بعد رفع الدعم عن المشتقات النفطية.. قاطرة النمو أصبحت دون عجلات!

تتوالى الخطوات الحكومية الجديدة في رفع الأسعار، فقد قامت برفع أسعار المشتقات النفطية (تحريرها وتسعيرها وفق السعر العالمي)،  وذلك للمنشآت الصناعية (التي لا تزال تعمل في ظل الظروف الحالية)، فرفعت سعر ليتر المازوت إلى 150 ليرة، بعد أن كان بـ80 ليرة، وسعّرت طن الفيول بمئة وخمسة آلاف ليرة بعد أن كان بـ50 ألف ليرة، وسعّرت مادة البنزين بـ140 ليرة وفق قرار وزارة النفط الأخير، بحيث يتم تحديد الأسعار وفق نشرة أسبوعية.

إذاً رفع جديد في الأسعار يطول القطاع الصناعي و المنشآت السياحية والتجارية والزراعية، ولا شك أن هذا الارتفاع سيطول المستهلك النهائي للسلع والخدمات التي تقدمها المنشآت المذكورة، وهنا يبقى السؤال: كيف اتخذ قرار كهذا في ظل هذه الظروف الصعبة جداً التي تطول معظم القطاعات الصناعية والمنتجة حالياً؟

صناعي: القرار (يطفّش) الصناعيين.. والمواطن سيدفع الفرق!

أحد الصناعيين المعروفين وعضو في غرفة صناعة دمشق وريفها (فضّل عدم ذكر اسمه)، علّق على القرار الأخير في تصريحه لـ(النور)، أنه بقي في سورية 15% من الصناعيين، وربما تعمل الحكومة على (تطفيشهم)، لافتاً إلى أنه بالمحصلة فإن القرار سينعكس على تنافسية الصناعة المحلية مع البضائع المستوردة، وبالطبع في نهاية المطاف سيدفع المواطن نتائج القرار من جيبه، قائلاً: (وتحمّل يامواطن! فراتبه بالليرة وليس بالدولار وسيدفع الفرق 100%).

وأشار إلى أن القرار يجب أن تُدرس منعكساته، بحيث يتم الرفع تدريجياً لا رفعاً مباشراً بنسبة 100%.

وأشار الصناعي إلى أن هناك قضية تعد أكبر من القرار الأخير، وهي قرار وزير المالية الأخير الذي صدر يوم الأربعاء الماضي، والقاضي بتحصيل رسوم على فرق الدولار، بين تاريخ التمويل وتاريخ وصول البضاعة، مشيراً إلى أن غرفة صناعة دمشق وريفها سوف تقوم بإعداد كتاب بهذا الخصوص، لافتاً إلى أن هذا القرار من شأنه أن يؤدي إلى تناقص الكتلة النقدية للمستورد والصناعي.

ولفت إلى أن سبب هذا القرار برأيه هو زيادة الجباية دون تشاركية فعلية مع الغرف الصناعية والتجارية.

إضعاف التنافسية.. هل من تعويض؟!

متابعون رأوا أن القطاع الصناعي السوري يعيش في ظروف إنتاجية صعبة جداً، من حيث توفر المواد الأولية وصعوبة عمليات النقل وتذبذب أسعار المواد الخام، وخاصة مع تأرجح سعر الصرف، وكل ذلك في ظل انقطاع متكرر للتيار الكهربائي لساعات طويلة، ما يستدعي وبشكل أكيد استخدام المشتقات النفطية مثل المازوت والفيول لتشغيل الآلات وغيرها.. ويأتي ذلك في ظل ظروف الأزمة الحالية التي خلفت صعوبات كثيرة اجتماعية واقتصادية مسّت تصريف المنتجات ودخل العاملين والمستهلكين على حد سواء.

المتتبع لواقع المنشآت الصناعية التي لا تزال في دائرة الإنتاج يراها تعاني الأمرّين في تأمين المشتقات النفطية، وبالطبع القرار الأخير بتحرير أسعار المازوت والفيول على المنشآت سيعمل على إنعاش السوق السوداء. فحالياً يباع ليتر المازوت للكثير من المنشآت الصناعية بحدود 200 ليرة، وربما يزيد، وبالطبع هذا القرار سيرفع من سعر المازوت أكثر في السوق السوداء، كما أن السماح للقطاع الخاص باستيراد المازوت لن تستطيع المنشآت الصناعية أن تلمس أثره بسرعة، إذ ستحتاج عمليات الاستيراد إلى وقت، وخاصة في ظل تعقيدات وعقوبات اقتصادية جائرة مفروضة على الاقتصاد السوري.

ولا شك أن رفع أسعار المازوت والفيول للمنشآت التجارية والصناعية وغيرها سينعكس انعكاساً مباشراً على تكاليف الإنتاج، وبالتالي على السعر النهائي للسلعة أو الخدمة المقدمة للمستهلك النهائي الذي بات دخله لا يكفي سوى للثلث الأول من كل شهر في حال كان لديه دخل أو لم يكن عاطلاً عن العمل.

