نوبات الغضب عند الأطفال… كيف نتجنبها؟

تتعرض الحالات الوجدانية عند عدد من الأطفال إلى اضطرابات تخرجها عن الحدود الطبيعية لها وتجعلها تظهر في تعبيرات جسدية وحركية وسلوكية تختلف عن الاستجابات الطبيعية العادية التي تظهر في الحالات الوجدانية السوية، وتكمن خطورة هذه الاضطرابات في أنها تؤدي إلى مشكلات نفسية تستدعي الدراسة والمعالجة سواء في المدرسة أم في المنزل. ومن أهم هذه الاضطرابات الغضب.لكن ما معنى نوبات الغضب التي يعبر بها الطفل عن احتياجاته؟ وماذا لو ظهرت بصورة شديدة مليئة بالخوف، ووصلت إلى درجة الانفجارات الانفعالية؟!

 

بداية سنتحدث عن تطور نوبات الغضب عند الأطفال مع تطور نموهم:

في الفترة التي تمتد بين الشهر السادس والسنة الثالثة من حياة الطفل، نجد الطفل يغضب ويثور إذا لم تحقق رغباته، أو إذا ترك وحيداً في الغرفة، أو إذا فشل في جذب انتباه من حوله ليلعبوا معه أو يهتموا به.

أما في الفترة الممتدة بين السنة الرابعة والثامنة من عمر الطفل، فنجده يغضب ويثور عندما يغسل له وجهه أو أثناء الاستحمام أو خلع ملابسه، وغيرها من الحالات المشابهة.

أما مظاهر الغضب فهي عديدة، وتبدو في عمر الطفل الممتد من ثلاث سنوات إلى خمس من خلال ضرب اليدين، الرفس، القفز، الضرب، الإلقاء بالجسم على الأرض. ويصاحب هذه الأعراض عادة البكاء والصراخ، وأحياناً تتصلب أعضاء الجسم عند الطفل ويصيبه التوتر الشديد أثناء نوبات الغضب، وقد يلجأ إلى عض الأصابع كتعبير شديد عن حدة نوبات الغضب التي تسيطر على سلوكه. ومن جهة أخرى فقد تبدو هذه النوبات مختلفة بمظاهرها في سنوات أخرى من عمر الطفل، فهي تكون بعمر 6- 9 سنوات على نوعين (إقدام وإحجام). أما النوع الأول فهو إيجابي يتميز بالثورة والصراخ أو الرفس وإتلاف الأشياء، والنوع الثاني سلبي يتميز بالانسحاب والانزواء أو الإضراب عن الأكل، وهو من أخطر أنواع الانفعال، لأنه يعتمد على الكبت بعكس الأسلوب الإيجابي الذي يفرغ فيه الطفل الغاضب شحنة الغضب من داخله.

 

العوامل التي تساعد على ظهور نوبات الغضب

هذه العوامل كثيرة لكن أهمها يتلخص بالخلافات الأسرية، عصبية الآباء والمعلمات التي تؤدي في أحيان كثيرة بالأطفال ليس فقط إلى الغضب بل إلى السكون والسلبية والانزواء في حالات أخرى، وربما الجنوح إلى أحلام اليقظة. ومن العوامل افتقاد الطفل اهتمام الوالدين خصوصاً مع وجود مولود جديد، تعدد السلطة الضابطة لسلوك الطفل، ويحدث ذلك عادة للأطفال الذين يعيشون في بيت يسكن فيه الجد والعم أو الخال، ويكون لكل منهم سلطة توجيه الطفل أو نقده. وقد تحدث الحالة نفسها إذا كان الأب بعيداً عن المنزل أو متوفّى، فيشعر الطفل أنه لا ينتمي إلى والد كبقية الأولاد، وتظهر لديه نوبات غضب وعناد وتشاجر. ومن العوامل الهامة التي تساعد على ظهور نوبات الغضب وجود السلطة الضابطة المتعارضة، كأن يستجيب الأب لطلبات الطفل والأم على العكس تماماً، أو أن يعتاد الطفل على تلبية رغباته من قبل الأهل بعد الصراخ والبكاء، فيعتمد هذا الأسلوب دائماً، وقد تستمر معه هذه الحالة حتى سن الرشد. أما العوامل الأخرى فهي الدلال والحماية الزائدة التي تؤدي لظهور ما يسمى (نوبات الغضب المرضية) التي تنمو وتستمر مع الطفل حتى يكبر.. ومن أهم سلبيات الدلال المفرط أنه لا يتيح للطفل أن يتعلم ضبط نزعاته، لأنه لم يحدث في سنوات حياته الأولى أن وجد ضرورة لذلك. كما يتأثر الطفل بشدة بمسألة الضبط المبالغ فيه تماماً كما يتأثر بسلبيات الدلال المفرط وبالدرجة نفسها، لأن الأمرين بالسوء ذاته، والأفضل هو الاعتدال، لا قسوة ولا ضبط مبالغاً فيه، ولا دلال مفرطاً، كما تظهر نوبات الغضب بسبب الضعف العام والتشوهات عند الطفل، إضافة إلى ضعف الحالة الصحية عند الطفل.

