في اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة فليعلُ صوت النساء على المدى!

سيحل بعد أيام الخامس والعشرون من تشرين الثاني، وهو اليوم العالمي لرفع العنف والتمييز عن المرأة، الذي أقرّته الأمم المتحدة عام 1999 بإصدارها القرار 54/134. إذ دعت الحكومات والمنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية لتنظيم نشاطات ترفع من وعي الناس حول مدى حجم القضية وتأثيرها على المجتمعات كافة، وكذلك على خطط التنمية الحكومية في جميع البلدان. وقد أتى هذا اليوم حصيلة كفاح الناشطين/ات، تخليداً لذكرى الناشطات الأخوات ميرابال اللواتي اغتالهن بوحشية أمر من ديكتاتور الدومنيكان رافاييل تروخيلو عام 1960.

ويعد هذا اليوم مناسبة للوقوف على معاناة النساء المتمثلة بأنواع مختلفة ومتعددة من العنف الجسدي والنفسي والمعنوي.. إلخ، كما هو فرصة لحثَّ المسؤولين على اتخاذ جميع الإجراءات والتدابير الكفيلة بالاستئصال والقضاء النهائي على ظاهرة العنف ضد المرأة، التي مازالت الضحية الأساسية لانتهاكات حقوق الإنسان سواء على المستوى العالمي أو الوطني، ذلك أنّ ثُلث نساء العالم على الأقلّ تعرّضن ويتعرّضن يومياً للضرب أو سواه من أشكال سوء المعاملة في حياتهن، ومن أقاربهن على الغالب. وقد عُرِّفَ العنف في الإعلان العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة بأنه: (كل فعل عنيف قائم على أساس الجنس، ينجم عنه، أو يُحتمل أن ينجم عنه، أذىً أو معاناة جسمية أو جنسية أو نفسية للمرأة، وبضمن ذلك التهديد باقتراف مثل هذا الفعل أو الإكراه أو الحرمان التعسفي من الحرية، سواء أوقع ذلك في الحياة العامة أو الخاصة).

ورغم تصديق الحكومة على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، إلاّ أن التشريعات المعنية بها ما زالت غير متلائمة وتلك الاتفاقية من جهة، ومن جهة أخرى لا تزال التحفّظات الموضوعة على المواد الهامة والأساسية في الاتفاقية تُفقدها معناها، وتبدد الجهود الرامية إلى إعطاء المرأة حقوقها في المجتمع. إضافة إلى وجود العديد من النصوص والقوانين التي يغيب عنها الدفاع الحقيقي عن مصالح النساء، إذ نجد مثلاً أن عقوبة الزنى تختلف بالنسبة إلى المرأة عنها في بالنسبة إلى الرجل، وكذلك الأمر في موضوع قانون الجنسية الحافل أصلاً بالتمييز الفاضح ضدّ المرأة.

نُضيف إلى هذا العنف الروحي والنفسي عنفاً آخر في المجتمعات الإسلامية، وهو تعدد الزوجات دون مبرر مقنع وواقعي، وكذلك الطلاق بإرادة منفردة. وهناك عنف زوجي أشدُّ إيلاماً وقهراً، إذ يلجأ بعض الأزواج إلى التعرّض لأخلاق الزوجة واتهامها بالخيانة جهراً، وذلك تمهيداً لقتلها نفسياً واجتماعياً وأخلاقياً، وبالتالي أحقيته في طلاقها خالية الوفاض من مهرٍ اعتقدت وأهلها أنه حماية لها. هذا من جهة، ومن جهة أخرى يدفع بها هذا الزوج( الشهم) للتخلي عن أمومتها مرغمة، بذريعة أنها ليست أهلاً لتربية أولاده بحكم ما اتهمها به. وبالمناسبة هذه من أكثر القضايا التي يُصدّقها المجتمع وربما أهل الزوجة بالدرجة الأولى، لما للعامل الأخلاقي من تأثير كبير في حياة المرأة والمجتمع. إلاّ أنّ أشد أنواع العنف الممارس على المرأة- ودون أن تشعر به أو تتعرّف ماهيته- هو العنف الرمزي الذي وصفه عالم الاجتماع الفرنسي( بيار بورديو ) قائلاً:

(هو عنف هادئ لا مرئي ولا محسوس حتى بالنسبة إلى ضحاياه، ويتمثل في أن تشترك الضحية و جلادها بالتصورات نفسها عن العالم والمقولات التصنيفية نفسها، وأن يعدّا معاً بنى الهيمنة من المسلمات والثوابت. فالعنف الرمزي هو الذي يفرض المسلّمات التي إذا انتهينا إليها وفكّرنا بها بدت لنا غير مسلّمٍ بها، وهي مسلّمات تجعلنا نعدّ الظواهر التاريخية الثقافية طبيعة سرمدية أو نظاماً عابراً للأزمنة، وأشدُّ أنواع العنف الثقافي هو الرمزي).

إنّ العقل والفكر العربي مرتهن للعقلية الشعبية وموروثها من أمثال ومقولات، لما لها من تأثير أكبر في بعض الأحيان من تأثير الدين والثقافة على العقلية العربية( جرائم الشرف مثلاً). يترافق هذا أيضاً مع حالة اللاّ حوار داخل المجتمع في كل الأمور، إذ تبقى الكلمة الفصل لصاحب السطوة.

وهنا تبرز أهمية التثقيف ونشر المعلومات عبر وسائل الإعلام والمنظمات غير الرسمية والحكومية، لرفع الوعي لدى جميع قطاعات المجتمع من خلال إشراك قادة الرأي والمربين والزعماء الدينين المتنورين والمثقفين والمنظمات المعنية بصحة المرأة وحقوقها للقيام بحملات إعلامية، من أجل خلق وعي جماعي وفردي بحقوقها، لا من خلال تعاطف وعطف، وإنما من خلال ممارسة عملية وقناعة حقيقية تحت طائلة المساءلة القانونية والأخلاقية.

واليوم، وبعد أن بات الضوء أكثر تسليطاً على قضايا العنف ضدّ المرأة، ورغم سعي المؤسّسات الأهليّة والجمعيّات والنساء الناشطات الحقوقيّات برفع الصوت حول هذا الموضوع، فإنّ مسألة العنف ضّد المرأة تظلُّ قضيّة عالميّة، ويبقى لليوم العالمي لمكافحة العنف ضدّ المرأة أهميّة كبرى في إطار العمل الجاد والحقيقي من أجل وضع خطط عالميّة تقضي بوقف كل عنف يُمارس في حقّ أيّة امرأة في أيّ بلد كان. هذا ويسعى العديد من الدول إلى اعتماد قانون خاص بقضايا العنف ضدّ المرأة.

وعلى الرغم من الجهود المبذولة من أجل التصدي لهذه الظاهرة، فإن واقع الحال يؤكد أنه مازال يتعين القيام بجهود جبارة للقطع مع السلوكيات التي تعتمد العنف الأسري الذي يحتاج إلى تحرّك الجميع بصفة سريعة وجدية لوقف ارتفاع معدلاته. فلنُعلِ الصوت نحن النساء في كل مكان، رافضات العنف بكل أشكاله وتجلياته مهما كان مصدره قريباً لانتمائنا العائلي أو الروحي.. ولنردد جميعنا: لا.. لا لكل أشكال العنف ضدّ النساء في أيّ مكان في الأرض!

العدد 1105 - 01/5/2024