الحوسبة السحابية

لا بد أننا نسمع مصطلح (السحابة) كثيراً هذه الأيام، وبعدة أشكال مختلفة، كالحديث عن خدمات التخزين السحابية، والموسيقا السحابية، والتطبيقات السحابية، بل حتى أنظمة التشغيل السحابية. فما هي السحابة (بالمصطلح التقني) وما هي الحوسبة السحابية التي يتحدث عنها الجميع هذه الأيام؟ سنحاول الإجابة عن هذا السؤال بشكل مبسط.

التعريف المُبسط يقول، بأن الحوسبة السحابية هي قيامك باستخدام المصادر الحاسوبية (العتاد والبرمجيات) عن طريق الإنترنت، مقدّمة إليك بشكل خدمة.

ماذا نعني بقولنا (مُقدمة إليك بشكل خدمة)؟ هذا يعني بأنك تقوم باستخدام الخدمة، دون أن تهتم بالكيفية التي تعمل بها هذه الخدمة، -أي دون تعب- على سبيل المثال دعنا نأخذ خدمة البريد الإلكتروني من (غوغل) إن كان لديك حساب بريد إلكتروني على (جيميل) أو (ياهو) أو (هوتميل)، فأنت تُعتبر عملياً أحد مستخدمي الخدمات السحابية. لأنك تستفيد من الخدمة المقدمة لك على طبق من ذهب، دون أن تكترث لما خلف هذه الخدمة من آلاف التوصيلات والبرمجيات والمهندسين الذين يتأكدون من أن كل هذا العتاد يعمل بالشكل الصحيح. بالمقابل، فلو كنت تستخدم تطبيق أوتلوك لاستقبال البريد الإلكتروني على سطح المكتب في أنظمة ويندوز، فأنت المسؤول عن الاهتمام برسائلك التي سيتم تخزينها على قرصك الصلب، وأنت المسؤول عن عمل نسخة احتياطية منها خوفاً من ضياعها، وبالتالي فتطبيق Outlook  هو تطبيق، بينما Gmail  هو خدمة، وبشكل أدق، خدمة سحابية تقف خلفها الكثير من التفاصيل.

ظهور الحوسبة السحابية

ظهرت الحوسبة السحابية بصورة فعلية في عام 1999 حين بدأت شركة سيلزفورس في استخدام موقعها على الإنترنت في تقديم الطلبات إلكترونياً، وفي عام 2002 أطلقت شركة أمازون المشهورة سحابتها الأولى، وأسمتها سحابة (خدمات ويب أمازون)، وكانت تحوي مجموعة من الخدمات المستندة إلى السحابة. وفي عام 2006 أطلقت أيضاً شركة أمازون سحابتها الثانية وأسمتهاAC2) ) خدمة تجارية على شبكة الإنترنت. أما في عام 2009 فقد ظهرت السحابة الأشهر وهي سحابة (غوغل) التي أوجدت تطبيقات مستندة إلى المستعرض. وفي وقتنا الحاضر أضحى مفهوم الحوسبة السحابية شائعاً، وتتسابق الحكومات والشركات على تطبيقها

بعض الأمثلة عن الخدمات السحابية

الأمثلة التالية هي أمثلة قليلة جداً من بين مئات الآلاف من التطبيقات والخدمات السحابية المتوفرة:

– خدمات البريد الالكتروني، مثل: هوتميل وياهو وجيميل.

– خدمات التخزين السحابية مثل: سكاي درايف ودروب بوكس وغوغل درايف.

– خدمات الموسيقا السحابية، مثل: آيتونز وآي كلاود، وخدمة أمازون السحابية للموسيقا، وخدمة غوغل للموسيقا.

– التطبيقات السحابية، مثل: فوتوشوب إكسبريس، وغوغل دوكس.

– أنظمة التشغيل السحابية، مثل: غوغل كروم أوإس، و جولي كلاود.

فوائد الحوسبة السحابية مقارنةً بالحوسبة التقليدية

– الحوسبة السحابية تسمح لك بالوصول إلى جميع تطبيقاتك وخدماتك من أي مكان وأي زمان عبر الإنترنت، لأن المعلومات ليست مخزنة على قرصك الصلب بل على خادم الشركة المُقدمة للخدمة.

