رحل أيضاً الرفيق عبد الجليل بحبوح «أبو فياض»

الرفاق والأصدقاء يتساقطون كأوراق الخريف، فما إن نودع راحلاً حتى نكون أمام وداعٍ آخر، وبين الوداعَيْنِ ينسلخ واحدنا عن جزءٍ عزيزٍ وغال عليه، لأنه يشعر بأنه هو الآخر في الطريق إلى  المصير نفسه الذي لا مفر منه، عاجلاً أو آجلاً.

رحل الرفيق عبد الجليل عن حياة ملؤها النضالات والعذابات. لقد عاش شيوعياً مخلصاً لمبادئ الحزب وأفكاره، وتحمل من أجل ذلك الاضطهاد والعذاب، يوم أعلنت الوحدة بين مصر وسورية، وكان من أوائل المدافعين عنها، من خلال البنود الثلاثة عشر التي اتهمتها حكومة الوحدة بأنها اعتراض على الوحدة ومهاجمة لها، فتعرض مع آلاف الشيوعيين والديمقراطيين آنذاك للسجن والتعذيب في سجن المزة العسكري، لكنه ظل مؤمناً بخط الحزب ونهجه مدافعاً عن الوحدة العربية، ولم يلن أمام جلاديه الذين أمعنوا في تعذيبه، على أن يتراجع عن رأيه، فما تراجع وظل ذلك الشيوعي الأمين على سياسة الحزب وصحة موقفه.

ليست المرة الأولى التي يقف فيها الرفيق عبد الجليل هذا الموقف الصلب في الدفاع عن الديمقراطية خارج الحزب وحسب، بل في داخل الحزب أيضاً، عملاً بتوجيهاته وتنظيمه، رغم الهزات الانقسامية التي تعرض لها الحزب، لكنه ظل مع ذلك وفياً لمبادئ الماركسية ومخلصاً للحزب، حتى النفس الأخير من حياته.

لا غرابة أن تندمج حياة الشيوعي المناضل بالاضطهادات والعذابات، إلا أن الرفيق عبد الجليل ابتلي بداءٍ عصبي ترك أثره على يديه اللتين كانتا ترتعشان على الدوام، مع ذلك بقي يتمتع بطبع ديمقراطي هادئ، يدافع عن رأيه ولا يخرج عن هدوئه إلا إذا رأى أن من يناقشه قد ابتعد عن الحق والحقيقة واشتط في مغايرته للواقع، والفهم الماركسي للأمور.

أذكر أنه اشتغل في مرحلة من حياته، في وكالة (سانا) للأنباء، وكان دائماً حريصاً على صدق الكلمة التي تعبر عن نقل الواقع بأمانة دون تحريف أو تحيز ليكون مخلصاً للحقيقة والواقع.

كما أن آخر لقاءٍ كان بيننا يوم زارني في البيت وتبادلنا الحديث عن مشاكل الحياة وهمومها وعن الحزب ومستجدات الوضع السياسي، وقد كنتَ دائماً ذلك الرفيق الشيوعي الذي يتفهم مجريات الأمور السياسية، ويبدي رأيه بوداعة وتواضع وواقعية.إن صدى كلماتك بقي يتردد في ذاكرتي ووجداني ما حييت.

وهل أنسى فضلك الذي كنت تخصني به من كتبٍ قيمةٍ ومجلات فكرية حديثة ما زلت أطالعها بشغف وأحتفظ بها ذكرى معطرة من مآثرك التي لن تنمحي.

الرحمة لك والعزاء لأولادك وزوجتك المناضلة الشيوعية  والكاتبة المعروفة زينب نبوّه، طال عمرها.

والصبر والسلوان لنا جميعاً على مصابنا الأليم بفقدك أيها الرفيق الغالي أبو فياض.

العدد 1105 - 01/5/2024