قراءة أولى في مشروع تعديل قانون التأمينات الاجتماعيى

أُدرج على جدول أعمال مجلس الشعب في دورته الحالية، مشروع تعديل قانون التأمينات الاجتماعية رقم 92 لعام 1959 وتعديلاته، لمناقشته واستكمال إجراءات صدوره.

ويعتبر قانون التأمينات الاجتماعية من أهم التشريعات الاجتماعية، والمظلة التأمينية للعاملين في الدولة والقطاع الخاص والتعاوني والمشترك، وقد جرت على هذا القانون تعديلات عديدة وهامة منذ صدوره، كان أهمها القانون رقم 78 لعام 2001 الذي أضاف إليه مزايا ومكتسبات كانت مطلباً عمالياً ونقابياً على مدى الأعوام السابقة.

إن طرح قانون التأمينات الاجتماعية للتعديل من جديد من أجل تطويره وتحسينه، قضية إيجابية، ولابد من التأكيد أن تعديل أي قانون، خاصة القوانين المتعلقة بالتشريعات الاجتماعية، يجب أن يتضمن ميزتين: الأولى الحفاظ على الحقوق المكتسبة التي ترسخت تاريخياً، وأصبحت حقاً لا يمكن التنازل عنه، والثانية أن يضيف التعديل مكاسب جديدة فرضتها الظروف الاقتصادية والاجتماعية.

وبموجب التعديلات الجديدة التي تضمنها المشروع، لابد من الإشارة إلى بعض المزايا التي نعتبرها مكاسب هامة للطبقة العامة منها: تطبيق قانون التأمينات الاجتماعية على عمال المرحلة الرابعة الذي درجت عليه المؤسسة، تسميتها أي أماكن العمل التي كان عدد عمالها أقل من خمسة عمال، وأصبح عمال هذه المرحلة مهما كان عددهم مشمولين بكل المزايا التأمينية التي ينص عليها القانون، أي فصل إصابات العمل، وفصل الشيخوخة والعجز والوفاة، في الوقت الذي كان يقتصر فيه تطبيق القانون بالنسبة لعمال هذه المرحلة على فصل إصابات العمل فقط.

كما نص المشروع على حل مسألة الازدواج التأميني الذي أخذت به المؤسسة من حيث المبدأ منذ تأسيسها، ويتمثل هذا المبدأ بقيام العامل بعمل ما عند رب عمل، سواء كان في قطاع الدولة أو القطاع الخاص، ويجري تسجيله لدى المؤسسة ويدفع الاشتراكات المتوجه عليه، ويفي رب العمل بالالتزامات المترتبة عليه تجاه المؤسسة وتحت رقم تأميني، ثم يقوم ذات العامل بالعمل لدى رب عمل آخر، وتؤدى الالتزامات المترتبة على العامل ورب العمل للمؤسسة عن العمل الآخر، لكن المؤسسة عند صرف الاستحقاقات المتوجبة للعامل عند انتهاء خدمته، كانت تدفع له الاستحقاقات عن عمل واحد فقط، وتتجاهل الاستحقاقات المتوجبة عن العمل الآخر.

وقد أنهى مشروع القانون هذا الموضوع بصرف المعاش الأفضل في حال توفر المعاش لكلا العملين، وصرف تعويض الدفعة الواحدة عن العمل الآخر، وفي حال استحقاق التعويض عن العملين يصرف كل تعويض عن كل عمل على حدة وفق أحكام المادة 60 من أحكام القانون في كلتا الحالتين، ولكن بنسبة تقل 3% عن النسبة المحددة بالمادة 60 من القانون، وبحساب نسبة 3% عندما يجري تخفيضها من نسبة 15%، أي حساب التعويض مضروباً بنسبة 12%، فإن خسارة العامل من التعويض تساوي 20% من مجموع التعويض.. لذلك نرى تعديل النص الوارد في الفقرة د-ا من المادة 58 بحذف جملة (بنسبة تقل 3% من النسبة) وإبقاء النص كما هو.

كما أنهى المشروع الجدل الذي كان يدور حول مسألة توريث معاش المؤمن عليها إلى المستحقين بأن ساوى بين المؤمن عليه والمؤمن عليها لجهة توريث المعاش للمستحقين، كما منح المشروع للذين يعملون خارج القطر حق الاشتراك لدى المؤسسة للاستفادة من معاش الشيخوخة والعجز والوفاة وفق نظام يصدر بقرار من مجلس الوزراء بناء على اقتراح من وزير العمل.

وأضاف المشروع ميزة جديدة، إذ يمكن للمؤمن عليه والمؤمن عليها المنتهية خدماتهم لإتمامهم سن الستين ولم تتوفر لديهم شرط استحقاق المعاش شراء خدمات مكملة لاستحقاق المعاش بحد أقصى قدره 24 اشتراك وفق شروط محددة، إضافة إلى ميزات أخرى لا تقل أهمية عما ذكر.

