وماذا بعد… ياحكومتنا العتيدة؟!

فرضت الأزمة التي عصفت بسورية منذ ما يقارب أربع سنوات الكثير من المنغصات والهموم اليومية على المواطن السوري، الذي كان يحلم بحسم الموقف لكن الأمر طال أكثر مما كان متوقعاً.

المواطن الذي لم يمر يوم عليه إلا وهو يستعد لاستقبال أزمة جديدة، بات في حيرة من أمره، فلا الراتب (لذوي الدخل المحدود) يكفي مستلزمات الحياة اليومية، بعد أن تضاعفت أسعار السلع والمواد الغذائية لأكثر من مرة وبنسب وصلت إلى 200%، ولا كل المدخرات التي كان قد خبأها، انطلاقاً من المثل القائل (قرشك الأبيض ليومك الأسود )، بعد أن غاب اللون الأبيض عن تفاصيل حياته، فيما حلّ اللون الأسود وفرض نفسه على حياة السوريين الذين فقدوا الكثير الكثير مما يشتهون وممن يحبون.

جشع تجار الأزمة في ظل غياب الجهات الرقابية والتموينية من جهة وقرارات الحكومة، التي تسعى لحفظ ماء وجهها وتأمين مستلزمات بقائها من جهة أخرى، كانت وراء تفاقم معاناة المواطنين.. فمن غياب أي تشريع يتعلق بضبط الأسواق والاكتفاء بجولات خجولة تكون مجهّزة مسبقاً ومعلومة النتائج، انتقلت أزمات المواطن، بدءاً من زيادة سعر المواد الغذائية بشكل فاحش، إلى زيادة أسعار المواد التموينية التي كانت الحكومات السابقة تتغنى بأن إلغاء دعمها خط أحمر، إلى الزيادات الجنونية في أسعار الوقود، إذ قفز سعر ليتر البنزين من 40 ليرة إلى 140 ليرة وأسطوانة الغاز من 400 ليرة إلى 1200 ليرة والمازوت من 40 ليرة إلى 80 ليرة، هذا إن توفرت تلك المواد.

للوقوف على حقيقة انعكاس هذه الزيادات على حياة المواطن، كان لنا عدّة لقاءات مع الجهات المعنية بطرطوس، ومع عدد غير قليل من المواطنين من مختلف الشرائح.. فتعالوا معنا.

قرار في غير أوانه

السيد محمد عيسى (موظف) تحدث عن التوقيت غير المناسب للقرار، وتساءل عن السبب الذي جعل الحكومة تتخذ هذا القرار قبل عيد الأضحى، وهو ما ترك غصّة لدى الناس فاقت غصّتهم مما يمرون به من ضائقة في مختلف المجالات (يعني لو أجّلوا هالقرار أسبوع شو كان صار؟!)، فيما رأت السيدة هند محمود بأن رفع سعر المازوت سيزيد الطين بلّة كما يقال، فالمواطن لم يعد قادراً على شراء أي شيء سوى رغيف الخبز الذي نحلم بأن يصلنا نظيفاً وجيداً.. باتت الأزمات تطاردنا، فالويل لنا من تجار الأزمة، والويل لنا من قرارات الحكومة.

السيد أبو فارس تحدث عن انعكاس زيادة الأسعار على حركة البناء وخطورة ذلك، خاصة أن البلد قادم على مرحلة إعادة الإعمار، فهل من المعقول أن يقفز سعر سيارة الرمل من 4000 ليرة إلى 20 ألف ليرة؟! الكل يتحدث عن عدم توفر المازوت في المحطات إلا عندما يدفع المواطن 150 – 200 ليرة، ففي الحال يحضر المازوت! أين التموين وحماية المستهلك من كل هذا؟! قبل هذا القرار زادت الأسعار بشكل خيالي بحجة عدم توفّره وشراء اللتر بمئة ليرة وأكثر، المهم يجب أن يتم توفير المازوت كي تنخفض الأسعار التي ارتفعت، وكأن سعر اللتر 150 ليرة والتجار يشتهون دائماً (عدم استقراره).. فمثلاً متر البحص ارتفع سعره أكتر من 25% قبل زيادة سعر المازوت.. (قصة المازوت مثل قصص الدولار…كان التجار يقولو: الدولار طالع ويرفعو الأسعار متل ما بدهن…هلاّ موضة المازوت مقطوع… صرنا نترحم على أيام الدولار).

