سلطة رابعة بقيود وضوابط

مسميات كثيرة أطلقوها على الإعلام، واعتبروه لسان حال المجتمع الناطق بالحق والطبيب المداوي لكل مشكلة. لكن يبقى لنا سؤال: إلى أي حد ممكن أن نثق بهذا الإعلام، وهل هو مُخيّر كما يظن البعض؟ والجواب: لا، فهو لم يكن يوماً من الأيام إعلام مخير لأنه يخضع لعدة ضوابط، لعل أهمها سياسة الوسيلة التابعة لها سواء كانت محطة تلفزيونية أو إذاعية أو صحيفة، فهي جميعها لها سياسة معينة تجبر العاملين فيها على الخضوع لهذه السياسة، وانطلاقاً من هنا لا يوجد حرية إعلام. أيضاً شرقية المجتمع وتقيده بقيم مفروضة عليه سواء من رجال الدين والعادات والتقاليد وأخلاقيات جعلت إعلامنا مُكبّلاً بطقوس المجتمع وقادة رأيه متعددي الوجهات. كذلك لا يمكن أن نُنحي رجالات السياسة وهيمنتهم وحرصهم بمنظورهم الشخصي على سلامة البلد، وخاصة في أزمتنا هذه وما خلفته من نفوس ضعيفة استغلت وضع الأزمة وباتت تستغل منبر الإعلام لتجعل منه منبراً خطابياً يحمل بين طياته لهجة دينية تارةً، ولهجة سياسية تارةً أخرى مصورين للناظر من خارج سورهم الإعلامي أنهم مع حرية الرأي والفكر الحر، وأنهم ضدّ الفساد والخلل وضدّ خروقات بعض رجالات الدولة للقوانين، رغم أنهم أنفسهم أول من وضع سداً منيعاً أمام حرية الصحفي بكسر قلمه بعقدة المحظور والمتاح.

فمهما بلغ بنا الشعور أننا وصلنا إلى السقف المفتوح بالكلمة الحرة وكُسِرَ أمامنا جدار المنع إلاّ أننا مازلنا مقيدين بحرام الكلمة وحلالها، وكذلك مازالت أقلامنا تخشى عاقبة العصا لأننا نعلم أنها عقاب لمن عصا، وبالتالي ما دام لم يتحقق فصل الدين عن الدولة، فلا حرية لإعلام كلمة الفصل فيه لرجالات العمامة، وهم المُسيّر لرأس المال والسلطة.

كل هذه المعوقات جعلت منّا بلداً يخنق الكلمة الحرة بوشاح السترة، ويكسر القلم بمنشار الجلاد، ويُكتم صوت المذيعة لأنها تعتبره عورة، فلا مكان لصوت حر على منبر الدين وتحت سقف سياسي لأن الكلمة ستُقتل قبل أن تلج الحياة.

العدد 1105 - 01/5/2024