مواقع الصحف العربيّة… متى ينتهي الجهل الإلكتروني؟

لن تضطر للانتظار أكثر من خمس عشرة دقيقة، ليتم تحديث موقع صحيفة (ليبراسيون) الفرنسية بمادة جديدة. وغالباً ما يكون الخبر مرفقاً بتقرير مصوّر، بشكل يغني عن التلفزيون. وإذا أردنا أن نجمع محتوى موقع صحيفة أجنبية في عدد ورقي واحد، صار حجم الجريدة بحجم كتاب. وهذا ما لا نجده في أي موقع عربي. إذ إن الطبعة الإلكترونية لمعظم الصحف العربية، هي نسخة طبق الأصل عن العدد الورقي. والمفارقة، أن تكون شرارة الثورات العربية، نابعة من عالم الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، في حين أن صحفنا، الناطقة باسمنا ولغتنا، (جاهلة) إلكترونياً… إن لم نقل (أميّة).

من الصعب جداً أن نقارن مواقع الصحف الأجنبية بمثيلاتها العربية، سواء من حيث الشكل والتصميم أم المضمون. إذ لا تزال الصحف العربية متخلفة كثيراً، وسط التطور الواسع للصحافة الإلكترونية في العالم. فمواقع (الغارديان) و(نيويورك تايمز) مثلاً، غنية بالتحقيقات الخاصة، واللقطات المصوّرة، التي قد لا تجد لها مكاناً على الورق، لضيق المساحة. كما أن معظم تلك المواقع، تعتمد على تغيير التصميم وتحديثه، بين عامٍ وآخر، بهدف جذب مزيد من القرّاء. ولا تخلو صفحات تلك المواقع، من المادة الإعلانية، إذ تعدّ باباً منفصلاً لتأمين دخل إضافيّ للصحف. وهذا ما لا نجده على مواقع الصحف العربية. فهل السبب في ذلك هو ضعفٌ في التمويل أم في التخطيط؟

المشكلة الأساسية لا تتعلق بالتمويل، بحسب مسؤول موقع صحيفة (الأخبار) اللبنانية منصور عزيز، بل (العقلية الورقية المسيطرة على الصحف العربية التي من الصعب جداً التخلص منها. فالنسخة الإلكترونية للصحف في العالم العربي لا تزال ذات صيغة مطبوعة، ودورة العمل في الصحيفة تتمحور حول الورقيّ). ويرى عزيز أن أحد الأسباب الرئيسية للتخلّف الإلكتروني في مواقع الصحف العربية، هي (المركزية الشديدة التي تلزم مرور كل المواد المعدة للنشر إلى تدقيق رئيس التحرير، بينما العمل الدائم في الموقع يتطلب إعطاء قدر من الحرية لفريق العمل لينشر باستمرار من دون رقابة شديدة). ويضيف أن (الصحافة الإلكترونية مبنيّة على فكرة التحرر في العمل والنشر، مما يفرض على إدارة الصحيفة إذا أرادت تطوير الموقع أن تقوم بإعادة توزيع جديدة للأدوار مع رقابة بسيطة لا بد منها لرئيس التحرير). وترى مريم مهنّا، مسؤولة النشر الإلكتروني في (السفير)، أن أحد الأسباب التي تجعل مستوى مواقع الصحف العربية متدنياً، هو (أن كلفة الإنترنت أرخص في الدول الأجنبية، كما أن الخدمة هناك أسرع مما هي عليه في العالم العربي، حتى إن كلفة اليد العاملة في المجال الإلكتروني هناك أقل… وكل هذا يمنع الصحف العربية من الاهتمام بالصورة، ومقاطع الفيديو أو حتى النقل المباشر للأحداث على مواقعها).

وقد تكون المشكلة الأبرز، بحسب العاملين في مجال النشر الإلكتروني، هي العقلية التقليدية التي لا تزال تسيطر على النشر في العالم العربي. إذ إن منطق البحث عن (سكوب) ونصوص حصريّة، لا يتوافق مع منطق السرعة الذي يفرضه دفق المعلومات على الشبكة، وعبر مواقع التواصل الاجتماعي. كما أن معظم الصحف العربية لا تفرز فريقاً من الصحفيين للعمل على مواقعها، بل تعتمد على أناسٍ قادمين من عالم تكنولوجيا المعلومات حصراً. مع العلم أن النشر الإلكتروني صار مادةً تدرّس في كليّات الصحافة.

قد تكون مشكلة تطوير المواقع الإلكترونية للصحف العربية، أعمق بكثير من مشكلة التمويل، والبحث عن فريق بشري قادر على العمل في موقع إلكتروني. فعدم تحديث النشر الإلكتروني، يبعد الشباب عن الصحف، وصار يؤدي إلى انخفاض نسبة القرّاء، ما يجعل الصحف أمام معضلة الاستمرارية. بهذا المعنى، صار تطوير المواقع الإلكترونية للصحف العربية حاجة وجوديّة بالنسبة لهذه المهنة، خصوصاً أننا اليوم في صلب ثورة إلكترونية، سيكون من الصعب على المتخلفين عنها، اللحاق بالركب.

 

عن (السفير)

العدد 1105 - 01/5/2024