أهم أسباب الضغط على سورية وحصارها

إن أحد أهم أسباب الضغط على سورية وحصارها واستهدافها، مسألة تتعلق بالقانون الدولي وحقوق الإنسان.. وللتوضيح فإن هناك ثلاثة مصادر فكرية وثلاثة أجيال شهدها تطور هذا القانون.

الجيل الأول: الحقوق الأساسية مثل حق الحياة وحرية التعبير والتنظيم المهني والسياسي.. إلخ، وهي الحقوق التي ولدتها الثورات البرجوازية في الغرب.

الجيل الثاني: الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، مثل حق التعليم وحق العمل.. إلخ، وهي الحقوق التي ولدتها الثورة البلشفية الروسية.

الجيل الثالث: حقوق الشعوب في تقرير مصيرها واستقلالها، وهي وليدة حركات التحرر الوطني في العالم الثالث.

(راجع مقالة الباحث المصري محمد أحمد العجاتي. المستقبل العربي، عدد2 /،1999 ص 108).

عند الجيل الثالث من حقوق الإنسان سأتوقف للتركيز على المسألة الجوهرية لموضوعنا، وهي أن التزام سورية بهذه الحقوق تحديداً هو التزام بالقانون الدولي، وهو مبعث الرفض السوري للإلحاق والتبعية والتطبيع، وهذه الحقوق في الوقت نفسه تحديداً هي الحقوق التي يعمل النظام العالمي الجديد بمركزه وأطرافه التابعة على خرقها ومحوها من الذاكرة البشرية في عملية قرصنة وتشويه للعدل الدولي، وحصر عمل المؤسسة الدولية في الحقل الذي يخدم الأقوياء، من هذه الحقوق، وخاصة الجيل الأول منها، ويظهرهم مدافعين عن الحضارة ووكلاء عن البشر.

إن تمسّك سورية بهذه الحقوق يتناقض مع، ويعيق عمل النظام العالمي الجديد ويخالف أهدافه، سواء على الصعيد السوري الداخلي أو على صعيد الصراع العربي الصهيوني أو على الصعيد العربي، بسبب ما تشكله من خطورة يقظة الشعوب العربية الواقعة تحت نير السلطات العربية التابعة، وهو ما جعل ويجعل سورية بغض النظر عن كل الوقائع المثبتة والوثائق والأدلة والبراهين على المؤامرة، رأس أهداف النظام العالمي الجديد، لأنها الوحيدة الباقية على تمسكها هذا بين كل دول المنطقة التي اشتدت عليها وطأة التبعية الاقتصادية والسياسية والعسكرية والثقافية الأمريكية، ووفرت آليات تعميق هذه التبعية وديمومتها.

لقد حدد إسماعيل صبري عبدالله كما جاء في مقالة الباحث العجاتي (المصدر السابق) هذه الآليات كما يلي:

– التبعية الغذائية.

– التبعية الناتجة عن الاعتماد على القروض والاستثمار الأجنبي.

– التبعية المتمثلة في استثمار الرأسماليات العربية لأموالها في الدول الصناعية الكبرى.

– التبعية الناشئة عن توريدات السلاح وما يقترن بها من نظم عسكرية وعقائد قتالية.

فإذا علمنا كمثال واحد على واحدة من آليات التبعية أن حجم الأموال العربية المستثمرة في أمريكا وحدها منذ عام 1988 كان 700 مليار دولار حسب مؤسسة راند الأمريكية، وارتفع إلى 4,1 تريليون دولار في الغرب عموماً عام 2004 قبل تضاعف أسعار النفط حسب تقرير المؤسسة العربية لضمان الاستثمار في الكويت، فيمكننا تصور مدى استفحال حالة العجز العربي الهائل أمام الجبروت الليبرالي الغربي المتحكم بهذه الأموال والقرار السياسي لأصحابها.

المقاربة هنا أن في رصيد سورية خطوة حداثية جوهرية في التزامها حق تقرير المصير والاستقلال، خطوة محرمة حتى بنسبيتها على الدول العربية ولا رصيد لها في أي آلية من آليات التبعية، بينما لدول (القاطرة الأمريكية) العربية رصيد في كل آليات التبعية ولا رصيد لها في أي جيل من أجيال الحقوق المدنية، ليس فقط بسبب تركيبتها الاستبدادية، بل لأن من مصلحة التابع والمتبوع معاً منع التحديث والقضاء على بؤره، سواء كانت دولاً أو تيارات أو أحزاب أو مفكرين مهما كانت نسبته، وحصار شعوب المنطقة وتأصيل تخلفها وتعزيز رجعيتها بانتماءاتها المذهبية والطائفية والعرقية الضيقة، وخنقها ضمن دائرة تقاليدها المغلقة وعلاقاتها القبلية المهترئة، فعلى حساب تقدم هذه الشعوب ونهضتها وحقها في الاستقلال وتقرير المصير والتنمية الحقيقية وحقها في العدالة الاجتماعية والتحرر، جرى نقلها في حداثة استهلاكية شكلانية بديلة من الخيمة الصحراوية إلى ناطحات السحاب، لتمسي التبعية حالة دهرية في الواقع العربي حسب توصيف د. فؤاد خليل (الطريق، العدد،2 الشعوب العربية بين الاستبداد الداخلي والتدخل الخارجي).

العدد 1105 - 01/5/2024