الفنان ممدوح الأطرش: أنا مقاتل شرس ولا أُهزم بسهولة

أربعون سنة من الجهد والعطاء الفني أثمرت عن الكثير من الأعمال في مجالات الفنون عدة، رأيناه ممثلاً وكاتباً ومخرجاً له خصوصية لاتشبه إلا نفسها، وخبرنا تجاربه المسرحية والسينمائية التي تركت بصمة مميزة في الحركة الفنية على مستوى الجوائز والمهرجانات العالمية.. رحلة مليئة بالمتاعب محملة بالعثرات مزينة بالنجاحات.

ممدوح الأطرش، فنان قريب من الناس بمحبته لهم وتواضعه وتواصله الاجتماعي معهم، ورغم أنه وضّح لنا بأن التواضع سلاح ذو حدين، وهو أمر إيجابي إذا كان في مجتمع راقٍ يقدّر الفنان وتواضعه، وسلبي إن لم يتم تقديره، لكنه يؤكد عبارة: (أنا بطبعي اجتماعي وأحب الناس).

أعمال كثيرة يعتز بها ويذكرها في جميع لقاءاته الصحفية والتلفزيونية مثل (عرس التحدي) و(مشعل) و(عيد الشحاذين) و(المعثر)، لكنه لا ينكر أنه دفع ثمن نجاحه من محاربة الناس له، ورغم ذلك لم تكن ردة فعله يوماً إلا المزيد من العمل والصمود لإرضاء ذاته وطموحاته.

رحلة شيقة وجريئة أمضيناها مع الفنان السوري القدير ممدوح الأطرش في السطور القادمة..

نبدأ من آخر أعمالك، إعداد برنامج (أبو الفنون) وتقديمه على قناة (سورية دراما الفضائية)، ما ميزات هذا البرنامج؟

 في الحقيقة، نحن نفتقر في القنوات الفضائية للبرامج التخصصية، لا أنكر وجود برامج تعالج قضايا السينما وتحكي عن المسرح، لكن إلى الآن لا يوجد برنامج يأخذ المسرح بشكل علمي وأكاديمي وتوثيقي مدروس ويوصل هذه المعلومات للمتلقي بطريقة سلسة وشيقة، لا سيما أن مادة المسرح هي بالأصل مادة جافة وتحتاج إلى أسلوب معين لتصل إلى أكبر شريحة من الناس.. اعتدنا أن يكون المسرح حالة لا يهتم بها إلا المتخصصون المسرحيون والنخبة والنقاد، ولأول مرة سنرى هذه المادة الجافة ممتعة وقريبة من الإنسان العادي الذي ليس له علاقة بالمسرح. الفكرة موجودة في ذهني منذ خمس سنوات، عرضتها على أكثر من مدير توالى على إدارة القنوات التلفزيونية السورية، لكن أحداً لم يهتم به إطلاقاً، إلى أن استلم الصديق تميم ضويحي إدارة قناة (سورية دراما)، وبالمصادفة عرضت عليه مشروع البرنامج، فتحمس له ووافق مشكوراً على عرضه.

مَن الملام برأيك في تكريس عبارة (المسرح ليس له جمهور)؟

 أعتقد أن هذه العبارة ليست أكثر من أكذوبة نرددها، لأن جمهور المسرح موجود، نحن الفنانين المقصرون بحق جمهورنا، فنحن لا نقدم له أفكاراً مسرحية حقيقية يتمنى رؤيتها، لكن التقصير من جهة الفنان مبرر غالباً بوجود المردود المادي الضئيل، أما التقصير غير المبرر، فهو الذي يقع على عاتق المؤسسات الفنية في بلدنا المسؤولة مسؤولية قطعية عن عدم دعمها للمسرح وعن عدم قدرتها على اجتذاب الفنان السوري لخشبة المسرح. لدي الكثير من الأعمال المسرحية الهامة، من المؤسف أن إدارات المسرح تعتذر عن عرضها، بذريعة عدم وجود ميزانية كافية.

