رفع أسعار المازوت والبنزين.. وسحب الدعم..

هل بحثت الحكومة عن خيارات أخرى لرفد الخزينة؟.. ماذا عن التهرب الضريبي وترشيد الإنفاق؟

رفعت الحكومة قبيل عيد الأضحى أسعار مادتي المازوت والبنزين بمقدار 20 ليرة لكل ليتر، فأصبح سعر ليتر البنزين 140 ليرة بعد أن كان 120 ليرة، وأصبح سعر ليتر المازوت 80 ليرة بعد أن كان 60 ليرة.

ولأن هذا الرفع سبق عيد الأضحى مباشرة، عبّر الكثير من المواطنين عبر مواقع التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك، على هذا القرار، ومن هذه التعليقات (عيدية الحكومة للمواطنين.. المازوت ب80 ليرة والبنزين بـ 140 ليرة لليتر)، والمتتبع لهذه التعليقات يرى أن المواطن لم يشعر بالرضا حيال هذا القرار، وخاصة أن هاتين المادتين تعتبران أساسيتين في الحياة اليومية، وتدخلان في تكاليف الكثير من المنتجات التي تمس حياة المواطنين مباشرة.

الأسواق.. وارتفاعات جديدة في الأسعار

يرى الكثير من المتابعين أن الأسواق ستشهد ارتفاعات جديدة وغير مسبوقة في أسعار مختلف السلع والمواد وحتى الخدمات، وانعكس هذا القرار سريعاً على تعرفة نقل السرافيس العاملة على البنزين والمازوت وعلى التكاسي أيضاً، وعلى سيارات النقل الصغيرة التي تقوم بنقل الخضار والمواد الغذائية بين المناطق، إذ قامت جميع الوسائل المذكورة برفع تعرفة النقل رفعاً متفاوتاً ومزاجياً، فالسرفيس الذي كان يتقاضى 20 ليرة بحسب التعرفة المحددة أصبح يأخذ 30 ليرة، والذي كان يأخذ 25 ليرة أصبح يأخذ 35 ليرة والذي كان يأخذ 125 أصبح يأخذ 150 ليرة، وبائع الخضار والفواكه الذي كان يدفع 20 ليرة على كل كيلو خضرة أجرة نقل، أصبح يدفع 30 ليرة وأكثر، وكذلك بالنسبة لموزعي الجملة ونصف الجملة، وبالطبع أثّر ذلك على السعر النهائي للسلع والمواد، فارتفعت ارتفاعاً متفاوتاً بين مكان وآخر وبين بائع وآخر، وهذا ليس بجديد.. فكانت الأسعار متفاوتة سابقاً ولكن بنسب معينة، أما حالياً فأصبح التفاوت في الأسعار كبيراً ويصل إلى 50 ليرة للسلعة نفسها، وفق الكثير من المتابعين.

وتزامن هذا القرار مع تحرك سعر صرف الليرة أمام الدولار ارتفاعاً، والذي اعتدنا على تحرك الأسعار معه بشكل كبير، أي أن محفزات ارتفاع الأسعار اجتمعت في زمان متقارب على المستهلك، فدفعت الأسعار ارتفاعاً في ظل جمود الدخول وتناقص قوتها الشرائية يوماً بعد يوم.

إذاً، الحكومة كما ذكرنا تسعى لتخفيف الدعم عن المشتقات النفطية، تدريجياً، فهي قامت بتحريك أسعار المواد والسلع المدعومة وفق خطة معينة، إلا أنها لم تقم في الوقت نفسه بمنح تعويض للأسر مقابل تحريك تلك الأسعار.. فمن المعلوم أن أي تحريك لأسعار المواد المدعومة سيؤثر سلباً بشكل أو بآخر على دخل المواطن، ونحن على علم بأن هناك ضغوطاً مادية كبيرة تتعرض لها الموازنة وضعفاً في الإيرادات نتيجة الأزمة الراهنة التي تمر على سورية، وغياب القطاع الإنتاجي والزراعي والصناعي، ولكن في الوقت نفسه أيضاً المواطن يتعرض لضغوط مادية كبيرة جداً، نتيجة تفاقم الفجوة بين دخله والأسعار، وضعف قدرته الشرائية، ويخشى المواطن حالياً من ارتفاع سعر الغاز المنزلي، إذ وصل الدور إليه، وفق الكثير من المتابعين، وخاصة في ظل أزمة الغاز الحالية والتي اعتاد عليها المواطن باقتراب كل شتاء.

ويسأل العديد من المتابعين عن سبب قيام الحكومة بإصدار قرار كهذا، على الرغم من علمها بالحالة الاقتصادية السيئة التي يعيشها المواطن، فصحيح أن رفع أسعار المواد المدعومة من شأنه أن يخفف الضغط على الخزينة العامة، إلا أنه في الوقت نفسه يرهق المواطن، ورأى المتابعون أن هناك بدائل أخرى لدى الحكومة من شأنها أن ترفد الخزينة العامة بالكثير من الأموال، أهمها مكافحة الفساد المالي والإداري، ومكافحة السوق السوداء والمتاجرة بالمواد المدعومة مثل الأرز والسكر والمازوت والبنزين والغاز، فلا يعني رفع سعر مادة المازوت الانتهاء من السوق السوداء، بل يعني انتعاشاً أكثر لها، وخاصة في ظل قلة المادة وندرتها، فحالياً أصبح سعر المازوت في السوق السواداء في بعض مناطق ريف دمشق بحدود 180 ليرة أي بزيادة نحو 100 ليرة عن سعره المحدد، وهذا من شأنه أن يجعل من مادة المازوت في قائمة المحظورات لدى ذوي الدخل المحدود، وخاصة مع قدوم الشتاء، أما البنزين فحالياً يباع بالمحطات بحدود 143 ليرة لليتر.

