«الأوكسيتوسين»… هرمون الحب الطويل

إلى وقت قريب كان اسم (أوكسيتوسين) يرد  إلى مسامعنا عندما يتعلق الأمر بالمرأة والحمل والولادة والرضاعة، فهذا الهرمون الذي يفرزه الدماغ موجود بنسبة كبيرة عند النساء، ويلعب دوراً مهما لدى الحامل والمرضع، إذ يساعد على انقباضات الرحم لدفع الجنين وإتمام عملية الولادة، ويقلل من آلام الوضع، ويحد من النزف أثناء الولادة، ويحضّ على تقلص غدد الثدي لإفراز الحليب، كما يلعب دوراً عند غير الحامل من أجل دفع السائل المنوي  إلى عمق الرحم. وهناك من يتهم هذا الهرمون بأنه السبب وراء إصابة بعض المرضعات بالنسيان لفترة وجيزة.

ونظراً  إلى الوظائف الكثيرة لهرمون الأوكسيتوسين عند النساء، فقد ظن بعضهم أن لا وجود لهذا الهرمون عند الرجال، لكن الحقيقة أنه حاضر بقوة عند كل الثدييات بدءاً من الأخطبوط، مروراً بالماشية وانتهاء بالإنسان، ذكراً كان أم أنثى، إذ كشفت البحوث الفيزيولوجية أن كميات كبيرة من الأوكسيتوسين تفرز قبيل القذف المنوي ما يساعد على انقباض المجرى التناسلي لطرح السائل المنوي  إلى الخارج. وثبت أيضاً أنه يحفّز العضو التناسلي الذكري جنسياً بإرسال إشارات  إلى مركز (الهيبوتالاموس) القابع في الدماغ لإفراز المزيد من الأوكسيتوسين للمساعدة على القذف لحظة حدوثه.

عدا هذا وذاك، هناك حقيقة أخرى هي أن الهرمون المذكور لا يطرح من قبل الدماغ وحسب، بل تفرزه أيضاً خلايا الخصية والبربخ وغدة البروستات، وفي هذه الحال يكون عمله موضعياً على تلك الأعضاء. وأدى اكتشاف تأثيرات الأوكسيتوسين على الجهاز التناسلي الذكري  إلى وضع عدد من التطبيقات العلاجية، نذكر منها:

– لزيادة القذف المنوي.

– لزيادة نمو غدة البروستات، إما بشكلٍ مباشر، أو بشكل غير مباشر عبر تدخّله في العمليات الاستقلابية لهرمونات الذكورة.

– قد يستخدم علاجاً للضعف الجنسي، وهناك مؤشرات واعدة على هذا الصعيد، إذ بيّنت البحوث أنه يلعب دوراً مهماً في الانتصاب بزيادة تدفق الدم في العضو الذكري.

وإذا كان لهرمون الأوكسيتوسين تأثيرات نوعية لدى كلّ من الرجل والمرأة، فإن الدراسات الحديثة كشفت أن هذا الهرمون يملك وظائف علاجية يمكن تطبيقها على الطرفين:

– أوضحت دراسة بريطانية – كورية مشتركة جديدة أنه يمكن استخدام هرمون الأوكسيتوسين فى علاج اضطرابات الشهية، كفقدان الشهية العصبي.

الدراسة استغرقت أربعة أسابيع وشملت 64 شخصاً وزّعوا على مجموعتين، كشفن نتائجها أن  حقنة من الهرمون ساهمت كثيراً في خفض المخاوف المتعلقة بالوزن والشكل.

وصرحت جانيت تريجر، التي أشرفت على الدراسة، وهي استشارية اضطرابات الشهية في معهد كينغز كوليدج للطب النفسي في لندن، أنه ينبغي إجراء العديد من التجارب قبل استعماله في علاج الاضطرابات النفسية واضطرابات الشهية.

أما الباحثة الكورية يولري كيم فتؤكد أن البحث أثبت قدرة الهرمون على تغيير النظرة اللاواعية  إلى الغذاء والوزن، الأمر الذي قد يساعد في علاج فقدان الشهية العصبي.

– توصلت دراسة أمريكية  إلى أن مزيجاً هرمونياً يضم الأوكسيتوسين قد يحدث فارقاً كبيراً في الحد من معاناة كثيرين من المرضى من الآلام المزمنة. وتشير الدراسة  إلى أن 7 من بين كل 9 مرضى شعروا بتحسن ملموس عند تناول جرعات من هرمون أوكسيتوسين، إضافة  إلى عدد من المسكنات المنتمية  إلى فئة الأفيونات. وأوضح معدو الدراسة أن المرضى شعروا أيضاً بتحسن على صعيد حدة الألم وليس في طبيعته فقط. كما وجد باحثون من جامعة ستانفورد الأمريكية أن بخاخ الأوكسيتوسين الأنفي يفيد بوصفه مسكناً قوياً لآلام الصداع النصفي.

