السياسة الأمريكية من بوش الابن إلى أوباما.. سورية في عين العاصفة

اتخذ الرئيس الأمريكي بوش الابن من الحرب الاستباقية وسيلة عندما يرى أن المصالح الأمريكية تتعرض للخطر، لذلك فإنه تعامل مع هذه المصالح استناداً إلى ما قدمته له دوائر صنع القرار في الولايات المتحدة التي رسمت خرائط التقسيم، وإعادة تشكيل المنطقة من جديد بعد سايكس بيكو كمشروع ومضاد لمشروع وحدة الدول العربية، وطرحت شعارات الشرق الأوسط الجديد والكبير، والهلال الشيعي، والفوضى الخلاقة، وبدلت صفة الأعداء من الخطر الشيوعي إلى محور دول الشر المتمثل بإيران وسورية وحزب الله، وشرع بغزو أفغانستان والعراق بعد أحداث الحادي عشر من أيلول. وجاءت بعد ذلك رسالة وزير الخارجية كولن باول بعد سقوط بغداد إلى سورية ونقاطها الثماني التي طلب من سورية تنفيذها، وقد قابلتها القيادة السورية بالرفض القاطع، وتلاحقت الأحداث وإصدار القرار 1559 عن مجلس الأمن لإخراج القوات السورية من لبنان، والعدوان على لبنان في تموز 2006 وثم على غزة 2008-2009 لاحقاً، كل ذلك من أجل ثني سورية عن موقفها المبني على مفهوم السيادة ورفض الإملاءات والقرار الوطني المستقل، والموقف من القضية الفلسطينية، والعدو الصهيوني.

ولم تختلف سياسة الرئيس الأمريكي أوباما عن سياسة سابقية تجاه الشرق الأوسط، من حيث الجوهر، ولكنها تختلف فقط من حيث شكل التنفيذ بسبب الظروف والمتغيرات الدولية التي طرأت، وثورة الاتصالات التي جعلت العالم قرية واحدة، ولم يعد فيها ما يمكن إخفاؤه، وكان على أوباما ان يلحظ ذلك، وأن يحمي المصالح الامريكية وفق الظروف الحاملة لشعارات حقوق الإنسان، والديمقراطية، والحرية، ووفق المقاسات الأمريكية والغربية لهذه الشعارات، لذلك يقف أوباما إلى جانب الجماعات المعارضة داخل بلدانها، وخاصة في الشرق الأوسط، غير عابئ بمبدأ سيادة الدول، وسيادة القانون الدولي، وذلك عن طريق تقديم المساعدات المالية والعسكرية والإعلامية وغيرها، عندما تتعرض هذه المعارضات لضغوط من حكوماتها التي تتعارض سياستها مع المصالح الأمريكية ولا تخدمها. ووجدت هذه السياسة هدفها في منطقة الشرق الأوسط، وفي الدول التي ابتليت بما يسمى بـ (الربيع العربي)، ورفعت فيها شعارات الحرية والديمقراطية والكرامة الإنسانية، وجرى اختطافها والقفز من فوقها، وخاصة بعد سقوط زين العابدين في تونس، ومبارك في مصر، والتدخل العسكري المباشر في ليبيا، والسعي لتنفيذ نقاط الوزير بأول الثماني في سورية، من أجل فك التحالف السوري الإيراني وحزب الله.

كانت البوصلة قد اتجهت نحو سورية بعد فشل الرياح الصفراء والمواعيد المتلاحقة لإسقاط النظام، ليتاح لأمريكا السيطرة على الشرق الأوسط، وتمكين المعارضة المصنعة في الخارج، والتي دفعت فواتير فنادقها من الاعترافات التي قدمتها بعض رموزها وقياداتها سلفاً بإقامة الصلح مع إسرائيل، والوقوف في وجه روسيا وإخراجها من المنطقة.

واستعانت أمريكا لتنفيذ هذا المخطط لضرب سورية وتدميرها، بالأدوات نفسها التي استعملت عام 1957 أثناء محاولة تنفيذ مبدأ إيزنهاور، وسخرت لذلك كلاً من تركيا وبريطانيا وفرنسا، كما عملت على تسخير كل من السعودية وقطر عن طريق الجامعة العربية، ودفعها إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة للتضييق على سورية وإخراجها من الجامعة العربية، وسحب السفراء العرب منها، واتخاذ كل ما يلزم لإدانتها، وتحميلها كل المآسي التي تجري فيها، وحمل ملفها إلى مجلس الأمن لاتخاذ القرار الذي يبرر التدخل الخارجي، وكان لإسرائيل دور فاعل وواضح في هذه الحرب.

ولم تبخل هذه الدول على المعارضة بتقديم كل أشكال الدعم المادي والمعنوي والعسكري وتجنيد المرتزقة من كل أصقاع الأرض للحرب على سورية. ولم تألُ فرنسا وبريطانيا جهداً في تنظيم المؤتمرات الدولية المتلاحقة والمتواترة التي وصل عدد المشاركين فيها أحياناً إلى 120 دولة. واتخذت فيها قرارات المقاطعة والحصار الاقتصادي. كل ذلك من أجل تحقيق الأهداف التي سعت إليها الولايات المتحدة على مدى العقود الستة الماضية.

كل هذه الأهداف والأدوات لم تختلف كثيراً بين السعي لتنفيذ مبدأ إيزنهاور بالأمس، وسياسة أوباما تجاه مايجري في سورية اليوم.

ولم يختلف أيضاً الموقف الدولي الذي وقفته الدول الصديقة، وعلى رأسها روسيا والصين باستخدام حق النقض لمرات عدة، لمنع اتخاذ أي قرار دولي يسمح بالتدخل الخارجي ويمس بالسيادة السورية اليوم، عن الموقف الذي اتخذه الاتحاد السوفييتي عام 1957 بمواجهة مبدأ إيزنهاور، وكأن التاريخ يعيد نفسه.

وبعد مرور ثلاث سنوات ونصف على العدوان الحاصل على سورية، نرى أن الوضع الدولي بدأت ملامحه تتغير لصالحها باتجاه الحد من هذه المؤامرة الكونية الكبيرة التي لم تتعرض لها أي دولة في العالم تحت شعارات ومسميات ليس لها ما يبررها، وذلك بفضل اعتماد سورية على نفسها، ويفضل صمود شعبها وجيشها الباسل، وموقف قيادتها برفض الرضوخ لمطالب خصومها، ومساعدة أصدقائها في العالم متمثلة بالدعم الروسي والصيني والإيراني والعديد من دول العالم.

ومثلما انتهت أزمة عام 1957 سوف تنتهي هذه الحرب الظالمة التي تتعرض لها سورية اليوم، وستبقى سورية ثابتة على مواقفها الوطنية والقومية، وقضيتها المركزية فلسطين، مستندة إلى مبدأ سيادة الدول وحقها في الدفاع عن نفسها، والحفاظ على قرارها الوطني المستقل، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، ومبادئ القانون الدولي، وشرعة الأمم المتحدة، والنصر دائماً للشعوب.

العدد 1105 - 01/5/2024