إلى متى نجبر تلاميذنا وطلابنا على تعلم اللغة الفرنسية؟

كان المستعمر الفرنسي يجبر التلاميذ والطلاب على تعلم اللغة الفرنسية في القطر العربي السوري، وفعل الشيء نفسه في الجزائر والمغرب وتونس وجيبوتي ولا يزال! فرنسا العدو التقليدي منذ أيام حروب الفرنجة.لقد أعلن وزير الخارجية الفرنسي في بداية الأزمة في القطر العربي السوري،  أن لفرنسا حقوقاً تاريخية منذ تلك الأيام عندما احتلت بعض الموانئ العربية. غزا نابوليون مصر وقتل وشرد الآلاف ونهب الكثير من  مواردها الاقتصادية، وأحضر  معه جيشاً من المستشرقين لنهب تراثها التاريخي ومخطوطاتها وكتبها والمتاحف الفرنسية مليئة بها. وانتقل إلى سورية، فأعياه حصار عكا فعاد إلى بلاده مدحوراً، ووضع (كليبر) مكانه في مصر، فانقض عليه البطل سليمان الحلبي بطعنة نجلاء أردته قتيلاً. وجمجمة هذا البطل محفوظة في المتحف الفرنسي وكتب عليها (جمجمة متوحش!).

يوجد 7000 مدرس للغة الفرنسية في قطرنا! أكان هذا ممكناً لولا قسر تعلم الفرنسية؟ وكأننا لا نزال محتلين!لا أزال أذكر كيف كنا نعاقب في المدرسة، إذا تلفظنا بكلمة عربية واحدة أثناء الفرصة بين حصتين دراسيتين، و(الجواسيس) يترصدوننا لتسجيل أسماء التلاميذ الذين (أجرموا) لتحدثهم باللغة الأم العربية! كم عدد الذين يدرسون الأدب الفرنسي في جامعاتنا؟ إنهم بالآلاف! لماذا؟ وأي عمل ينتظرهم؟ كم عدد الذين يدرسون الأدب الصيني والهندي في قطرنا، أمتان يشكل سكانهما 40% من سكان المعمورة وتراثهما غني جداً،  حتى عندما كان الفرنسيون لا يزال قسم منهم أكلة لحوم البشر إبان حروب الفرنجة (لمزيد من التفصيل: أنظر: د.أحمد داود – تاريخ سورية)، لقد قتل نابوليون آلاف الأسرى العرب بذريعة أنه لا يستطيع توفير الطعام لهم.و قتل الفرنسيون أكثر من مليون عربي في الجزائر إبان آخر ثورة طردتهم من البلاد بعد 130 عاماً من الاحتلال لم تتوقف الثورات فيه. وقتل الفرنسيون  أكثر من 40 ألف عربي في الجزائر بالطائرات خرجوا مطالبين بالاستقلال  عند نهاية الحرب العالمية الثانية عام  1945 بعد أن قاتلوا معهم في الحرب ووعدوهم بالاستقلال. ارتكبت مذبحة ضد العرب في فرنسا لأنهم تظاهروا تأييداً لإخوتهم في الجزائر إثر ذلك.فرنسا الهمجية التي ارتكبت مئات المجازر في إفريقيا العربية وغير العربية. (انظر لمزيد من التفصيل:الكتاب الأسود للرأسمالية-دمشق – دار الطليعة).

فرنسا (ديغول) التي أنشأت أول أكاديمية للأمازيغية في باريس إبان استقلال الجزائر بقصد تفتيت وحدة البلاد، كي تفرق بين العرب والأمازيغ الذين هو عرب أيضاً قدموا إلى الجزائر والمغرب في هجرات سابقة. وقد بين عثمان سعدي  سفير الجزائر في كل من بغداد ودمشق سابقاً، والذي هو من أصل أمازيغي،  في قاموس جمعه للغة الأمازيغية أن قرابة 90% من مفرداتها من أصول عربية.

فرنسا شيراك الذي طلب من أولمرت، رئيس وزراء العدو في (مشروع إسرائيل) في تموز 2006 اجتياح القطر العربي السوري بعد انتصاره على حزب الله في لبنان. فرنسا (ساركوزي) الذي أعلن أنه لن يصافح من لا يؤيد العدو الإسرائيلي.