– معروف أن الأطفال المصابين باضطراب التوحد يعانون صعوبات في التواصل الفعال مع الآخرين، ومشكلات في تطوير الروابط الاجتماعية، ربما يرجع سببها  إلى نقص مستوى هرمون أوكسيتوسين، وبناء عليه يجري التفكير بإعطاء هؤلاء الأطفال جرعات إضافية من الهرمون المذكور، فكانت النتيجة واعدة، إذ ساهم في تنشيط مناطق الدماغ المسؤولة عن التواصل الاجتماعي. وفي تجربة أخرى للباحثة الفرنسية أيوليار أنداري من مركز الأعصاب الإدراكي في جامعة ليون، وزعت أطفال التوحد إلى فريقين يتبادلون الكرة، الفريق الأول استنشق رذاذ الأوكسيتوسين، أما الآخر فأخذ علاجاً وهمياً. في العادة لا يستطيع طفل التوحد أن يفرق بين لاعب من فريقه ولاعب من الفريق المنافس، لكن تبين بعد الدراسة أن الذين تناولوا الأوكسيتوسين استطاعوا أن يميزوا أعضاء فريقهم، فقاموا بتمرير الكرة لهم فقط.

ويمكن شراء رذاذ هرمون الأوكسيتوسين بسهولة عبر الإنترنت. وهناك كثيرون يبتاعونه ويحاولون استعماله لعلاج أطفالهم المصابين بالتوحد.

الباحثة سو كارتر، من جامعة إلينوي بشيكاغو، حذرت بشدة من هذا التصرف الذي قد يقود  إلى عواقب وخيمة، لأنه في معظم الحالات، تكون كمية الهرمون الموجودة في الرذاذ ضئيلة للغاية  إلى درجة أنها لا يمكن أن تكون فعالة. إضافة  إلى هذا تشير كارتر  إلى أنه ما من أحد يعرف مضاعفات استنشاق الأوكسيتوسين على المدى الطويل، أو ما الذي يحدث عندما يعطى لأطفال.

– توصلت دراسة يابانية حديثة أنجزت على حيوانات التجربة  إلى نتائج مثيرة مفادها أن لهرمون أوكسيتوسين دوراً مهماً في فقدان الوزن والتخلص من السعرات الحرارية الزائدة، وكذلك في تنظيم مستوى سكر الدم وتقليص شحوم البطن، وقد فسر العلماء هذه التأثيرات بقدرة الهرمون على ضبط عملية الأكل والتمثيل الغذائي للطاقة داخل الجسم، وذلك من دون أن يتسبب في آثار جانبية، وقد أُعلنت هذه النتائج في المؤتمر العلمي السنوي الذي عقدته الجمعية الأمريكية لأمراض الغدد الصماء في هيوستن في عام 2013. وأشار الدكتور ماجيما، أحد القائمين على الدراسة،  إلى أن النتائج كشفت عن خصائص جديدة مضادة للسمنة يتمتع بها الهرمون، ما يفتح الباب أمام تصنيع أدوية فعالة وآمنة ضد مرض العصر: السمنة.

– أفادت دراسة نشرت في المجلة الطبية (سايكوسوماتك) أجراها باحثون في جامعة نورث كارولينا الأمريكية على 38 زوجاً بأن الاحتضان (العناق) يؤدي  إلى ارتفاع مستويات هرمون الأوكسيتوسين، خصوصاً لدى الأزواج المحبين مقارنة بغيرهم من الأزواج. أيضاً سُجّل انخفاض في أرقام ضغط الدم العالي، وهذا يعني أنه يحمي من خطر الإصابة بالأمراض القلبية الوعائية. وعلى الصعيد ذاته أظهرت نتائج دراسة أجراها الباحثون في المركز الطبي في جامعة بون الألمانية، أن هرمون الأوكسيتوسين مهم جداً في استمرار الحياة الزوجية سنوات طويلة، وفي الحفاظ على مشاعر الحب بين الطرفين.

السؤال المطروح هو: هل يدفع تناول هرمون الأوكسيتوسين  إلى الحب؟

لا شك في أن هرمون الأوكسيتوسين مسؤول عن تكوين علاقة الترابط والحب والمودة بين الأم وطفلها، وبين الزوجة وزوجها، إلا أن عالم النفس ديفيد نياس يقول إن الوقوع في الحب هو مزيج ينتج من طبخة تشارك فيها عوامل عدة أحدها الأوكسيتوسين، لكن يبقى العامل الأهم هو فهم الطرف الآخر وتدليله طوال الوقت، فهذا يعزز ويقوي الحياة الزوجية أكثر. وفي كل الأحوال فإن علينا أن ندرك أن الأوكسيتوسين لا يعطي نتائج وردية دوماً، فهو يمكن أن يغيّر تفاعلاتنا الاجتماعية  إلى الأسوأ، مثلما يمكنه أن يغيرها  إلى الأفضل.

بالمختصر، هناك جوانب إيجابية لهرمون أوكسيتوسين، وهذه الجوانب تكون مضيئة عند اختيار المرضى بعناية، خصوصاً أن تأثير الهرمون يرتبط كثيراً بتوقيت إعطائه، وبنوعية الأشخاص، وبكمية الهرمون الطبيعية التي تسري في عروقهم، وإذا ما تحقق الجمع بين العلاج والمشورة الطبية، فإنه يمكن الوصول  إلى أفضل النتائج.

العدد 1105 - 01/5/2024