محمد الحوراني في مؤلفه «الاختراق الإسرائيلي لأفريقيا ـــ السودان أنموذجاً»: البدايات وثيقة تاريخية أصابت كبد الحقيقة

يكشف محمد الحوراني، في كتابه (الاختراق الإسرائيلي لأفريقيا – السودان نموذجاً): حقائق وتفاصيل مذهلة للتغلغل الإسرائيلي في السودان، …

الفصل الأول يتعلق بجغرافية السودان: موقعاً، وأهمية للدخول في تفاصيل المقدمة: الأهمية، والأطماع الأجنبية، التي تكشف عن تمكّن فكر الحوراني من تحليل واستدلال قراءاته على تلك القدرة في التقاط المؤلف لذلك، فالبداية تكمن في القراءة المعمقة (لغرين بالاست) بإصابته لكبد الحقيقة من خلال توصيفه لحقيقة الديمقراطية الأمريكية، في كتابه (أفضل ديمقراطية يستطيع المال شراءها)، ذلك أن الديمقراطية الأمريكية محرمة على الشعوب العربية والإسلامية، وأن (ديمقراطية الوهم: هي الوحيدة التي يباح لتلك الشعوب أن تعيش تحت جناحيها، وتستظل بظلالها المزعومة، والسودان واحد من تلك الأقطار والشعوب الداخل تحت إطار تلك المظلة، والتي يقبع تحتها من هم أفقر وأحط شعوب الأرض وفق الآخر المتغطرس (الأمريكي والغربي)، بل الأمريكي، أكثر لأن مظلته تنسحب على أهل المعمورة قاطبة، وهو الوحيد الذي يقبع فوق المظلة ليحرك العالم من فوقها وفق أهوائه وأوهامه، على أنه الوحيد الذي يملك سلطة القوة: لذلك! يكشف الحوراني لمن لم يقرأ ولمن قرأ استعادة تفاصيل الحلقة الأولى على السودان من خلال أولاً مذكرة الاعتقال الأولى، والثانية، بحق الرئيس عمر البشير، مع ضغوط هائلة صهيو أمريكية، مكثفة لحسم مصير استفتاء الجنوب بالانفصال، وعرقلة الجهود لحل مشكلة دارفور، باستقواء المتمردين، وتشددهم في المفاوضات.

هل حقيقة أننا أمة لا تقرأ!؟ بل أكثر من ذلك، فإن قرأت لا تعي، وإن وعت لا تفهم، وإن فهمت لا تعمل، ولو كانت غير ذلك لما وصلنا إلى هذا الدرك من الفاجعة!؟ أؤكد قيمة كتب أنتجها كتابها بقيمة الوعي والمدركات الخلاقة، وتمثل قراءاتها استيعاباً حياً لما يجري فوق خريطة وجودنا الأوسطي، والكتاب الذي بين يدي من تلك الكتب المهمة، فلا بد من استعادة الوعي للقراءة، والقراءة: من أجل العبرة، والعبر من أجل العمل. موضوعي هذا في البدايات، لأن مضمون الكتاب بمفاصله المهمة، كل مفصل فيه تلزمه قراءة مكثفة، ومعمقة لمحتواه وأفكاره وخطورته، ولكي لا أغمط الكتاب والكاتب حقهما، فإنني بعد البدايات لي شأن آخر فيما بدأت به. مررنا على النقطة الأولى، التي تشكل المدخل، وفيها يبرز الحوراني رؤية أمريكا المتخلفة لكينونة العالم، وكذب ما تدعيه من ديمقراطية تجاهه، وهي التي تعتبره مزرعة أبقار، وأن أبطال الكاوبوي واليانكي عليهم مسؤولية الدهر تجاه تلك المزارع المتخلفة! في المقدمة الجغرافية والتاريخية يقدم الباحث رؤيته كمدخل لذلك فيقول: السودان واحد من أهم الأقطار العربية، وهو السلة الغذائية للعالم العربي.. لو، وهنا تكمن الخطورة فيما بعد (لو) أحسن العرب الاستفادة من مقدراته!؟ وأقول: كيف وهم غائبون، ومغيبون لدرجة المستحيل؟! فهو: أي السودان ضمن معطيات جغرافية، وبيئية، وكموقع يشكل الأهمية القصوى لتلك المعطيات، لذا استقتل الغزاة لتقسيمه، ونهب خيراته، وجعله ضمن منظومة الجغرافية العربية: كأضعف ما يكون استكمالاً لتلك الحلقة التي اعتبروها الأخطر في الوجود الإنساني: حلقة العرب والعروبة والهوية، واستطاعو من خلالنا الوصول إلى أهدافهم بالطرق كافة! ولعل السودان واحد من أقطار العروبة، الذي سيذكّر بريطانيا بلعنته الدائمة لها، لأنها في الأساس هي مهد الطغيان، والمؤامرات علينا، وما تزال، فقد سلمت بعد ذلك مفاتيح الشر للصهيونية الأمريكية لتقوم هذه بدورها بخراب العالم، والتربع على عرشه الهاوي بلذة المخمور الذي يقود القطار إلى الهاوية.

