القيامة!…عٍبر وعٍظات

 ولد السيد المسيح بمعجزة مرة واحدة، وتكلم في المهد نافياً التهمة الموجّهة إلى والدته بالجسد، مرة واحدة، وصُلب وقال على خشبة الصليب: يا أبتِ، اغفر لهم لأنهم لا يعرفون ماذا يفعلون! وقام من بين الأموات هازماً الموت منتصراً للحياة مرة واحدة.

لكن يهوذا النادم على فعلته بتسليم سيده مقابل 30 من الفضة، عاقب نفسه بالموت شنقاً.

فهل مات يهوذا؟ أم أنه مازال يولد كل يوم، مرتدياً أقنعة مختلفة وثياباً عصرية تتناسب مع مقتضى الحال، يغوي بابتسامته الخادعة ويوزع قبلاته الكاذبة لقاء حفنات من متاع الدنيا؟

هل لنا من نهاية يهوذا عظة وعبرة؟ وكيف يمكن تجنّب قبلاته؟! والأهم: هل نستطيع استئصال اليهوذية التي تتفاقم في الأزمات عندما تضعف النفوس أمام إغراءات رنين الفضة ولمعان الذهب وخشخشة الدولار؟!

ثمة من يقول مبرراً سقطاته وضعفه: كل شيء قابل للبيع! فكيف يمكن للإنسان أن يبيع وطنه، أو يعمل على تخريبه تحت أي ذريعة أو حجة لا تصمد أمام الحقائق الواضحة الصارخة القائلة: من يبيع وطنه فإنما نفسَه يبيع؟!

تلك حقيقة يهوذا: باع نفسه وعاقبها، لكن موته لا يغفر له هفوته الكبرى.

سمعان (بطرس) صياد السمك، قال له المعلم: اترك صيد السمك واتبعني، سأجعلك صياداً للناس! وبالفعل أصبح بطرس من أقرب تلاميذه إليه، وقد قال له: أنت الصخرة، وعلى هذه الصخرة سأبني كنيستي.

لكن بطرس، وكما قال له معلمه: يا بطرس، ستنكرني ثلاث مرات قبل صياح الديك! وبالفعل أنكر بطرس الصخرة سيده، لكنه بقي مخلصاً له مؤمناً بقيمه، هو الذي، فيما بعد، لاقى مصيره مثل معلّمه: مصلوباً، ولكن، على صليب مقلوب (رأسه إلى الأسفل)، وقد ساهم بنشر قيم المسيحية في قلب روما.

أخطأ بطرس، لكن سقطته لاقت تسامحاً وسماحة من معلمه، المعلم الذي غفر أخطاء أعدائه، المقارنة بين خطأ بطرس وخطيئة يهوذا، لا تقوم على علاقة مابين واقعتين، لكن العبرة واحدة: تسامح المعلم وقدرته على المغفرة.

تابع بطرس طريق معلّمه إيماناً بالمبادئ وإعلاءً للقيم، وانتهى يهوذا ملعوناً إلى يوم القيامة مثالاً على الخيانة والضعف والخسّة.

الإيمان أياً كان شكله هو حجر الزاوية في المواجهات والصمود أمام الإغراءات المادية والمعنوية.

 بلا قوة داخلية إيمانية تعزّز وتقوّي لا يمكن لأصحاب الأفكار الإنسانية النيّرة أن يصمدوا في معاركهم، وفي التحديات التي تواجههم في زمن تتعاظم فيه الإغراءات، التي في النهاية ليست أكثر من خيوط حريرية وذهبية أحياناً تلتف حول رقاب قابضيها.

فلنعزّز إيماننا ولندعم صمودنا، متسلّحين بالفكر العلمي وبمنهجية تساعدنا على فهم الواقع الذي نعيشه، الواقع المعقد المتداخل الذي صدّر أزمة خانقة، تحولت إلى محنة مؤلمة دفع ثمنها الشعب السوري أنهاراً من دماء أبنائه.

الإيمان بالنصر هو الطريق المؤدية إليه، والسلوك في الطريق يقتضي معرفة منعرجاته، وقد تداخلت وتشعبت إلى حد التيه، لكن أصحاب البصيرة قادرون على الفرز ومواجهة التحديات، منطلقين من ثقتهم بأن بلادهم قد أصبحت حاضنة لولادة عالم جديد، عالم متعدد الأقطاب.

 

العدد 1105 - 01/5/2024