الغابات في خطر

بعد زيادة سعر ليتر المازوت باتت هذه المادة في فصل الشتاء تستنزف الراتب بالكامل تقريباً، ولم يعد المواطن يجد من مدّخراته التي استنزفتها الأزمة ما يكفي لشراء القليل من المازوت، فلجأ إلى الغابات والأشجار، وبدأت عمليات القطع الجائر لكل ما تقع عليه أسنان المنشار ودون أي رادع أو إحساس بالمسؤولية تجاه احد أهم معالم الجمال في بلادنا، وكأن لسان حال الجميع يقول (أنا مش كافر بس البرد كافر) والمخيف في الأمر انتشار ظاهرة بيع هذه الأشجار بعد تقطيعها، إذ تراوح سعر الطن الواحد منها بن 20 – 25 ألف ليرة سورية في ظل غياب ما يسمى دوائر الحراج في المحافظة!

السيد عامر (سائق شحن) تحدث وهو منهمك بنقل جذوع شجرة الدلب العملاقة قائلاً: من أين سأدفع ثمن المازوت في ظل الزيادات المتلاحقة، ثم دعني أسألك هل المازوت متوفر بالشكل المطلوب؟. الشتاء على الأبواب ومن يرانا ونحن نقف أمام الكازيات بشكل طوابير لمسافات طويلة يدرك بأن لا مازوت للمواطنين هذا العام.. أتمنى أن أحصل على المازوت من اجل سيارة الشحن التي أعيش منها.

الآنسة لمى تحدثت بحرقة عن انزعاجها وهي ترى الأشجار العملاقة تهوي تحت أسنان المناشر التي تزايدت أعدادها مع تزايد سعر ليتر المازوت، فهل كانت الحكومة واعية لهذا الخطر الكبير؟!. إن لم تتدخل الدولة والجهات المعنية فخلال سنوات قليلة سنبكي على الغابات التي تمثل أهم معالم الجمال في بلادنا.. أوقفوا هذا القطع الجائر للأشجار ووفّروا للمواطن مازوت الشتاء.

في قرية سرستان التابعة لمنطقة صافيتا توجد غابة من السرو، وأشجار هذه الغابة من الأنواع النادرة، والمبكي لكل من يرى تلك الغابة عمليات القطع التي تتعرض لها الغابة بشكل بشع ومن قبل احد العاملين في دائرة الحراج، وهو ما يشكل خطراً يستدعي تدخلاً من الجهات المختصة، وخاصة مصلحة الحراج التي تسد آذانها وتغمض عيونها عن تلك العمليات، كما تحدث إلينا احد المواطنين من قرية سرستان وقد اتصلنا مع السيد محافظ طرطوس فوراً نظراً لخطورة ذلك وقد وعدنا مشكوراً بمعالجة الأمر.

عدادات ومخالفات

بغياب الضمير وغياب الأخلاق والرقابة التموينية فقد أصبح المواطن فريسة سهلة لأصحاب المحطات، هذا ما يؤكده عدد من السائقين الذين تجمعوا أمام إحدى محطات الوقود في المحافظة بانتظار دورهم، فالسيد أبو إبراهيم يرى أن العدادات غير صحيحة وأصحاب المحطات يسرقون المواطن بالسعر وبالكمية، فمثلا تتسع سيارتي – يقول أبو إبراهيم – لنحو 60 لتر من المازوت في حال كانت فارغة تماماً، والمفاجأة أن الكمية تتذبذب بين محطة وأخرى، والمؤشر لا يدل على نفاد الكمية، وأفاجأ عند تعبئتها بأنها تتسع لحوالي 70 ليتراً، فكيف يتم ذلك؟!.نحن نطالب التموين وحماية المستهلك القيام بواجبهم لأننا لا نستطيع أن نتحمل أكثر..!

السيد خالد محمد تحدّث بألم واضح عن معاناتهم مع محطات الوقود، فالعدادات غير مضبوطة كما يجب، وهناك تلاعب واضح فيها، فمن غير المعقول أن تتسع العبوة سعة 20 لتر من المازوت إلى 26 لتراً.. طبعاً عندما كان سعر اللتر 30 ليرة لم نكن نبالي بذلك، أما الآن فالموضوع بحاجة لمعالجة حاسمة من قبل التموين وحماية المستهلك.

