التدخل الحكومي ضرورة ملحة لتوازن الأسعار وحماية المستهلك

في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة والظروف المعيشية القاسية الضاغطة نتيجة الحصار الاقتصادي والحرب القائمة، ونتيجة الضعف الأدائي لمواجهة الإرهاب الاقتصادي الذي يمارسه بعض الفاسدين وأدواتهم أتباع الغرب وأنصارهم في قتل سورية والشعب السوري عبر التلاعب بالأسعار بواسطة الاحتكار السابق واللاحق والمضاربات، وعبر رفع سعر الدولار بالتعاون مع بيوت الصرافة وحماية بعض الفاسدين، وبالتناغم مع بعض القوى بالخارج.. نسمع بعض التصريحات الاقتصادية والسياسية التي هي العلاج المؤقت التخديري الصحيح من أجل البناء الاستراتيجي المستقبلي في ظل العمل للحفاظ على وحدة الكيان السوري ومناعته ضد القتل أو التفتيت، ومنع الفوضى التي قد تنجم عن معاناة الشعب لتهيئة البيئة الحاضنة لكل الأمراض.

إن الأغلبية الساحقة من هذا الشعب الذي علم العالم معنى الصبر والانتماء تطالب بالتسعير الإداري بوصفه ضرورة واقعية موضوعية لما وصلت إليه الأمور، وبالتالي تدخل الدولة عبر الاحتكار وعرض السلع بشكل موسع والتحكم بمفاصل الاقتصاد لإرجاع دورها الأساسي القوي المخول لها التحكم بكل السياسات والبرامج والأدوات الناظمة والضابطة لسيرورة العمل، ولوحدة البلاد وقوتها وأمنها،  وبالتالي للتحكم بكل السياسات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية ضمن رؤى تناسب كل المشاكل البنيوية الناتجة عن سياسات سابقة فرضت لمحاباة بعض الأشخاص أرهقت سورية بكامل أبنائها وكامل بنيانها، ومهدت البيئة الحاضنة لدخول الأمراض والفيروسات عبر ثقافات لا تخدم الوطن، وتضر بمصالح المواطن والدولة. وعبر قتل القطاع العام بتخسيره العلني عبر عرقلة كل برامج ومحاولات إصلاحه التي لم تكن بكل أنواعها ذات كلفة وبناءة، أو عبر الحملة الموجهة لسحب التوزيع العادل للثروة تحت شعار رفع الدعم وتحرير التجارة الخارجية.

إن هذه السياسات البعيدة عما كان مخططاً له نجم عنها فقر مدقع ومنتشر انتشاراً كبيراً وبطالة بكل أنواعها وهجرة داخلية كبيرة شكلت ضغطاً على الكثير من المحافظات الكبيرة، وهجرة للأراضي الزراعية بسبب الاضطراب التنموي المناطقي والإقليمي. وبالتالي يكون العلاج الأمثل لكل هذه الأمراض إعطاء الدولة الدور القوي الناظم لكل السياسات. ولا يمكن أن يتم ذلك عبر التحرير السلعي، وإنما العكس هو الصحيح، أي عبر التدخل القوي العلني المبرمج بعرض السلع وفرض الأسعار ومتابعة التنفيذ. ويتم ذلك بإعادة الدور لمؤسسات التجارة الداخلية من المؤسسة الاستهلاكية ومؤسسة التخزين والتبريد وغيرها، بالاستيراد المباشر لهذه المؤسسات للسلع، فلا يعقل أن تشتري هذه المؤسسات من التجار ما تريد أن تبيعه، أو أن توكل المهمة لمؤسسة التجارة الخارجية. إضافة إلى إعادة دورها في استيراد المواد اللازمة لإعادة الإعمار، وكذلك عبر البدء بإصلاح القطاع العام من الناحية الإدارية والقانونية، وإعادة إصلاح وإعمار ما هدم منه.  وتفعيل دور المؤسسات الإنشائية للمهام الملقاة على عاتقها، وأن تقوم بهذه الأعمال بنفسها لا بواسطة متعهدين لقبض الرشا.