 

الغضب الطبيعي والمرضي

يؤكد الباحث التربوي عبد العزيز الخضراء أن الغضب عند أغلب الأطفال، إذا كان متناسباً مع المثير وقصير الأمد، كان رداً سوياً سليماً، إذ إن الطفل الذي لا يغضب بتاتاً لا بد أن يكون به جانب من الشذوذ. وبالمقابل فإنه يقول عن نوبات الغضب: هذه النوبات مروعة حقاً وتتطلب هدوءاً وحزماً وعزماً قوياً وأعصاباً متينة وإمساكاً للعاطفة للوقوف في وجه الطفل في مثل هذه الأحوال. يستطيع الأهل أن يتجنبوا كثيراً من هذه الحالات إذا تمعنوا في حالة الطفل العامة وما طرأ عليها من تغيير، ومنها تعب الطفل الجسمي ونومه وأكله وتكيفه مع رفاقه في المدرسة، ويهمنا أن ننبه الآباء والأمهات إلى الحذر من الوقوع في أخطاء لا يدركون مدى عمق تأثيرها على أطفالهم، ومنها الحديث عن طبع الطفل أمام الأهل والجيران وبحضور الطفل، إضافة إلى الجملة الخطيرة جداً التي يجب أن لا تقولها الأم على مسمع الطفل وهي: (لا أستطيع أن أفعل معه شيئاً).

وأخيراً أطلب من كل أب وأم أن يكونا عادلَيْن في التعامل مع أبنائهما، لأن هذا العدل هو الذي يبعث الرضا ومشاعر الاعتبار في نفس الأبناء، مع تأكيدي للحوار ثم الحوار مع الأبناء، لما في ذلك من فائدة قصوى في تقبّل الأبناء للتوجيهات وتدريبهم على الطاعة، وفي الوقاية أيضاً من سرعة الهياج ونوبات الغضب.

 

ما هو العلاج؟

على الأم أو المعلمة أن تحافظ على هدوئها أثناء نوبة الغضب التي تحدث مع الطفل، ومن ثم تشرح للطفل أنها لا تحب أسلوبه في التعبير عن هذا الغضب. وعليها أن تؤكد له أن هذا السلوك لن يؤثر على علاقتها به، وهذا التأكيد ضروري في بعض الحالات، خصوصاً بعد ولادة طفل جديد في العائلة، كما عليها أن تقلل من أوامرها ومطالبها من الطفل، وألا تصر على إطاعته لها في كل المواقف، ويفضل ألا تكثر من الوقوف في وجه طلبات الطفل وأن تتنازل أحياناً، لأن ذلك مفيد لبناء شخصية سوية عند الطفل، ومن المهم أن تراقب ابنها وتتجنب إثارته.. وأخيراً عليها أن توجه انتباهه إلى أشياء كثيرة محببة إلى نفسه.

العدد 1105 - 01/5/2024