قال عثمان سعدي رئيس جمعية الدفاع عن العربية: (إن اللوبي الفرانكفوني أنهى مهام الرئيس الشاذلي بن جديد،  لأنه وقع قانون تعميم استعمال العربية،  وأنهى مهام الرئيس الأمين زروال،  لأنه ألغى قانون تجميد القانون المذكور. (المصدر مقابلة قام بها  بوعلام غمراسه مه عثمان سعدي-جريدة الشرق الأوسط تاريخ 30/1/2009 ) ويتابع عثمان سعدي حديثه: يعد الفرنسيون خطاً أحمر تعريب ثلاثة ميادين: إدارة الدولة الجزائرية والاقتصاد وتعليم العلم والتقانة بالجامعة. وعندما صدر قانون تعميم اللغة العربية عن المجلس الوطني الشعبي يوم 27 كانون الأول 1990 أدلى وزير الفرانكفونية الفرنسي (ألان ديكو) بتصريح معاد للقانون في نفس اليوم. وشنت الصحافة الفرنسية حملة ضارية عليه. وعندما ألغى الرئيس زروال تجميد القانون تحرك النواب الفرنسيون في  مجلس الشعب الأوربي،  الذي أصدر في تشرين الثاني 1997 بياناً بواسطة لجنته الفرعية لحقوق الإنسان جاء فيه أن اللغة العربية التي فرضت على المجتمع الجزائري هي اللغة الفصحى،  وهي لغة مصطنعة بعيدة عن المجتمع وعن العربية التي يتكلمها الشارع الجزائري ، فالعربية الفصحى فرضت عنوة في التعليم والقضاء،  وقد ألحق تعليم الفصحى الضرر بالفكر،  ومكن الفكر الأصولي الظلامي الديني من الانتشار،  وأدخل الحركة الإسلامية للبلاد.

بلغ عدد الطلاب الذين يدرسون اللغة الفرنسية الآلاف في جامعات القطر،  فأي عمل ينتظرهم؟ اللغة أداة من أدوات الهيمنة الثقافية،  فلماذا لا نوقف استمرار انتشارها قسراً في مدارسنا فنلغيها من برامجنا التعليمية لعقدين أو أكثر من الزمن وعلى الفور.و ندرس تحويل جميع طلابنا الموفدين إلى فرنسا إلى بلدان غير معادية، ومن الأفضل أن تكون صديقة، فنتوجه شرقاً! فرنسا الدولة الاستعمارية التي غزت سورية واستعمرتها لربع قرن ويزيد واضطرت للجلاء في 17 نيسان 1946 وقد أصبح هذا اليوم العيد الوطني، فكيف ننسى ذلك؟

لقد غزت فرنسا مصر مع بريطانيا ومشروع إسرائيل عام ،1956 بعد أن أمم عبد الناصر قناة السويس، وبدأت نهضة اقتصادية بالقضاء على الإقطاع وتعميم التعليم ومجانيته والبدء ببناء قطاع عام صناعي بشكل خاص لترسيخ التحرر السياسي بالتحرر الاقتصادي، وأقر بناء السد العالي بالتعاون مع   الاتحاد السوفيتي الأسبق وجهز الجيش بأسلحة حديثة من المعسكر الاشتراكي . واضطر المستعمرون الغزاة إلى الانسحاب تحت تهديد الاتحاد السوفيتي.

و ها هي ذي فرنسا تشارك في حصار اقتصادي وإعلامي على القطر العربي السوري، وتمول وتدرب وتجهز المرتزقة مع الولايات المتحدة وعملائها في تركيا والسعودية وقطر، وتدعو إلى تدخل عسكري أطلسي أو بواسطة (جيوش عربية) لتدمير اللحمة الاجتماعية والجيش العربي السوري والاقتصاد وتزرع الفتنة الطائفية والإقليمية والدينية وتقسم القطر العربي السوري إلى العديد من الإمارات.فلماذا لا نرد بهجوم قوي على الفرانكفونية في شتى الأقطار العربية والدول الإسلامية والدول النامية الأخرى؟!الفرانكفونية أداة للهيمنة الثقافية والفكرية، فلنقف بحزم وصلابة في مواجهتها.لنكن القطر العربي الأول الذي يبدأ بإلغاء تعليم اللغة الفرنسية على الفور ولعقود قادمة نضمن خلالها التخلص من هذا الإرث الاستعماري البغيض، ونحفز الأقطار العربية الأخرى والشعوب التي استعمرتها فرنسا في القارة الإفريقية وغيرها،  لتفعل الشيء ذاته!

ينبغي أن يبدأ تعلم اللغات الأجنبية في الفترة الإعدادية وليس في المرحلة الابتدائية ،  ينبغي أن نخير طلابنا بين باقة واسعة من اللغات الأجنبية يشمل طيفها لغات العالم الحية قاطبة الحية واللغات القديمة مثل السريانية والسومرية والمسمارية، التي تضم كتاباتها مئات آلاف الرقم والمخطوطات القديمة.نكتفي بتقديم النصح للتلاميذ والطلب وتعريفهم بأهمية اللغات العلمية بمقدار الإنفاق على البحث العلمي والثقافية وفرص العمل المتاحة عند تعلمها مستقبلاً انطلاقاً من تصور حركي يستشف المستقبل وليس ساكناً ينظر إلى الحاضر فقط.

العدد 1104 - 24/4/2024