يا عيب الشوم!

(1)

عيب ماما، عيب! قالتها الأم عابسة وزاجرة طفلها.

ولِمَ تقولينها هكذا، كما لو أنه أقدم على ما كره الرب وحرّم الأنبياء. علماً أن العقل النظيف والفكر المعافى، لا يشيلان فعلة طفلك من أرضها. وإن شالاها، فعلى محمل أقرانها من طبيعي وعادي وبريء التصرفات.

قلت ما قلت في سرّي، ثم التفتُّ إلى ( كارولين) لأكمل وبصوت مسموع هذه المرّة:

لو كان لي ما يكفي من الجرأة والحرية، وللآخرين ما يكفي من حسن النية وتحسس الجمال وتقديره ؛ لفعلت ما فعَله الطفل تماماً.ثم مَنْ قال يا صديقتي إن تلك الحسناء لم تُسعد بملامسة أصابع الطفل، ذلك المَعْلمِ الحميمي البارز من جسدها؟.. بل من أين لهذا الطفل الذي ما زال بغواً، وحواسه الغريزية العفوية بعد، ثقافة المنع والكبت والكذب والعيب والحرام التي تنوء بها حوافظنا الصدئة؟

ختمتُ متسائلاً وسائلاً صديقتي التي ما انفكّت تؤمّن على كلامي وتؤيد مراميه، بفصيح قسماتها وبريق عينيها.

 

(2)

توصي بعض الأمهات بناتهن أحياناً، باجتناب أشياء وأشياء، ما أنزل الله بها من سلطان ولا متّ إليها العيب بصلة. ما قد تجد البنت معه نفسها في حيرة من أمرها، مُضَيَّعةً ما بين الشيء ونقيضه. كأن يُقال لها: عيب أن تقولي الحقيقة، إذا ما سئلت عنها..وعيب أن تكذبي..وأن لا تقولي شيئاً، عيب.

عيب أن تتناولي حاجتك من الطعام، إذا ما دعيت له.. عيب أن تأكلي ملعقة وتنهضي..وأن لا تأكلي بتاتاً أيضاً عيب.. عيب أن تلبسي ما يكشف عن جسدك إذا ما لبست ثوباً.

عيب أن تلبسي ما يغطيكِ من قمة رأسك إلى كعب رجلك.. وأن تخرجي عارية فذلك عيب وحرام وتعلمين ماذا أيضاً!

 

(3)

يقول أحد اللغويين في العيب:

جدار عائب: جدار آيل للسقوط.

امرأة عائبة: امرأة ساقطة، تشكو – وقد لا تشكو -خللاً في الأخلاق.

منظومة عائبة: منظومة نخرها السوس، وستسقط في وقت ليس ببعيد.

تشبه العيوب من حيث حجمها ، الأشياء.ففيها الصغير والمتوسط والكبير.

تشبه العيوب الأخطاء.فمنها البسيط والعادي والفادح.

تشبه العيوب القانون والتشريع وما إليهما، من حيث أنها تعود في مسؤوليتها، على مَنْ سنّها وشرّعها.

وليس سرّاً، أن في العيوب ما يشبه الذنوب. لناحية اغتفارها لمرتكبيها، إذا ما كانوا من (آل فرفور) وعمومتهم وخؤولتهم، وممّن لفّ لفيفهم وتوسم سماتهم وحذا حذوهم.

 

(4)

سألت العيب إثر خيبة عصفت بي بسببه ذات فرصة هيهات أن تتكرر: هلاَّ أفدتني ببساطة وإيجاز، مَنْ تكون يا (منظوم)؟

فسمعته وربما شُبّه لي أنه قال: أنا الخلل والنقصان وعدم الاكتمال في أي شيء. أتمايز اختلافاً حسب مادتي وموضوعي وشكلي ونوعي وحجمي وكميتي و.. و.. وأنتظم العالم جمادات ونباتات وأفكاراً وأحياء.كما أتمايز وأتضرّج غضباً وخجلاً ومهانة، كلما تذرّع بي، تخبّأ ورائي، تلطّى تحت لافتتي أو تلفّع عباءتي ابن لآدم أو ابنة لحواء.

 

(5)

طوبَى لطفلٍ

يرفعُ قميصَهُ مبوّلاً

على قارعة العيبِ والشارعْ!

العدد 1104 - 24/4/2024