مكتب الشباب والطلاب المركزي بمناسبة الذكرى التسعين يُقيم الدورة التثقيفية المركزية

تأكيداً على استمرارية الحياة، وعلى استكمال مسيرة العقود التسعة من حركة ضاربة جذورها في أعماق الأراضي السورية، ومازالت تنتصب شامخة بتضحيات قدمت قرباناً لتبقى تحملُ في طياتها تطلعات شعب تعهدت له في بداية انطلاقتها بأن تحقق له حلمه بالعدالة الاجتماعية والمساواة وتعزيز مواطنيته وحماية حقوقه وصون حريته.

مع البداية، وبنظرة على محطاته التاريخية المعمدة بالدم والعرق يقف الحزب الشيوعي السوري الموحد بعد مضي تسعة عقود على إعلان ولادته ليحتفي بميلاده بأن يجمع كوكبة من شبابه على صعيد الوطن، ليقرأ أمامهم صفحات من تاريخه الملتحم بتاريخ الشعب والوطن، وليستمد منهم عزيمة الشباب وعنفوانهم، وليحاورهم حول تطلعاتهم ورؤاهم وأفكارهم وهواجسهم، وبذات الوقت يؤهلهم بما يعتمد عليه من مرجعية فكرية وهو الماركسية بمنهجها المادي الجدلي التاريخي

البداية كانت بالوقوف دقيقة صمت على أرواح شهداء الحزب والوطن، تلاها ترحيب من الرفيق نجم خريط، عضو المكتب السياسي، الذي أعتبر إن الدورة عبارة عن مساهمة متواضعة من مكتب الشباب والطلاب المركزي على شرف الذكرى التسعين لتأسيس حزبنا، وهي إحدى الأنشطة التي يقوم بها الحزب من سلسلة نشاطات وفعاليات تجري على ساحة الوطن، إحياءً لذكرى عزيزة على قلوبنا جميعاً،ونؤكد أنه في عملنا هذا لا ننطلق من ترف فكري أو سياسي أو ثقافي، بل نرى من واجبنا الوطني، ومن واجبنا الحزبي تجاه شعبنا الذي يعاني أقسى الظروف.

بعدها كانت المحاضرة الأولى في الدورة التي قدمها عضو المكتب السياسي الرفيق علم الدين أبو عاصي بموجز عن تاريخ الحزب وهويته، تناول فيها المحطات العقدية التسعة التي مر فيها الحزب، وابتدأها بسؤال لماذا الأحزاب، ولماذا بقيت أحزاب اندثرت أخرى على ساحة الوطن،فالحزب الشيوعي السوري الموحد الذي انطلقت مسيرته في 24 تشرين الأول 1924بمجموعة من الشباب الوطني المتحمس للنضال الثوري ولنصرة الطبقة العاملة، وجاء الاعتراف بالحزب من قبل الأممية الشيوعية بـ 28 تشرين الأول 1924. وذكر المحاضر أسماء الرواد الأوائل: فؤاد الشمالي،إبراهيم يزبك،آرتين مادويان، حيثُ حملت تلك الفترة أفكاراً ومهام وطنية للنضال ضد المستعمر الفرنسي، وأخرى طبقية للدفاع عن حقوق العمال والفلاحين، إضافةً للدور التنويري الذي حمله على عاتقه منذ تأسيسه وحتى الآن.مروراً بالثلاثينات وعقد مؤتمره الأول ودوره في تشكيل النقابات، ووضعه لوثيقة برنامجية، والدفاع عن عروبة لواء الإسكندرون، واستمر تصاعد حضور الحزب في الأربعينيات بعقد مؤتمره الثاني وإصداره للميثاق الوطني للحزب، ومع ما تعرض له من هجمات بعد قرار التقسيم،فمرحلة الخمسينيات ومواجهته للدكتاتوريات ونشاط الحركة السياسية ودخوله البرلمان ومقاومته للمشاريع الاستعمارية، فالوحدة وما حملت للحزب من تنكيل وملاحقة لكوادر الحزب واستشهاد الرفيق فرج الله الحلو، فمرحلة الانفصال، والتعاون مع حزب البعث ودخول أول وزير شيوعي للحكومة، فالنكسة وتشكيل لجان للدفاع عن الوطن، وصولاً لعقده المؤتمر الثالث وإقراره للنظام الداخلي للحزب…

المحاضرة الثانية كانت للرفيق عدنان كيزاوي، عضو المكتب السياسي، الذي قدم سرداً واقعياً للأحداث السياسية التي دارت في المنطقة والبلاد على مدار السنوات العشر الأولى من الألفية الثالثة، وما حملته من زيادة الأعباء على الفئات الاجتماعية من اتساع دائرة الفقر وارتفاع نسبة البطالة وإهمال مناطق أحزمة الفقر وانسداد الآفاق أمام الشباب، وافتقار البلاد للحياة الديمقراطية السليمة، فحذر الحزب قبل نشوء الأزمة بسنوات من خطورة الوصول إليها، وخاصة في المؤتمرين العاشر والحادي عشر، والمذكرة التي وجهت لقيادة حزب البعث العربي الاشتراكي عشية مؤتمرهم العاشر وحملت مطالب سياسية واقتصادية واجتماعية هي ذاتها التي تصدرت مطالب المحتجين بداية الأحداث 2011. وبيّن كيف سارت الأمور خلال الأعوام الثلاثة المنصرمة وما حملته من آثار ونزاعات لن تمحى بسهولة، وستحتاج لوقت طويل ليتخلص منها المجتمع السوري. وشرح موقف الحزب والطروحات التي قدمها للخروج منها بالدعوة لعقد مؤتمر وطني شامل وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين وتحصين الوضع الداخلي. ثم استمع المحاضر لأسئلة الرفاق حول التسعير الطائفي الذي كان منتشراً قبل الأحداث ومن هي الجهات التي كانت تروّج لذلك، وحول موقف الحزب من حركات المقاومة في المنطقة وكيفية النظر لها، وما وصلنا له اليوم من التحالف الأمريكي وموقف الحزب منه الذي تجلى بالبيان الصادر 25 أيلول 2014 والذي أكد فيه على رفض التدخل العسكري مهما كانت المبررات الفعلية لهذه الهجمات، واعتبره الحزب اعتداء على السيادة الوطنية، وإن جوهر الموقف الأمريكي هو عودة الهيمنة على المنطقة والدفاع عن المصالح الأمريكية والإسرائيلية.