بطاقة ذكية وقرار خاطئ

إذا كان البعض يرى أن الحكومة تتخبط في قراراتها، والبعض الآخر يرى أن الأزمة هي السبب الأساسي لهذا التخبط، فإن ما يضحك فعلاً هو بعض القرارات التي تصدر عن جهات معنية تدّعي امتلاكها للحد الأدنى من العقل، كالقرار الذي تم اتخاذه بغية الحد من التلاعب بالقسائم المخصصة للسيارات الحكومية، واستبدال تلك القسائم بالبطاقة الذكية، ولكن أن يضطر موظف تم تخصيصه بسيارة حكومية لقطع مسافة 45 كم من اجل تعبئة 20 لتراً من البنزين فهذا هو المضحك المبكي.

يتحدث السيد أيمن الذي اضطر لقطع مسافة تزيد عن 50 كم حتى وصل إلى المحطة الوحيدة في بانياس المخصصة لهذه البطاقات.

ويضيف موظف آخر: ما هو المانع من وجود جهاز في كل منطقة من طرطوس؟! أليس من المعيب أن يتم استهلاك ربع كمية البنزين للذهاب والإياب؟!. كيف يفكر من اصدر هذا القرار؟!

الزيادة.. وفوضى الزيادات

 الجميع يدرك المرحلة الحرجة التي يمر بها البلد، لكن أن يزداد سعر المشتقات النفطية بنسبة 20 % مثلاً وتكون الزيادة المرافقة لها من قبل التجار والسائقين بمختلف شرائحهم تزيد عن 100 % فهذا من غير المعقول، وإذا حسبنا على سبيل المثال – يقول الأستاذ محمود (مدرّس)- الزيادة التي فرضها موزع الغاز على كل اسطوانة (125 ليرة) بعد زيادة المازوت نجد أن سيارة الغاز التي تتسع لمئة اسطوانة قد تضاعف أجر نقلها من بانياس إلى الشيخ بدر مثلاً بمقدار (125 * 100 = 12500) فهل هذا من المنطقي والمعقول؟! ولماذا لم تصدر مع الزيادة التعرفة الجديدة للنقل ونسبة الزيادة القانونية التي يجب أن يدفعها المواطن في حال التنقل لأن أصحاب السيارات العمومية (سرفيس أو تكسي) قد فرضوا زيادة لا تتناسب أبداً مع الزيادة المفروضة على أسعار المشتقات النفطية !

الأستاذ عاطف أحمد مدير التموين بطرطوس، أكد لنا أن كميات المازوت قليلة، وأن الطلب على هذه المادة يزداد في فصل الشتاء كما هو معروف لدى القاصي والداني. وأضاف: لقد وعدونا بزيادة الكميات المخصصة لطرطوس، وأتمنى أن نحصل على الكميات الكافية كي نبدأ بتوزيع هذه المادة على المنازل.

أما المهندس إبراهيم إسماعيل مدير سادكوب بطرطوس فقد تحدث بكثير من الغموض دون أن نحصل منه على أي رد يفيدنا، وكان كل ما استطعنا الحصول عليه منه هو معلومة واحدة تفيد بأن كميات المازوت قليلة في ظل ازدياد الطلب عليها.

أخيراً: الأزمة التي تتفاقم عاماً بعد عام أثبتت أن المعنيين غير قادرين لسبب أو لأخر على إيجاد حلول ناجعة وشافية لهذا الخلل في توزيع أهم مادة على جميع الأصعدة، ألم يكن بإمكانهم تجهيز بطاقات يومية أو أسبوعية يتم تعبئة مادة المازوت من خلالها على ضوء المسافات الكيلومترية المقطوعة؟!. في الحقيقة لقد أسرّ لنا صاحب بولمان كان يعمل على خط دمشق طرطوس أنه يقوم بتعبئة المازوت وبيعه بأسعار مرتفعة دون أن يسافر إلى دمشق، لأنه بهذه الحالة يوفّر الكثير الكثير.. اعتقد جازماً أن الأخلاق والمحاسبة الصارمة هي الطريقة الأفضل، لوضع حد لكل هذه المنغّصات التي على مايبدو هناك من يستفيد منها بشكل كبير. وسأسمح لنفسي بطرح سؤال هام جداً عن السبب الكامن وراء الازدياد الكبير للتراخيص المتعلقة بإقامة محطات وقود في طرطوس؟!

العدد 1105 - 01/5/2024