هل من أعمال درامية تحضّر لها لموسم 2014؟

 للأسف لم يعرض عليّ ولا عمل حتى الآن، رغم أني معروف بعدم عدائيتي لأحد في الوسط الفني.. ربما لأني بعيد عن أي (شلة) فنية، أتمنى من الشركات وإدارات التلفزيون السوري أن تعيد آلية النظر في تشغيل الفنان السوري، وأن يكون لنقابة الفنانين الدور الفاعل والمختلف في هذا الأمر.. أنا أحد الفنانين الذين عرض عليهم عروض مادية ضخمة خارج سورية ورفضتها، كي لا أغادر بلدي.. وعلى العكس أنا كنت خارج سورية وعدت مع بداية الأحداث.. إذاً هل يعقل أن أبقى بلا عمل؟ أين مؤسسات الدولة مما يحدث؟

هل تشعر بأن الفن أعطاك بقدر ما أخذ منك؟

أنجزت خلال مسيرة 40 سنة من الفن نحو 37 فيلماً سينمائياً، 4 منها أخذت جوائز عالمية مثل: (الاغتيال، شهزادة، حب ماني)، ورغم هذا العطاء الفني الطويل الذي أعتز به، أنا في بلدي هنا دور صغير في مسلسل (الخربة) يجعل مني نجماً تتهافت الناس عليه في الشارع للتصوير معه.. هل لاحظتِ هذه المغالطة الغريبة، جيل تربى على حجب الأعمال الجادة!

يقال إن كل ما حصدته من نجاح في مسلسل (الخربة)، عوضه سقوط مريع في مسلسل (الخرزة الزرقاء) ماردّك؟

 المسلسل كوميدي دون هدف أو غاية، لتسلية الناس فقط، لاقى إقبالاً عند السوريين بشكل عام باستثناء أهالي السويداء، لأنهم ربما شعروا بأنه يمس بيئتهم. لكن نص الكاتب شادي كيوان كان جيداً.. الذي حدث أن من دمره فنياً هو المخرج محمد نصر الله، لأنه لم يعرف التعامل مع أدواته، رغم أن العمل كان من تمويله الشخصي، وأنا من الأشخاص الذين لم يأخذوا أجرهم عن العمل حتى الآن كثيرون مثلي. المخرج غير موهوب، قدم المسلسل بآلية تجارية. وقد وافقت على دوري بسبب النص الذي كان يحمل أسساً فكرية، توقعنا أن يطورها المخرج ويقدمها بشكل صحيح.     

لأي درجة أثرت بممدوح الأطرش الهجمة الإلكترونية الشرسة التي ملأت صفحات الفيسبوك، لمنعه من تجسيد شخصية المجاهد السوري سلطان باشا الأطرش؟

 هي لم تؤثر عليّ فقط، بل حرمتني من دور كان حلماً لي أنا شخصياً.. بصراحة لقد أعلنت اعتذاري عن الدور، لأن الإخوة الذين يسمون أنفسهم معارضة أثاروا الرأي العام بأني يجب ألا أجسد الدور، فوقفتْ ضدهم جهة أخرى مخلصة للوطن وتؤيد تجسيدي للدور، وبدأت الانقسامات بين الفئتين، وهنا شعرت بأن الأمر سيخلق إشكالية أنا بغنى عنها، خصوصاً بهذه الظروف، لذلك أعلنت انسحابي رغم أني أحق الأشخاص به، ومع احترامي لجميع زملائي الفنانين، لا أعتقد أن أي فنان سيؤدي الدور أفضل منّي، والسبب أني عايشت المجاهد سلطان باشا الاطرش، أعرف كيف يتكلم، كيف يتحرك، حتى كيف ينطق الحروف، عايشت موروثه وحكاياه التي كان يرويها في بيتنا والمضافات الأخرى، وأنا فتى في ريعان الشباب، هذا كله مازال مخزوناً في ذاكرتي. أشعر بالحسد يحبطني أحياناً، لكني سرعان ما أستعيد حماسي وعزيمتي.. أعمال كثيرة أعلنت عنها أحبطت قبل أن ترى النور، لكني مقاتل شرس ولا أهزم بسهولة، وسأبقى هكذا حتى آخر يوم في عمري.

ممدوح الأطرش.. وصل إلى كل هذه النجومية والنجاح بجهده الشخصي وبدعم من؟

يضحك.. بجهدي الشخصي وليس بدعم من أي أحد، على العكس تماماً، أتمنى أن يتركوني بحالي ويكفوا عن معاداتي ومحاربتي، وأنا بألف خير من الله!

العدد 1105 - 01/5/2024