الصناعة السورية التدمير والفساد عدو واحد

تعرضت الصناعة الوطنية للتخريب والدمار، ليس بفعل ما يجري الآن، نتيجة الأزمة الراهنة، فحسب، بل إن كل محاولات الفساد السابقة التي استهدفت الصناعة ومؤسساتها وشركاتها، وتعطيل عملها، وإيقاف خطوط إنتاجها، لا تخرج عن هذا الإطار، لأن مصالح هذه الجهات والأطراف كافة تلتقي على تدمير الصناعة السورية، وعرقلة تطوير منتجنا الوطني، ومنعه من إيجاد البيئة التنافسية القادرة على زيادة عناصر قوة هذا المنتج. والسؤال: بماذا يختلف من منع إصلاح الصناعة، في الفترات السابقة، وساهم في دورانها في حلقة مفرغة، ومارس الفساد، عن ذلك الذي يسرق الآلات ويدمر المعامل الآن؟ ألا يتفق هذان الطرفان على هدف واحد هو تدمير صناعتنا، وإن اختلفت السبل والوسائل لتحقيق هذا الهدف القاتل والمرعب؟

هذا واقع يبدو معروفاً، لكن هناك واقع آخر أيضاً، فالأرقام والميزانيات التي ترصدها الحكومة، في خططها وبرامجها، تثير الفرح، بأن الحكومة تسعى لإعادة إقلاع عجلة الإنتاج، أو أنها تضع تصورات أولية، للمرحلة القادمة، ومتطلباتها واحتياجاتها. وينطبق هذا الكلام على وزارة الصناعة، إذ إن القيمة الإجمالية للخطة الإسعافية للوزارة، تبلغ 800 مليون ليرة سورية، خلال العام الجاري، ستُنفق على إعادة تأهيل وبناء الشركات وصيانة الآلات وخطوط الإنتاج المتضررة. وتفاجئنا الحكومة  رغم أهمية هذا المبلغ  أنها عندما تريد ترصد المبالغ، وعندما ترغب، تجد مصادر التمويل اللازمة، أما عندما لا تكون راغبة في ذلك، فتجد الكثير من الأعذار والعقبات، وتضع العصي في الدواليب، وتجد الكثير من الأنظمة النافذة التي تمنع تمويل أو رصد اعتمادات أي مشروع. ها هو ذا الواقع السوري الصناعي العام بامتياز، يتأرجح بين رغبات الحكومة وتوجهاتها من جهة، واحتياجات هذا الواقع ومتطلباته من جهة ثانية، ما ينعكس مرة بشكل إيجابي على الصناعة الوطنية، ومرات بشكل سلبي، لعدم وجود رؤية وموقف واضح على الدوام، فعلياً وليس نظرياً. وللتهافت الذي حصل في المرحلة السابقة، لاسيما إبان حكومة محمد ناجي عطري، للمسّ بالصناعة العامة، وتركها تترهل، وعدم السماح بتمويل مشاريع إصلاح القطاع العام الصناعي، وإعادة مشروع إصلاح هذا القطاع غير مرة إلى المربع الأول، في محاولة تسويفية واضحة، لم يرف جفن لوزير في تلك الحكومة آنذاك، مقابل صمت معظم القوى المطالبة بإصلاح الشركات نزولاً عند رغبة الحكومة.

الخطة الإسعافية التي أنجزتها وزارة الصناعة، تضاف إلى خطتها للعام الجاري، البالغة قيمتها 1.625مليار ليرة منها مبلغ 1.297مليار ليرة لاستبدال آلات ومعدات الشركات وتجديدها و316.4مليون ليرة للمشاريع المنقولة، إضافة إلى 11.3 مليون ليرة للمشاريع الجديدة. بمعنى آخر إن مبلغاً تتجاوز قيمته 2.4 مليار ليرة رُصد لشركات القطاع العام الصناعي، الذي بعضها متوقف أو خاسر أو يقف حدياً، بينما هناك مؤسسات رابحة، يجب أن تُحصد نتائجها في المدى المنظور، لأن عدداً من الشركات بحاجة إلى مبالغ بسيطة لإعادة اقلاعها، أو تطوير خطوط إنتاجها. وإذا عدنا إلى تصريحات مديري الشركات والمؤسسات نجد ذلك، كما أن مطالبات النقابيين تصب في هذا المحور. وحتماً، من المطلوب أن تُمنح إدارات المؤسسات والشركات صلاحيات وتسهيلات جديدة تتناسب مع هذا الواقع، أو أن تكون عمليات إنفاق هذه المبالغ سلسة وغير خاضعة للتعقيدات الادارية، لأن الهدف من ذلك إقلاع عدد من الشركات أو خطوط الإنتاج.

حال صناعتنا الوطنية بشقيها العام والخاص، لايسر الخاطر، ولا يشجع على التفاؤل بها، لاسيما أن كل محاولات التفاؤل السابقة التي حاولنا غرسها في نفوسنا، كان حصادها اليأس، إلا أن ذلك لايمنع إطلاقاً من خلق البيئة المناسبة لتطوير هذه الصناعة، وإيجاد الظروف المواتية الكفيلة بإعادة دوران عجلة الإنتاج. وإذا كان التحدي المالي هو الذي عرقل معظم محاولات تطوير الصناعة سابقاً، فإن المبالغ المرصودة في العام الجاري، تشكل نقطة انطلاق مناسبة وقوية، في حال استثمرت في المكان المناسب، وأنفقت بالشكل المناسب.

يبقى التساؤل: الحكومة أقرت الاعتمادات الاستثمارية للصناعة، والوزارة وضعت متطلبات خطتها الإسعافية وأوجه إنفاقها، لكن هل حوّلت هذه المبالغ فعلياً لوزارة الصناعة؟

العدد 1105 - 01/5/2024