إلا أن المشروع تضمن تعديل الفقرة آ من المادة 95 مكرر التي نصت على ربط معاش المؤمن عليه إذا استحق أكثر من نوع واحد من المعاشات المشار إليها في هذا القانون، ربط معاشه النهائي بقدر مجموع هذه المعاشات وبحد أقصى قدره 100% من متوسط الأجر الشهري المشترك عنه في السنة الأخيرة، ويصرف له أو للمستحقين عنه في حال وفاته مع احتفاظ أصحاب المعاشات والمستحقين عنهم والمخصصين بمعاشات قبل نفاذ هذا القانون بحقوقهم المكتسبة.

ونحن نرى بأن هذا التعديل فيه افتئات على الحق المكتسب، ومخالف لمستند حصول المؤمن عليه على أي من المعاشات، مثلاً أن مستند الحصول على معاش العجز هو الإصابة التي يتعرض لها المؤمن عليه، ونسبة العجز الذي خلفته هذه الإصابة، ومستند الحصول على معاش الشيخوخة والعجز والوفاة هو خدمة المؤمن عليه والمدة الزمنية التي قضاها في العمل، وبسبب انتهاء خدمة العامل أو بسب العجز أو الوفاة، وأن الحفاظ على هذا الحق المكتسب للذين يتقاضون هذه المعاشات دون تحديد سقف لها، لا يعطي المبرر قبل نفاذ هذا التعديل لتبني هذا النص بتحديد سقف المعاشات بنسبة 100% للحالات اللاحقة، علماً أن المادة المذكورة جرى تعديلها سابقاً بحيث كان سقف الجمع لهذه المعاشات محدداً بنسبة 80%، وقد الغي هذا السقف بموجب القانون 78 لعام 2001 بإطلاق الجمع بين أكثر من معاش دون تحديد سقف لهذا الاستحقاق، ومضى على هذا التعديل أكثر من ثلاثة عشر عاماً، وأصبح من الحقوق المكتسبة التي لا يجوز المساس بها.

إضافة لما تمت الإشارة إليه من الإيجابيات التي تحسب لما تضمنه هذا المشروع، كنا نتمنى أن يتناول العديد من المواد الأخرى الواجب تعديلها بما يتوافق مع نظرية تطوير التشريعات، وليس من السهل طرح أي قانون للتعديل في فترات زمنية قصيرة، وبما أننا بصدد الإشارة إلى قراءة أولية لهذا المشروع، نرى أثناء مناقشته في مجلس الشعب ضرورة الأخذ بالحسبان الملاحظات التالية:

1- أن يتضمن المشروع تعديل المادة العاشرة من القانون النافذ، بحيث ينص على منح المؤسسة استثمار كامل فائض أموال المؤسسة في مجالات تضمن ريعية استثمارية بعد دراسة الجدوى الاقتصادية للمشاريع ودرجة أمان استثماري، وهذا التعديل يتماشى مع تعديل المادة 3 في المشروع الذي نص على أن المؤسسة تتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي والإداري.

2- تعديل نص المادة 28 من القانون، بحيث يتضمن النص على أنه إذا أدّت الإصابة إلى تعطيل المؤمن عليه من أداء عمله أن تؤدى له خلال فترة تعطله معونة مالية تعادل كامل الأجر اليومي المسدد عن الاشتراك ولمدة سنة.

3- تعديل المادة 29 من القانون النافذ برفع نسبة المعاش إلى 80% من متوسط أجره اليومي إذا أدت الإصابة إلى عجز كامل أو الوفاة.

4- إضافة فقرتين إلى المادة 67 التي تعتمد تاريخ الولادة المثبت بإحصاء 1922 أو في أول تسجيل لتاريخ الميلاد لدى دوائر الأحوال المدنية إذا كان التسجيل بعد عام 1922.

الأولى: اعتماد التعديل الطارئ لتاريخ الولادة إذا كان هذا التعديل بموجب حكم قضائي صدر بناء على طلب النيابة العامة، أو إذا كان موضوع الحكم هو تثبيت قرار لجنة تحديد الأعمار.

الثانية: إذا كان تعديل تاريخ الميلاد تم بموجب حكم قضائي صدر قبل التحاق العامل بالعمل لأول مرة.

وسبق أن عرضت هذه الحالات على القضاء وصدرت فيها أحكام قضائية اكتسبت الدرجة القطعية، واستقر الاجتهاد القضائي عليها في معرض اعتماد تاريخ الولادة خلافاً لما نصت عليه المادة 67.

العدد 1105 - 01/5/2024