلينا.

أما الطالبة هلا التي تحدثت عن المعاناة مع مادة الفيزياء والعربي أيضاً، وتمنت أن يراعوا وضع التلاميذ في تحديد معدلات القبول الجامعي.

أما الطالبة ضحى فقد تحدثت عن معلومات كانت في المنهاج القديم وحذفت، في حين أن هناك أسئلة في المنهاج الجديد متعلقة بها. وأضافت: لدينا مشكلة في الوقت.

الطالبة ثراء تحدثت عن مادة العربي وعدم وجود طريقة لتدريسها.

 

حملات تخويف!

الطالب غدير تحدث عن عدم ترابط المنهاج الجديد مع ما حصلوا عليه في المنهاج القديم، وتحدث عن حملات تخويف من الامتحان يقوم بها بعض المدرسين.

أما الطالب سام فقد تمنى أن يتم الاختصاص بلغة واحدة منذ الصف العاشر. كما تحدثت الطالبة آلاء من الصف العاشر عن كثافة المعلومات في المناهج الجديدة وعدم قدرة بعض المدرسين على إيصال المعلومة بالشكل الصحيح والمبسط. وفيما يخص الدروس الخصوصية أكد بعض التلاميذ أن بعض المدرسين يتهربون من إعطاء كل ما بحوزتهم في الصف، كي يلجأ هذا التلميذ إليهم من أجل الدروس الخصوصية، علماً أنه صدر قرار أو مرسوم يمنع إعطاء الدروس الخصوصية مهما كانت الأسباب ولكن بقي حبراً على ورق!

 

مشهد يستحق التقدير

أثناء مروري بجانب إحدى مدارس الدريكيش، يوم السبت الماضي، فوجئت بعدد من طلاب الشهادة الثانوية، وعندما سألتهم عن السبب أجابوا بأن المدير برفقة مدرس مادة الرياضيات أعطياهم حصتين في مادة الرياضيات. وأعرب الطلاب عن شكرهم لمدرس المادة الذي تكفل كل يوم سبت بحصتين من منهاج الثالث ثانوي. المدرّس المذكور ومدير المدرسة يستحقان الشكر، على أمل أن يستيقظ الضمير لدى بعض المتاجرين بمستقبل الطلبة ومن يقف خلفهم بوساطة الدروس الخصوصية التي يجب أن تكافح كما تكافح المخدرات. وكم هو جميل أن تتجلى غيرة المدرسين على طلبتهم من خلال ساعات التدريس الطوعية في المدرسة وليس في بيوتهم. وللحديث تتمة!

العدد 1105 - 01/5/2024