ولا يخفى على أحد أن وزارة الكهرباء أيضاً قامت سابقاً برفع أسعار الكهرباء على القطاعات الصناعية والحرفية والتجارية، ولمّحت مؤخراً إلى أن الحل لمشكلة الكهرباء هو رفع أسعارها واستيراد الفيول، فهل يطول ارتفاع جديد الكهرباء أيضاً؟! يسأل متابعون.

ما يجب توضيحه هنا، هو أن العراقيل تزداد يوماً بعد يوم في وجه القطاع الصناعي الوطني، وهذا يخالف توجهات الحكومة التي تعلنها في كل يوم، فرفع سعر الفيول والمازوت والبنزين سيؤثر على الإنتاج دون أدنى شك، لأنه سيرفع التكاليف، وهذا يعني زيادة الأسعار على الأسواق المحلية والخارجية، أي إضعاف تنافسية المنتج الوطني في الأسواق الخارجية، وتعرض المنتجات للفشل في عمليات التسويق الخارجي لارتفاع التكاليف مقارنة مع غيرها من المنتجات البديلة المنافسة، فالكهرباء ارتفعت على المنشآت الصناعية وارتفعت أجور النقل أضعافاً كثيرة، وقلّ الطلب في السوق المحلية نتيجة ضعف القدرة الشرائية للمواطن، وأصبحت عمليات التصدير أكثر صعوبة في ظل العقوبات الاقتصادية.

القرارات السابقة برفع الدعم وتحرير أسعار المشتقات النفطية وحوامل الطاقة أثرت وستؤثر مستقبلاً على مختلف قطاعات الاقتصاد السوري، وبالتالي على المستهلك النهائي.. ومن المعلوم أن رفع الدعم عن أي سلعة يجب أن يواجهها تعويض حكومي للموظفين على الأقل، فكيف هو الحال حالياً في ظل الصعوبات التي تواجه سائر القطاعات الاقتصادية وارتفاع نسب البطالة واتساع الفجوة بين الدخول والأسعار، وزيادة معدلات التضخم وانتشار تجارة الأزمات والصيد في المياه العكرة؟! يسأل متابعون!

ويسأل المتابعون أيضاً: أين هي دراسة الجدوى من أي قرار اقتصادي يتخذ؟.. فهل درست الحكومة العواقب الاقتصادية لقرارات رفع الأسعار والدعم عن المشتقات النفطية وعن الخدمات الأخرى على الصناعي وعلى المستهلك وعلى الاقتصاد برمته؟.. وماذا عن عقلنة الدعم؟.. هل رفع أسعار حوامل الطاقة هو خطوة في عقلنة الدعم؟ وهل هذه القرارات المتسارعة في رفع الأسعار هي جزء من خطة عقلنة الدعم؟.. وماذا عن التعويض مقابل تحريك أسعار هذه المواد والخدمات؟.. وهل ستقوم الحكومة بتعويض ذوي الدخل المحدود؟

لا شك أن المتتبع لأضرار القطاع الصناعي المحلي بشقيه العام والخاص سيرصد أرقاماً مخيفة من الخسائر التي تعرض لها نتيجة الأزمة، فقد أوضحت وزارة الصناعة، أن قيمة الأضرار المباشرة وغير المباشرة التي لحقت بمؤسساتها وشركاتها منذ بداية الأزمة لغاية شهر تموز الماضي تقدر بنحو 225.353 مليار ليرة، هذا بالنسبة للقطاع العام، أما للقطاع الخاص فربما الخسائر أكثر، وبالطبع هذه الأضرار لم تواجهها التعويضات اللازمة لتحريك المنشآت الصناعية.

المواطن ينتظر قرارات رفع دخله..

على الجانب الآخر لا يخفى أن الأزمة الراهنة التي تمر على سورية أثّرت تأثيراً سلبياً في موارد الخزينة، وخاصة مع خروج آبار النفط في المنطقة الشرقية عن السيطرة، وبالتالي حرمان الشعب من الاستفادة منها، وهذا شكل ضغطاً متزايداً على الميزانية الحكومية التي استعاضت عن ذلك باستيراد المشتقات النفطية ودفع مبالغ طائلة لتأمينها.. وإذا كان هذا  القرار أن يحدّ من تهريب المازوت والبنزين إلى الدول المجاورة، لأن الأسعار أصبحت مشابهة لأسعار هاتين المادتين في تلك الدول، ولكن، يقول متابعون: إنه رغم الصعوبات التي تواجهها الحكومة في استيراد المشتقات النفطية، إلا أن تجار الأزمات حصلوا هذا المجهود في جيوبهم، ولم يذهب في أغلبه إلى المواطن، فالسوق السوداء لا تزال منتعشة ولا ضابط لها إلى الآن.

أخيراً.. المواطن ينتظر من الحكومة بعد سلسلة قرارات رفع الأسعار، أن تصدر قرارات ترفع دخله وترفع فيه نسب العمالة، وتساعد على دعم المنشآت الصناعية بشقيها العام والخاص، ذلك أنه من المعروف أن الصناعة المحلية هي قاطرة النمو، ولكن للأسف قد تصبح دون عجلات.. فهل هذه القرارات في خطط الحكومة وعلى طاولتها؟

العدد 1105 - 01/5/2024