لماذا تتباطأ اقتصادات الدول الناشئة؟

قبل فترة وجيزة كنا نتخيل البرازيل وتركيا تتراكضان على خطا الصين والهند. لكن، ها هي ذي التظاهرات في هذين البلدين تحشد جماهير كثيرة لم تعد تحتمل الظلم والتضخم والنقل العام الهزيل وتخريب البيئة. في البرازيل، سلّط مئات الآلاف من المتظاهرين في ريو دي جانيرو وساو باولو وبيلو هوريزنتي، الضوءَ على ضعف النمو في بلاد لولا، الرئيس السابق الذي تخلى عن السلطة في الأول من كانون الثاني (يناير) ،2011 في ذروة شعبيته. هذه الشعبية التي لن تعرفها الرئيسة الحالية ديلما روسيف.

ولَّت أيام النمو المرتفع البالغ سبعة في المئة من الناتج المحلي الخام التي عرفتها (أهراءات العالم) والتي زرعت الآمال بالحصول على العضوية الدائمة في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة!

مجموعة دول (البريكس) (المؤلفة من البرازيل وروسيا والهند والصين وإفريقيا الجنوبية) التي كانت تدفع الاقتصاد العالمي في وقت كانت البلدان الغنية تجهد للخروج من الأزمة، تعاني تباطؤاً مقلقاً. ويقول المسؤول الاقتصادي في مؤسسة (كوفاس) إيف زلوتوسكي: (إن الميل إلى التباطؤ لا يمكن إنكاره. لقد تراجع النمو الصيني من ما يزيد على العشرة في المئة إلى سبعة أو ثمانية في المئة حالياً. ولم تعد الهند إلى مستوى السبعة في المئة، ووقفت عند عتبة الأربعة في المئة. وتراجعت روسيا من أكثر من ثمانية في المئة إلى أقل من أربعة في المئة).

لتفسير هذا الانخفاض، يُستخدم غالباً انهيار استيراد الدول الغنية التي تعاني الأزمة. يرد الأستاذ في مدرسة الاقتصاد في باريس فرنسوا بورغينيون بالدعوة إلى وضع الأمور في سياقها النسبي. ويقول (تدهور صادرات الصين لا يدخل سوى 2,0 في المئة من نقطتي التراجع في الناتج المحلي الخام. لقد أثرت عوامل أخرى، مثل ارتفاع قيمة اليوان والرواتب الصينية على تقلص النمو).

ويشير فرنسوا – كزافييه يبلوك، مسؤول وحدة تحليل الاقتصاد الكبير (الماكروي)، إلى (إرادة بكين في إعادة التوازن إلى اقتصادها لمصلحة الاستهلاك على حساب الاستثمار). ووفق زلوتوسكي، لا ينبغي نسيان (فائض مديونية القطاع الخاص التي تجاوزت 200 في المئة من الناتج الداخلي الخام).

ويعاني كل بلد من البلدان الناشئة مشكلات تكبح نموه. فالبرازيل والهند وإندونيسيا تكابد غياب الاستثمارات في الطرق وسكك الحديد والمرافئ والطاقة الكهربائية. أما روسيا وإفريقيا الجنوبية والأرجنتين فتبدو مشلولة بسبب أساليب حكم غير فاعلة، وتخيف المستثمرين المحليين والأجانب. وتشكو تركيا من عجز في الموازنة جعلها معتمدة على الاقتراض من الخارج. ويعاني عرض المنتجات والخدمات نزعتَيْ التحكم والحمائية في الأرجنتين والهند والبرازيل.

بيد أن نمو الدول الناشئة يظل قوياً، لأنه (يجري على نحو مستقل عما يجري في أوربا أو أمريكا الشمالية)، على ما يقدر بورغينيون. ويضيف (أولاً، لأن التجارة بين دول الجنوب حققت قفزة مهمة، ثم لأن الكثير من الدول النامية تبحث في كيفية الاستفادة من أسواقها الداخلية).

لكن هذه البلدان تخطئ في التركيز على النمو. ويذكّر بيلوك بأن (انضمام بلد ما إلى البلدان الناشئة يعني أنه حول نموه إلى تطور اقتصادي واجتماعي دائم). من هنا، نفهم طول الطريق الذي يتعين على الصين أن تسيره على رغم أنها ثاني أكبر قوة اقتصادية في العالم، لكنها في عام ،2012 احتلت الموقع 101 في مؤشرات التنمية البشرية، التي وضعها برنامج الأمم المتحدة للتنمية.

أما البرازيل التي هي سادس قوة اقتصادية، فتقع في الخانة الخامسة والثمانين ضمن مؤشرات التنمية البشرية. وتضع الدول الناشئة قَدَماً في العالم المتقدم والقدم الثانية في البلدان المتخلفة. ويرى زلوتوسكي أن (مشكلات الدول هذه البنيوية تصبح حارقة. فهي تفتقر إلى الأيدي العاملة المؤهلة ما يرفع الرواتب بسبب ذلك ويقلص قدرات البلدان التنافسية. وإذا بحثتم عن اقتصادي في الصين فلن تجدوه إلا بسعر مرتفع جداً. ويبدو النقص فادحاً أيضاً في مجال البناء).

التفاوت الكبير بين مستويات معيشة السكان يؤدي كذلك دوراً كابحاً للنمو. ويجلب التفاوت المذكور شعوراً بانعدام الأمن بسبب الجريمة المتصاعدة (في البرازيل وإفريقيا الجنوبية ونيجيريا والمكسيك) والفساد. لكن، في بلاد أخرى اعتدنا تسميتها (الناشئة)، يظهر نمو لا ينخفض. وما زالت آسيا أرض الأرباح: تمضي إندونيسيا والفيليبين من نجاح إلى آخر. وفي أمريكا اللاتينية تثبت تشيلي والبيرو وكولومبيا أنها قادرة على الصمود. وفي إفريقيا، تواصل نيجيريا نموها السريع على رغم اعتمادها الكبير على النفط. وتسير إثيوبيا وغانا على طريق النمو أيضاً.

 

عن (الحياة)

العدد 1107 - 22/5/2024