الدستور والديمقراطية

ليس عفواً ما ورد في بيان الحزب الشيوعي السوري الموحد: (دعماً للصمود الوطني، ومواجهة مخططات الهيمنة، وتسريعاً لوتيرة الإصلاح، ندعو للتصويت للدكتور بشار الأسد)، فهو تأكيد واتكاء على الدستور للانتقال الحقيقي للديمقراطية، لأن الدستور هو العقد الاجتماعي بين أفراد شعب في دولة، وهو الحاضن لكل القوانين، والذي يرسم الخطوط العريضة، ويحدد المبادئ التي تحكم علاقات الأفراد فيما بينهم، وعلاقاتهم بالدولة، بوصفها كياناً اعتبارياً سياسياً، والحكومة، بوصفها جهة تنفيذية، أي أنه يحدد شكل الدولة والحكومة بالاعتماد على إرادة الشعب، وهذا ما حدث في سورية، فقد جرى الاستفتاء على الدستور في 26 شباط2012 وأصبح نافذاً في 27 شباط 2012 وأوضحت مقدمة هذا الدستور خلاصة مواده، فقد ورد في المقدمة: (تتويجاً لنضال الشعب على طريق الحرية والديمقراطية، وتجسيداً حقيقياً للمكتسبات، واستجابة للتحولات والمتغيرات، ودليلاً ينظم مسيرة الدولة نحو المستقبل، وضابطاً لحركة مؤسساتها ومصدراً لتشريعاتها، وذلك من خلال منظومة من المبادئ الأساسية تكرس الاستقلال والسيادة، وحكم الشعب القائم على الانتخاب والتعددية السياسية والحزبية، وحماية الوحدة الوطنية، والتنوع الثقافي والحريات العامة وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية والمساواة وتكافؤ الفرص والمواطنة وسيادة القانون يكون فيها المجتمع والمواطن هدفاً وغاية يكرس من أجلها كل جهد وطني، ويعد الحفاظ على كرامتها مؤشراً لحضارة الوطن وهيبة الدولة).

وهكذا ببساطة، نستطيع أن نربط بين مفهوم الدستور، ومفهوم الديمقراطية، لأن الدستور بشكله ومضمونه مرتبط أولاً وأخيراً برأي الأغلبية من الشعب، وهذا ما يؤدي إلى قواسم مشتركة عبر حوار المكونات المشاركة في العملية الديمقراطية، وقد يكون السبيل الوحيد لتجاوز سنوات الحروب والدمار والدماء، والتهجير والعنف النفسي والاجتماعي، وخطر مطب الدولة الفاشلة.

فالديمقراطية لا يمكن فصلها عن التطورات الداخلية، لا يمكن فرضها بأي حال من الأحوال من الخارج، لأن الاستعمار لم يشجع التطور الديمقراطي سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، لأن الديمقراطية تحتاج إلى مجموعة من القيم والاتجاهات والمشاعر تتفاعل بين الحاكم والمحكوم، وتحتاج إلى مقومات أقلها إقرار حقوق الإنسان واحترامها، وإصدار التشريعات التي تحمي حرية الرأي والتعبير والتنظيم، والمساواة، والسماح بالتعددية الحزبية، والتداول السلمي للسلطة، واحترام إرادة الأكثرية، وهذا ما يتناقض مع مصالح القوى الاستعمارية والرجعية. والدليل على ذلك أن معظم الأنظمة في بلدان العالم الثالث التي ورّثها ودعمها الاستعمار هي نماذج سلطوية، وهذا ما طرحه (هنتغتون)، هي تتمثل في الحكم العسكري وحكم الحزب الواحد والحكم الشخصي أو الفردي.. إلخ، والدليل الصارخ على رياء الغرب أن كثيراً من الدول كانت تسمياتها تحتوي على كلمة الديمقراطية، دون أن تمارس الديمقراطية، مثل ليبيا والصومال. ولا نبالغ إذا قلنا إن نصف الدول الإفريقية ذات الأنظمة الديكتاتورية كانت تسمياتها فيها كلمة ديمقراطية، ويدعمها الغرب ما دامت تعمل لتحقيق مصالحه.

