وداعاً أيها الصديقوالرفيق المخلص أبو سليم!

ها هو ذا واحد من رفاقي الشيوعيين الأوفياء يسقط في حلبة صراعه مع الموت الذي لا رادّ لقضائه.

لقد كنت أيها الصديق والرفيق إلياس بشارة، صديقاً حميماً ورفيقاً وفياً تتردد على زيارتي بين وقت وآخر، لتطمئن إلى صحتي وأطئمن إلى صحتك، لكن القدر شاء أن يختطفك مني، ومن ذويك، وإن في أوج رجولتك ونشاطك.

كنت يا رفيقي إلياس صديقاً لي، منذ مقتبل العمر، عندما كنا طلاباً في ثانوية الآسية في دمشق، وكنتُ مسؤولاً آنذاك عن الشباب الشيوعي، إذ دعوتك مع جماعة من الطلبة الأصدقاء للاستماع إلى شرح لسياسة الحزب الشيوعي. وأذكر أنك كنت يومذاك من أوائل الأصدقاء الذين تقدموا بطلب انتساب إلى الحزب.

إن الرفيق إلياس إنسان دمث ووديع، وقبل كل شيء واعي الفكر، كتوم يحفظ السر، كل هذه الصفات أهلته بجدارة لأن يكون رفيقاً في الحزب الشيوعي السوري، ثم تدرج في المسؤولية الحزبية حتى أصبح عضواً فاعلاً في فرعية الحزب المسؤولة عن حيّ القصاع.

أذكر أنك اشتغلت مدرساً في مدرسة الآسية بعد أن حصلت على شهادة الإجازة في الحقوق، وكنت تؤدي واجبك التعليمي بأمانة ونجاح، ما جعلك محبوباً من زملائك وطلابك معاً.

وهنا لابد لي أن أذكر مشاركتك الشجاعة أثناء خدمتك العسكرية الإلزامية في حرب تشرين التحريرية ضد العدو الإسرائيلي الغاصب، ثم الانسحاب يوم عدت إلى وظيفتك في وزارة المالية، كيف كنت موظفاً انضباطياً ونشيطاً، نظيف اليد، في وقت كانت الرشوة والفساد الإداري قد تفشيا في السلك الحكومي. وهنا لابد لي أن أشهد لك بالنزاهة والتمسك بمبادئ الحزب، إذ لم تحد عن معتقداتك الماركسية في النزاهة والشرف وخدمة المواطن.

أنا أعترف لك يا رفيق إلياس، بأنك تتحلى بالروح الإنسانية السمحة، والوفاء في علاقاتك العامة والخاصة، فقد كنت لا تنقطع عن زيارتي في الأيام الأخيرة، نتبادل الأحاديث، دون أن أذكر أنا اختلفنا في تقييمنا للأوضاع المستجدة، لأنك كنت دائماً ذلك الماركسي الذي ينطلق في تحليلاته ومواقفه من الواقع السياسي على الأرض، دون تصورات وتخمينات تبعدك عن التقدير الصحيح.

إنني أعتز بك أيها الصديق والرفيق، وسأظل أذكر طيبتك وتواضعك وصواب تكفيرك السليم الذي أخذتُ منه الكثير.

إني أعزّي ذويك.. زوجتك أم سليم التي كانت دائماً ترعاك في مرضك وفي حياتك، وأعزي أولادك الذين ربيتهم تربية فاضلة قويمة.

الصبر والسلوان لنا جميعاً على فراق الصديق والرفيق والأب (أبي سليم).

العدد 1105 - 01/5/2024