سلام من صبا بردى أرق

حقيقة وصدقاً، فإن الجرح الذي تعانيه الكتابة، لا يقل عن الجرح الذي يعانيه الوطن، والجرح الذي تعانيه الأمة! إنه جرح واحد، فاق في نزفه الدموي القاني، ما نزفته الجراحات العربية فوق ترابها آلاف المرات. فالدم الذي ينزف الآن فوق تراب العروبة، مختلف جداً عن ذاك الدم الذي كرس للنضال، والحرية، والخلاص من طغاة الشعوب الغاصبين، لذا.. فهو دم شرف ساحات النضال، ورايات المجد، وبيارق الحرية. أما.. ونحن الآن نقف على فوهة فتح المشهد، فإننا نقف ببلاهة واندهاش مريبين، فمن أجل ماذا هذا التسعير القاني والدامي؟! ومن أجل ماذا هذا الجنون المستعر بين أبناء الأمة الواحدة، والوطن الواحد، والدنيا كلها تتكالب علينا، وتبسط أكف غدرها للنيل منا، وتسعى جاهدة لإعادة بسط نفوذها على تراب عجزت قوى الشر كلها في التاريخ أن تنال منه، أو تخضعه لنفوذها الغاشم؟! فإذا بنا نحن نتكالب على أنفسنا أكثر بكثير مما عهدناه من طغاة التاريخ، والغاصبين، ونقع على مجابهة من نوع فريد في الدهر: حين الدم الواحد يجابه بعضه، وحين الأمة الواحدة تجابه بعضها أكثر شراسة، وحِدَّة، ودموية. وحين الأم، الشام تتلفت عاتبة، وحزينة، فتودّ لو أنها لم تعش لحظة واحدة في الدهر لمثل هذا الجنون، وهي التي عصت على الطغاة والمارقين، ولم تعصَ على أبنائها الجاحدين. لا عشنا، ونحن نرى التاريخ يلعننا، والأجيال تلعننا، والتراب يغص ببنيه. قبائل استكثرت على نفسها أن تعيش لحظات عصر التقنيات المذهلة والتكنولوجيا، فإذا بها تلهث إلى داحس وغبراء جديدة، وبسوس أخرى، تمتعها بنكهة الدم العربي على حد السيوف المجنونة المتعطشة للدم،.. أي دم تقذفه الساحات، لا علاقة له بالمجد والعز، والكبرياء، ولكنه دم فواتير المصالح والحسابات، الذي تدفع الشعوب ثمنه من مرارة اللقمة المرة المعجونة بالدم والعرق والنضالات المذهلة! هكذا تُعِّرينا الأيام والحادثات! فلا هوية، ولا انتماء، ولا تاريخ، ولا ذكريات، إنما  فيض من العربان. زبد، وقيمة فائضة من اللهاث البشري المتعب الكليل، لا هم له فوق تراب الحياة، وعلى امتداد تكنولوجيا الكون، إلا لذة الغفوة بانكسار، ونشوة التمتع بمرارة المسحوقين، والنظر للأشياء ببلاهة الهوامش الغائبة، والفاقدة لكل إحساس. ما أقسى أن نكتب هذا، ونحن نعيشه، ونراه، ونلمسه، يقيناً قانياً، بلون الحبر الجوري، والذي ننزفه لنكتب به تاريخنا الجديد المعاصر، بآثامه، وموبقاته، وملابساته القاتمة الموحشة!

ولأننا.. عرب للصميم رغم أنوفنا، وعاطفيون جداً لدرجة البلاهة، وطيبون لدرجة المستحيل، فإننا، عند حكمة الحكماء، ومناسف كبسة المصالحة! نغفر، وننسى، ونضحك  كذلك  ببلاهة محببة، ونقسم أننا إخوة الدم الواحد، والمصير المشترك!

العدد 1104 - 24/4/2024