مكافحة الفساد والهدر

يرى المتابعون أن على الحكومة أن تسعى إلى الابتعاد عن المواد التي تؤثر على الشريحة الواسعة من المستهلكين، مشيرين إلى أن مكافحة التهرب الضريبي الذي يفوّت على الخزينة العامة مئات المليارات سنوياً أكثر جدوى من رفع الدعم عن المشتقات النفطية، وأيضاً ترشيد الإنفاق في مؤسساتها، سواء من حيث الكهرباء والماء والمحروقات وشراء الفرش والمكاتب الجديدة.. من شأنه أن يخفف الهدر في المال العام ويحافظ على أموال الخزينة العامة، والغريب في الأمر أن العديد من المسؤولين الحكوميين ينفون وجود النية لرفع أسعار المحروقات، لكن المواطن يتفاجأ بعد فترة من النفي بأن ما أثير من إشاعات عن رفع الأسعار، كان تسريبات حقيقية وأخباراً صادقة عن رفع الأسعار.

ويسأل المتابعون: ألم يُدرس تأثير هذه القرارات في مختلف القطاعات الإنتاجية مثل الصناعية والزراعية؟ فرفع سعر المازوت لا يقتصر تأثيره على (طاسة) المازوت الخاصة بالمدفأة، على الرغم من أهمية ذلك بالنسبة للمواطن الذي بات يحلم بالحصول على (الدفء المازوتي)، لكن يمتد تأثيرها إلى مختلف القطاعات الأخرى وخاصة الإنتاجية التي تعاني حالياً الكثير من الصعوبات، سواء من حيث تأمين المواد الأولية الصناعية أو النقل، ولكن المعاناة الأكثر تتعلق بمسألة الطاقة وخاصة في ظل انقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة، واعتماد المصانع على المحروقات، سواء الفيول أو المازوت لتشغيل آلاتها، فمثلاً.. حذر رئيس اتحاد غرف الصناعة السورية المهندس فارس الشهابي  مؤخراً، على أحد المواقع الإعلامية المحلية، من أن أي محاولة لتسعير مادة المازوت بالسعر العالمي للمدن الصناعية دون توفر الكهرباء للمعامل سيؤدي إلى شلل هذه المدن، وتوقف معظم معاملها عن العمل، وإلى انتكاسة كارثية في جهود إعادة الإعمار وإعادة عجلة الإنتاج، وإلى إضعاف الثقة الاستثمارية المترددة أكثر، مما سيلحق الضرر البالغ بالاقتصاد الوطني وبلقمة عيش المواطن وبمعيشته.

وحذر الكثير من المتابعين من فوضى قد تضرب أسعار السلع والخدمات خلال الأيام القادمة نتيجة للعوامل السابقة، مؤكدين أهمية تشديد الرقابة على الأسواق وعدم اتباع الرقابة التقليدية.

وبالحديث عن الدعم، فإن ما يتم تداوله حالياً عن قضية الدعم وتوزيعه على المستحقين يعتبر ضرباً من المستحيل في ظل غياب قاعدة بيانات حقيقية عن المستحقين، فليس من المعقول أن يجري دعم مصنع لا يعمل، ودعم رجل أعمال بسوية الدعم نفسه الذي سيقدم لموظف من الفئة الثالثة أو العاطل عن العمل.. الحديث عن الدعم يحتاج إلى خطط وبيانات من أرض الواقع، لا وفق بيانات قديمة لم تجدد بعد، فالأزمة الحالية وسّعت طبقة الفقراء وقلصت الطبقة المتوسطة، وجعلت طبقة المحتكرين والمستغلين وتجار الأزمات تنمو أكثر، وأدت إلى تحرك سكاني من المناطق الساخنة إلى الآمنة.

ما نود الإشارة إليه في نهاية الحديث أن الحكومة يجب عليها أن لا تسعى إلى الحل السريع في تخفيف الدعم لتوفير موارد للخزينة، لكن يجب أن تبحث عن مطارح ضريبية بعيدة عن الشريحة الواسعة في المجتمع، وأن تقلل من الهدر الحاصل في المؤسسات، فالمواطن حالياً يحتاج إلى ثلاثة أضعاف راتبه الحالي (في حال كان يعمل) لكي يستطيع تغطية متطلباته المعيشية اليومية، فكل شيء ارتفع سعره والدخل لم يعد يكفي ثمناً للمواصلات والاتصالات والفواتير والأطباء.. فهل تسحب الحكومة الدعم كاملاً عن المواطن؟

العدد 1105 - 01/5/2024