سأختصر الكثير من التفاصيل الآن، وآتي إلى أخطر وثيقة في الكتاب، أبرزها الحوراني عن أطماع الصهيونية في السودان، وأشد على يد الكاتب الزميل بحرارة حادة للغاية لأنه يقوم مقام مركز أبحاث غائب، للبحث والتقصي عن وثائق خطيرة جداً.. يجمعها بجهده وعرقه من هنا وهناك للقارئ العربي، والقراء كالعرب غائبون، هكذا شهد فينا كارابخيا، الصحفي الهندي، الذي التقى عبد الناصر في نهاية الخمسينيات، وبعد ذلك أصدر كتابه الأشهر (خنجر إسرائيل) تقول الوثيقة التي: يثبتها محمد الحوراني في كتابه – صفحة 29: (في عام 1982 نشرت مجلة: (كيفونيم) التي تصدر بالعبرية، وتعد لسان حال المنظمة الصهيونية العالمية، مقالاً في غاية الأهمية، لا بل يمكننا عده وثيقة تؤرخ لطريقة التفكير الصهيونية تجاه الدول العربية، وعنونت الدراسة بـ : (استراتيجية إسرائيل في الثمانينيات)، يكمل الباحث الكشف عما في الوثيقة، التي أؤكد أن عربياً واحداً لم يقرأها غير كاتب البحث: (وتقوم هذه الاستراتيجية على (تقسيم المنطقة العربية إلى دول صغيرة، كانتونتات ـ إضافة إلى تفكيك الدول القائمة، وتفتيتها، وعلى سبيل المثال، فإن هذا المخطط الصهيوني يرمي إلى تفتيت مصر، من خلال إنشاء دولة قبطية في الجنوب، وستقتفي دول عربية أخرى أثر مصر، مثل: لييبا، والسودان، الذي سينهار بدوره لينقسم إلى دويلات صغيرة، ولعل من أبرزها يجب التوقف عنده حقاً، أن هذه الخطة التي نشرت أوائل الثمانينيات أي قبل الغزو الأمريكي للعراق، واحتلاله عام 2003م، تشير إلى أن تفتيت العراق وسورية إلى مناطق ذات ـ خصوصية إثنية ـ و… دينية، على غرار لبنان، هدف استراتيجي من الدرجة الأولى)! وثيقة خطيرة جداً، ومرعبة جداً.. ولو وضعت من قبلهم قبل ألف سنة، فسينفذونها ولو بعد آلاف أخرى وبصيغة الحاضر القائم صيغة، وتنفيذاً، ولو سحبنا الوثيقة لما يحصل الآن لأدرجنا عليها بصيغتها الراهنة: ـ خريف الربيع العربي ـ وثيقة أقف عندها وأضع تحتها مليون خط أحمر، قبل أن أنتقل للوثائق التالية، وسأراقب بضراوة: من سيقرأ كتاب محمد الحوراني، ويقرأ ما كتبت لنثبت للعالم أجمع: أننا من الصنف الذي يغفو للأبد على لذة الذكريات، ولا مجال للراهن حتى ينتهي، ونستفيق على ذكرياته؟!

العدد 1105 - 01/5/2024