يمتصون النور ويعكسونه عتمة وناراً

لا يوجد هدوء أعمق من هدوء العاصفة قبل أن تهب، ولا سكون أقوى من سكون المحيطات قبل أن تضرب أمواجها وتهب مُكتسحة كل ما فوقها من سفن هشّة وقوارب منخورة، ولا صمت يعادل صمت الأفخاخ وهي هاجعة تحت الأوراق، منتظرة أرجلاً مُتسرعة تركض هاربة.

وما أكثر الذين يحلمون.. وما أقل أولئك الذين يوقظون الفجر بأفكارهم المبدعة، وأصواتهم الجريئة.

وليس كل مَن تسلق الجبال امتلك قممها، ولا كل مَن صوّب أصاب الهدف، ولا كل مَن له أسنان سليمة عرف كيف يأكل، ولا كل مَن كانت أسنانه منخورة عجز عن الشّتم والعض.

وليس كل علاقة سليمة تنتج بالضرورة أبناءً سالمين من الجهل والحماقة، ولا كل زوجة أحبّت زوجها رضيت بحبّه إلى الأبد.

ولا كل مَن غسل يديه غدت أصابعه نظيفة، ولا كل مَن لبس ثياباً جميلة صارت أفعاله سليمة، ولا كل مَن سمع فهم، ولا كل مَن قال فعل، ولا كل مَن امتلك لساناً عرف كيف يتكلّم، ولا كل مَن كانت له عينان جميلتان سليمتان استطاع بهما أن يحصل على المعرفة من كهوف الكتب وبطونها.

ولا كل مَن كانت له قوة عظيمة أنتج أعمالاً مفيدة، ولا كل مَن امتلك المال عاش بسعادة وأمان، ولا كل مَن تخرّج في الجامعات والمعاهد غدا مُثقفاً وحكيماً. ولا كل مَن ركض بعدّاء، ولا كل مَن وصل كان أهلاً ويستحّق الجائزة. وليس كل قسوة دليل قوّة، ولا كل صمت  دليل موافقة.

وهل يقاس صمت الذئاب المقفوصة بصمت الضفادع الحرة في البحيرات والمستنقعات؟!

وهل استيقاظ الأرانب والديوك كيقظة الصقور والنمور؟

وعبثاً يحاول البعض مقارنة مخلب العقاب بظفر الصوص، ومنقار النسر بمنقار الدجاج، وهدير الرعد بهديل الحمام، وموج البحر بأمواج السواقي.

إن الأقفال الجيدة دائماً كانت تُصنع من الحديد والفولاذ، ولا من ريش النعام وورق الكرتون، وشفرات السيوف من الضروري أن تُصنع من أقسى المعادن كي يُقال عنها سيوف، وأسوار القلاع إذا لم يدخل في بنائها الصخور الكبيرة وقضبان الحديد بقيت قلاعاً من ثلج  وفلّين.

إنَّ اللحم والعظام أثقل من مكوِّنات العقل الهلامي والدماغ الناعم الطري، إنما ثقل الأشياء لا يعني أبداً أنها عظيمة وثمينة! فالمعنى يبقى أغلى وأحلى، وهو الذي يعوّل عليه في نهاية المطاف.

وهل يقاس تغريد الحسّون بنهيق الدواب، والغصن الممتلئ ثماراً بالأغصان اليابسة الشامخة بفراغها نحو السماء؟

وما أكثر من يمتصّ ويستفيد من نور الشمس، لكنهم لا يعكسون ما يأخذونه إلا ناراً وعتمة على مَن حولهم.

وقد تقفز الضفادع قفزات طويلة.. لكنها بالتأكيد لن تحلق بقوائمها النّحيلة عالياً، ولو كانت من ذهب أو فضّة.

(وقد يلقي المجنون حجراً في بئر، فيعجز ألفُ عاقل  عن استخراجه).

العدد 1104 - 24/4/2024