ولنأخذ من الجانب الآخر مثالين لدولتين كبيرتين، هما روسيا والصين.

فقد أكد الرئيس الروسي (بوتين) أن من السذاجة كسب مدح الغرب من خلال (الإصلاح الديمقراطي). وعندما تكون مصلحة التصويت تصب لمصلحة روسيا بدلاً من مصلحة الغرب، فإن الديمقراطية (الصِّرف) المطلوبة من الغرب هي تبديل وليست إصلاحاً، وتعلّم الرأسمالية من الصفر، والغرب متعجرف في تقديم النتائج الأكثر موضوعية.

أما في الصين فتم إجراء دراسة عن الديمقراطية، فكانت النتيجة أن الأكثرية أكدت  (الديمقراطية شيء جيد، وهي اتجاه كبير). وأن مضمون الديمقراطية (غني وأنها بالطريقة الغربية مجرد شكل من أشكال الديمقراطية. ونعلم أنه محكوم على الصين  أن تتلقى الانتقادات من جانب الغرب، ومهما فعلت فلن تلقي تصفيق الغرب ومدحه. ونعلم أن الصين لها خصائصها وديمقراطيتها غير ديمقراطية الغرب.

لكن المطلوب منا حتى نكون ديمقراطيين، من وجهة نظر الغرب، أن نتخلى عن الأراضي المتنازع عليها، والسماح لتايوان وشينجيانغ بالانفصال، والتوقف عن رحلات الفضاء المأهولة، وخفض الترسانة النووية وعدم العمل في حاملات الطائرات، ولا للغواصات النووية الجديدة المعاد تدويرها… إلخ.

لذلك يقولون لا نريد الديمقراطية التي تجلب لنا الاضطرابات الاجتماعية، وتعيق التنمية.

ويرى الصينيون أن الديمقراطية الجيدة تتطلب البناء الأساسي للثقافة الديمقراطية، ويشمل هذا البناء توافق المجتمع في الآراء الأساسية للديمقراطية، وسلطة القانون، ونموذجاً يحترمه المجتمع، والسلمية في إيجاد الحلول عند المعارضة الجادة في الآراء والمصالح، احتقار الاحتيال على الشعب. ولا يمكن للصين العلاج بالصدمة السياسية لأن هذا العلاج نتائجه مجهولة. والديمقراطية ليست اسماً فخرياً، بل هي طريق لا مفر منه.

ـ أما في سورية فإن أساس الديمقراطية الاجتماعية موجود عملياً، خاصة أن الطبقة الوسطى تتميز بدرجة عالية من الثقافة والتعليم والتنوع الفكري والتسامح، وهي بالأصل من أساس عمالي وفلاحي، وحرفي، وهذا يجعلها مهيأة بشكل طبيعي للانتقال إلى الديمقراطية. وبعد الأحداث الأخيرة، قد يحصل تقاعس في الانتقال إلى الديمقراطية الحقيقية، بينما هي تتطلب التسريع أكثر من أي وقت مضى، لأنها طريق وحاجة وأمل، قد لا يكون أمامنا وقت نضيّعه، فهي حياة أو موت لمستقبل سورية، وفي هذا المجال، قد يكون سبب التكالب الأمريكي الإسرائيلي السعودي القطري على سورية، لا لأنها دولة الممانعة والمقاومة الوحيدة وحسب، بل لأنها الدولة العربية الأقرب إلى الديمقراطية الحقيقية، لاستكمالها مقومات الديمقراطية الاجتماعية والاقتصادية والفكرية، وهذا يشكل خطراً مباشراً على الرجعية القبلية في الجزيرة العربية، والشيطان وحده قد يصدق أن هذه الدول تريد للشعب السوري الديمقراطية.

وفي ظل دستور عصري متقدم، وإرادة شعبية عارمة، لا بد من من دحر القوى الظلامية التكفيرية الإرهابية والشروع في إقامة ديمقراطية سياسية، تدعم الديمقراطية الاجتماعية، لتصبح سورية نموذجاً للديمقراطية الحقيقية، وتطلق نهضة عربية، وتواصل دورها كإشعاع حضاري تاريخي، ولتشتعل الشمعة السورية في ظلمات النفط الخليجي.

العدد 1105 - 01/5/2024