المكتوب يقرأ من عنوانه

يعرف الكتاب والأدباء والنقاد أهمية العنوان باعتباره العتبة الأولى للنص. وأول ما ينظر القارئ إلى عنوان المقالة أو عنوان الكتاب يتكرر السؤال التالي: ماذا وراء هذا العنوان؟ هل يتطابق العنوان مع المضمون، أم يخالفه؟

وعندما تظهر ابتسامة عاشق أو عاشقة يقول المشاهد: المكتوب يُقرأ من عنوانه..! أي أن الابتسامة إشارة دلالية للمضمون، التي تشكل حلقة تواصل وارتباط بين الداخل (القلب) والظاهر المرئي.

وفي ظلّ أزمة طاحنة متفاقمة تكاثرت عناوين اليأس والفاقة، التي طحنت رحاها ملايين المواطنين. وبرزت أيضاً عناوين مضادة للتشاؤم، مكتوبة بأقلام متفائلة ومحبَّرة بمداد الأمل!

إن العنوان الدال على قضية ما، أو حكاية تتنقل بين الناس، يخفي بين حروفه فرحاً أو مأساة. ويمكننا التمييز بين وجوه الناس، من معرفة تضاريسها وألوانها وتجاعيدها.. فالدموع على الرغم من ملوحتها ترسم على الخدود علامات الحزن أو الفرح، السعادة أو الكآبة، الحب أو الكراهية، الغضب أو البشاشة..!

العنوان الذي يحدد هوية النص، يحدد أيضاً هوية الشخص. وكما أن الكتاب يخفي مضمونه بين سطوره، يأتي العنوان ليظهر أسراره. وهناك علاقة بين الكاتب والعنوان والنص، وبين تضاريس الوجه وما تحكيه تجعداته وما يختفي تحت جلده، وما ينطق به لسانه من كلام ناعم أو كلمات مطحونة غير مفهومة.

وهناك من يكشف بوساطة تعبيرات الوجه ما يخبّئه الشخص في داخله. وإن الملامح الظاهرة – السطحية- تعطي دلالات أولية. أما أعماق النفس البشرية فتحتاج إلى رؤية معرفية وثقافة في علم النفس و(سيكولوجية) الشخصية.

هناك أسئلة يمكن طرحها: هل يعبر العنوان دائماً عن المضمون؟ أم أن الظاهر يكون أحياناً مخالفاً للمضمون، وفي أحايين أخرى يأتي متطابقاً تماماً؟

منذ أيام رأيت رجلاً في العقد الخامس يحدّث زميله والدموع تسيح على خديه. . أدرت ظهري واجتزت سوق الخضار وفتحت نوافذ ذاكرتي على الجهات الأربع. وبدأت أخمن وأقلّب الأجوبة والأسئلة. وبقيتْ كلمتان هما (على الحديدة) عالقتين في سقف ذاكرة جففت الأزمة بعض خلاياها، لكني تمكّنت من استعادتهما وتمتعتُ بموسيقاهما، وقلت: ربما خسر هذا الرجل شيئاً ثميناً، كأن سقطت قذيفة على بيته وهدمته وقتلت من يحب! أو أن راتبه لم يعد يلبّي ربع حاجاته ولم يعرف كيف يدبّر أمور بيته ويؤمن مصروف أبنائه.. وكثرتْ ال .. أو.. والاحتمالات وتمنيات الخير له. وتعددت الأجوبة لتفسير هذا العنوان (دموع رجل في العقد الخامس). ولا أزال أقدّم التفسيرات وأبني عليها الكثير من التأويلات، وأجري عليها الترميمات حتى هذا التاريخ، وأقوم بالمحاولات لكتابة قصة قصيرة تحت هذا العنوان، لكني لم أصل بعد إلى القرار النهائي..!

كل يوم يمرّ محمّل بمئات العنوانات وآلاف التأويلات والتفسيرات، التي يمكن أن تكون صائبة في بعضها وخائبة في معظمها، والعكس صحيح.

لقد ربط الشاعر محمد الماغوط ملامحه بدمشق القديمة.. ومن يجول في أحيائها  اليوم وغداً وبعد غد ويتفقّد سورها التاريخي، ويقرأ ملامحه لا بدَّ أن يتذكر قوله:(سأظلّ مع القضايا الخاسرة حتى الموت / مع دمشق القديمة كملامحي..).

ولا يزال الفرح يعمّ المنطقة بعد أن تحقق عنوان ملايين المصريين الثائرين (ارحل…!). وعما قريب سيجتثّ جيشنا الباسل الإرهاب والإرهابيين من وطننا الغالي.

العدد 1105 - 01/5/2024