اليوم الثاني حمل في صباحه جلسة أشرف عليها الرفيق هيثم الشعار عضو اللجنة المركزية للحزب، قدّم فيها مصادر الماركسية موضحاً بأنها علم وايدولوجيا، وتمحورت الجلسة حول الاشتراكية العلمية والتشكيلات الاقتصادية والاجتماعية والصراع الطبقي وحول قوانين الديالكتيك. والمحاضرة التي استمرت ما يزيد عن ثلاثة ساعات بينت بأننا بحاجة أعمق لتوسيع نشر المعارف الماركسية وتخصيص وقت أطول لمناقشتها.

الجلسة التي تلتها كانت للرفيق عماد عمر ممثل الحزب بالمكتب التنفيذي للاتحاد الوطني لطلبة سورية الذي قدم شرحاً وافياً عن الاتحاد وعن فروعه بالداخل والخارج وتركيبته التنظيمية، موضحاً ما هو دور الاتحاد في حل مشاكل وقضايا الطلبة، وأهمية وجود رفاقنا في هذه الهيئات ليساهم في حمل صوت الطلاب وتنظيم صفوفهم. وتميزت الجلسة بعرض المشاكل التي تقع في المعاهد والجامعات، وقدم الرفاق فيها ملاحظاتهم حول عمل الاتحاد. وكانت جلسة تفاعلية مميزة خاصة بحكم الفئة العمرية التي ينتمي لها الرفاق.

المحاضرة الثالثة في اليوم الثاني كانت مع الرفيق نجم خريط، عضو المكتب السياسي، حول موضوع شائك يتعلق بسياسات التحالفات والجبهة، فبين أن للتحالف أساس نظري وله تطبيق عملي، مركزاً على أن العمل الجبهوي يتطلب تغليب الجوهري وهو النضال ضد الإمبريالية ومن أجل احترام حقوق المواطنين، وإن الجبهة ليست حاصل جمع القوى بل يجب أن تكون غايتها خلق أكبر تجمع جماهيري ليس بمقدور حزب بمفرده جذبه لساحة النضال، وإنما بتفاعلها مع بعضها تقوم بدورها المطلوب وتحقق أهدافها المتفق عليها ببرنامج محدد وهو القاسم المشترك الذي يجمعها.

واستعرض الرفيق خريط موقف الحزب خلال تاريخه الطويل، إذ أن الحزب بدأ بطرح موضوع التحالف عام 1936ودعا إلى تجميع القوى بما فيها البرجوزاية الوطنية (التي كانت ممثلة بالكتلة الوطنية) للنضال ضد المستعمر. وتجلى موقف الحزب بتبنى مفهوم الجبهة أثناء دفاعه عن عروبة لواء إسكندرون، فتشكلت لجنة ضمت الحزب الشيوعي وحزب الشباب الوطني وعصبة العمل القومي والنادي العربي.

المحاضرة الأولى في اليوم الثالث كانت للرفيق فؤاد اللحام عضو المكتب السياسي، وقد تناولت الوضع الاقتصادي والاجتماعي والمهام الراهنة. وشرح فيها تعقد الوضع الحالي من خسارة في مواردنا النفط والحبوب والقطن، وارتفاع الأسعار من 3إلى 5 أضعاف. مشيراً إلى أن الأزمة أدت إلى تعقيد الوضع الاقتصادي والاجتماعي الذي كان قبل الأزمة. مشيراً لحجم الخسائر التي تعرضت لها البنية التحتية للاقتصاد السوري والتي تقدر ب 6تيريليون ل.س بما يعادل 35 مليار دولار.وإن المقاطعة التي فرضت على الاقتصاد السوري دفع ثمنها الشعب السوري.

وفي مساء اليوم الثالث قام الرفاق بجولة على سوق الحميدية، وتوقفوا في مقهى النوفرة، وتجولوا في الشوارع المحيطة بالقلعة. ومن ثم ألتم شملهم ليقيّموا الدورة ويضعوا ملاحظاتهم، فكان هناك قاسم مشترك أجمع فيه الرفاق على أهميتها والفائدة التي نتجت عنها، مع التأكيد على استمراريتها والسعي بشكل جدي لتحويلها لمدرسة حزبية دائمة تُرفد الحزب بشباب بمرجعية فكرية ومعرفية تؤهلهم لأداء دورهم التنويري الذي يفرضه عليهم واجبهم الوطني في ظل تنامي الأفكار الظلامية.وعلى أمل أن تبقى السنديانة الحمراء تحمل براعم جديدة تنشد وطن حر وشعب سعيد.

العدد 1105 - 01/5/2024