فلا يمكن الاستمرار في سياسة التحرير في ظل هروب أغلب الرساميل، وما بقي منها محمي ويمارس دور المحتكر المتحكم بالأسعار بحيث يرفقها بما يمنع الارتهان لقانون العرض والطلب..فالسياسة المناسبة إذن هي التسعير الإداري لأغلب السلع مع مراعاة الظروف المعيشية للطبقات الفقيرة التي تضاعف عددها، ولظروف النزوح والتهجير، مع الأخذ بالحسبان أن أغلب الاحتياطات النقدية يجب أن تستخدم لخدمة هذا الهدف ضمن برنامج زمني مناسب للظروف الحالية والمتوقعة لا حقاً. وهنا الفائدة الحقيقية لما يسمى الدعم في الدولة. ففي مثل هذه الظروف لا تمارس الدولة دور التاجر الذي يبحث عن الربح المالي، وإنما دور الأم الحنون التي تضحي من أجل أبنائها الذين يضحون من أجلها. مع العلم أن الأموال المجمدة في المصارف كانت في بداية 2011 نحو680 مليار ليرة سورية. ويقال: بقي من الاحتياطي النقدي بالعملة الصعبة مبلغ 15 مليار دولار يجب أن يسخر جلّه لخدمة أمور المواطنين المعيشية وفق جداول زمنية وأوّليات.

 وإن الكلام عن التحرير هو محاولة للهروب من هذه الالتزامات، وخدمة لبعض المصالح الضيقة. ومنه نقول: إن تمرير قرارات كهذه في مثل هذه الظروف عن طريق الصدمة المفاجئة هو تصرف غير مسؤول وغير مدروس العواقب. وإن من يحاول أن يكرس ويقونن التضخم الحالي عبر تصريحات لا تنم عن نية وطنية صادقة، إما جهل أو مصلحة أو مدفوع من بعض أصحاب المصالح بعدم الاستقرار الوطني. وهؤلاء يتماهون مع من يريد منع العودة القوية للدولة وتفريغ القوانين من مضامينها، كما أثبتت التجارب قبل بدء الأزمة واستفحالها. ومن هذه الأمور تصريح لأحد رؤساء الاتحاد التعاوني السكني الذي أنشئ لتأمين المسكن اللائق واللازم للمواطن، وليكون أداة لعرض المساكن بما يخفف من المضاربات التي ما انفكت المكاتب العقارية والمتعهدون والمقاولون تتعامل بها. وكانت بؤرة فساد ولا تزال.

فقد صرح بأنهم سوف يوزعون أراضي على الجمعيات في هذه الظروف، علما  أنهم يحسبون تكلفة المتر بين 22 و25 ألفاً وهو أقل  40% من أسعار السوق. وأن البلدية توزع المتر ب6000 ل.س بعد أن كانت توزعه ب600 ل.س. وكلامه يندرج ضمن سياق ما أشرنا إليه كلامنا. فأسعار السوق حتى في هذه الظروف أقل مما قال، وإن التكلفة أقل بكثير، وإن أموال المكتتبين جزء منها مسبق، وإن البلدية جزء من منظومات الدولة. وبالتالي يمكن العمل على تخفيض التكلفة التي يجب أن تكون أقل من ذلك بأضعاف. ولكن الذي تكلم من منظومة تعلمت مراعاة التجار وقبض الأموال والتبعية لبعض الفاسدين. علماً أنه أضاف: كان يحق لهم ثمانية طوابق وأصبح 13 طابقاً بمعنى ربح أكثر من 20 شقة إضافية لكتلة البناء. وإننا طالبنا سابقاً بضرورة العمل على إعطاء دور للجمعيات بإعادة الإعمار والسكن العشوائي الذي يخدم المواطن والبلد ويحقق وفورات كبيرة.

وأخيراً نقول إننا كنا منذ سنوات وما زلنا ضد رفع سعر الوقود الذي فرض عبر طريقة الصدمة وفق معطيات ووقائع لا تحتاج إلى هذا الرفع، وإن الانعكاسات الحقيقية له لن تظهر بشكلها الحقيقي والمؤثر إلا بعد أن تعود الحياة إلى طبيعتها ويعاد النظر بكل أسعار الوقود، عندما تعود المنشآت النفطية إلى ملكية الدولة وسيطرتها وتعود الدولة لاستيراد وتكرير هذه المواد وزيادة الطاقة الإنتاجية وبناء الكثير من الطاقات الإنتاجية. وإن القرار الأخير كان لصالح بعض الأشخاص الذين احتكروا استيراد هذه المواد بسبب الظروف الحالية، ونختم بأن الكلام عن تحرير بعض الأسعار في مثل هذه الظروف غير واقعي وغير منطقي، ما لم يبرر وفق معطيات رقمية ووفق ضوابط وأرقام تدل على الحاجة الوطنية.

العدد 1105 - 01/5/2024