– تخفيض التكاليف على الشركات، إذ لم يعد من الضروري شراء أسرع أجهزة الكمبيوتر أو أفضلها من حيث الذاكرة أو أعلاها من حيث مساحة القرص الصلب، بل يمكن لأي جهاز كمبيوتر عادي وباستخدام أي متصفح للويب الوصول إلى الخدمات السحابية التي تستخدمها الشركة كتحرير المستندات، أو تخزين ملفات، أو تحرير صور، …إلخ. كما لم يعد على الشركات شراء التجهيزات مثلاً الخادمات الباهظة الثمن لتقديم خدمة البريد الالكتروني لموظفيها، أو الوحدات التخزينية الضخمة لعمل النسخ الاحتياطية لبيانات ومعلومات الشركة.

– ضمان عمل الخدمة بشكل دائم، إذ تلتزم الشركة المقدمة لخدمة التخزين السحابية بالتأكد من أن الخدمة تعمل على مدار الساعة بأفضل شكل ممكن. فعندما تستخدم أحد خدمات التخزين السحابية فإن معلوماتك مخزنة على أكثر من مخدم واحد لضمان عدم فقدانها، كما أن الشركة المُقدمة للخدمة تلتزم بإصلاح أية أعطال طارئة بأسرع وقت ممكن. وهذا يوفر عليك الكثير من الوقت والتكلفة كمستخدم أو صاحب شركة يتولى مسؤولية إدارة تجهيزاته وبرمجياته الخاصة.

– الاستفادة من البُنى التحتية الضخمة التي تقدمها الخدمات السحابية للقيام بالاختبارات والتجارب العلمية.

مساوئ الحوسبة السحابية

– بشكل بديهي، تحتاج التطبيقات السحابية إلى اتصال بالإنترنت، إذ سيؤثر انقطاعك عن الإنترنت على تمكنك من تأدية عملك، لكن الشركات بدأت تتدارك هذا، وبفضل بعض تقنيات HTM 5 و(جافا سكربت) الحديثة بات بالإمكان بناء تطبيقات ويب يمكن أن تعمل دون اتصال بالإنترنت، ثم القيام بالمزامنة لدى عودة الاتصال، لكن ما زلنا بحاجة إلى المزيد من الوقت كي تتطور هذه التطبيقات والتقنيات بشكل أكبر.

– مخاوف أمنية: يخشى البعض من وضع كل معلوماته وملفاته لدى الشركات المُقدمة للخدمات السحابية، فلو تعرضت الخدمة لعملية اختراق ناجحة، قد يتمكن المخترق من الحصول على معلومات المستخدمين، كما لو لجأت الشركة إلى بيع معلوماتك أو الاستفادة منها بشكل أو بآخر فسيكون هذا مشكلة حقيقية. الضمان الوحيد لك هو اللجوء إلى الشركات الكبيرة ذات الموثوقية العالية والسمعة الجيدة في هذا المجال، ويبقى موضوع وثوقية الشركات التي تُقدم خدمات الحوسبة السحابية موضوعاً مثيراً للجدل.

– معظم التطبيقات السحابية لم تصل بعد إلى مستوى تطبيقات سطح المكتب التقليدية، حتى الآن لم تصل تطبيقات تحرير الصور عبر الويب إلى مستويات تضاهي مثلاً تطبيق فوتوشوب التقليدي، ولم تصل تطبيقات تحرير المستندات عبر الويب إلى مستوى مايكروسوفت أوفيس، لكنها تقترب من هذا تدريجياً.

مستقبل الحوسبة السحابية

المستقبل للحوسبة السحابية بكل تأكيد. ربما ليس بعد عام، ولا عامين، ولا خمسة أو حتى عشرة. لكننا سنصل إلى النقطة التي ستتحول فيها جميع أنظمة التشغيل إلى أنظمة سحابية مشابهة لنظام غوغل كروم أو إس. غوغل بدأت في هذا الخط مبكرة، وستتبعها بقية الشركات، وهذه ليست نبوءة لكن استقراء للواقع. ستتحول جميع أنظمة التشغيل إلى أنظمة تعتمد على السحابة بشكل كامل أو شبه كامل. ستصل إلى مرحلة تسمح لك بتشغيل جميع تطبيقاتك عبر الويب، وحتى أضخم الألعاب. فتقنيات الحوسبة السحابية تتطور بسرعة، وتطبيقات الويب تتطور بسرعة، وسرعات الإنترنت تتحسن بسرعة. وقريباً سيُصبح الاعتماد على الحوسبة السحابية كبيراً، وربما في وقت أقرب مما نتصور.

العدد 1105 - 01/5/2024