هل تنشئة أطفال إيجابيين أمر بسيط بعد العنف الذي عشناه في مجتمعاتنا؟!

السّؤال الّذي يجب أن نسأله لأنفسنا كيف سنربي أولادنا بطريقة إيجابية وسط المتغيرات الّتي يعيشونها؟! فإذا نظرنا إلى التّجارب الّتي يمرّ بها التّلاميذ والأطفال اليوم في الشّارع السّوريّ نجدها هي كالتّالي: سرقة، قتل، اغتصاب، تعاطي الأدوية المخدرة، الحريق المتعمد، تفجير القنابل، تعاطي الكحول، تخريب الممتلكات العامّة والخاصّة والابتزاز. ولأنّ الكثير من هذه التّجارب هي جرائم، فليس هناك الكثير لإضافته سوى أن نقول إنّ الأوقات والأحوال قد تغيّرت تغيراً جذرياً، وكلّ من يدعي أنّ هذه التّغيّرات جيّدة نقول له ببساطة إنّه لا يفكّر، ولأنّه يحتمل أن يواجه ابنك مثل هذه المشاكل في المدرسة وفي بنية المجتمع ككل، فمن الواضح أنّ مهمتك مع طفلك داخل المنزل أو داخل المدرسة الّتي قد التجأت إليها تزداد صعوبةً وأهميةً، إذاً ما هي الحلول المطلوبة؟!

لتنشئة أطفال إيجابيين علينا نحن الآباء والمربين أن نحدّد الخصائص اللازمة للنجاح، ثُمّ نُقنع أولادنا بأنّهم يمتلكون فعلاً إمكانات النّجاح، ونعرّفهم كيف يُعلنون عن  حقهم في الحياة. إنّه نظام ضخم ولكنّه جيّد، ومن الضروري أن نعترف نحن الآباء والمربين بأنّ المسؤولية الكبيرة تقع علينا في وصول أولادنا وشبابنا إلى هذه المرحلة من الإجرام، فالاستخفاف بالطّفل وانتهاكه وهجره وانتهاج معايير أخلاقية منخفضة هي الّتي حرفت أولادنا عن الطّريق الصّحيح.

ماذا نفعل إذا تعرض طفل من أطفالنا إلى الانتهاك والتّحرش؟ كيف نتحدّث معهم؟  علينا التّعامل معهم بهدوء والتّكلم بصوت حيادي وبتعبيرات مألوفة، والابتعاد عن الغضب والسّخط. فالطّفل الصّغير يحسّ برعب بالغ من ردة فعل الآباء والمربين، مما يجعله يصمت ولا يتكلم في الموضوع مرة أخرى، لأنّ الأطفال عموماً حساسون لما نُظهره من عواطف.

لطمأنة الطّفل يمكن أن نقول له: هذا الشّخص قد خدعك وكذب عليك، بالطّبع أنت خائف. وعلينا العمل على إعادة بناء صورة الطّفل الذّاتية، فكلما حصل على شعور إيجابي تمكن من التّغلب على ما حدث معه. لذلك علينا الابتعاد عن التّحقير والانتهاك والبحث عن العيوب، فهذه القوى هي من القوى المدمرة، ومن منظور واحد هي تصدر من روح ناقدة، مؤذية وسلبية، جميعها مرتبط معاً، لكنّي توصلت إلى قناعة أنّ السّبب الرّئيسي الأوّل عن انطباع صورة سيئة لنفسية البالغين والأطفال هو غياب الحبّ الأبوي غير المشروط، هذا العنصر الحيوي يسبق بمراحل قبول الذّات.

الحبّ غير المشروط هو الحبّ المرتبط بأداء مُعيّن إذا ساء هذا الأداء، فالمؤشر الواضح هو انتفاء الحبّ، إذا شعر الابن أنّ الأبوين يُحبّان العمل الجيّد فقط والأداء المتميّز، فهو بالتّالي لن يحبّ نفسه. من الطّبيعي حينذاك، إذا انتفى حبّه لنفسه أو تقديره لذاته، فمن الّذي سوف يحبّه؟ إنّها الخطوة الصّغيرة المؤدية للشعور بأنّه خالي القيمة، إنّه لا أحد، لذلك سيذهب كي يصبح شخصاً ما مهماً مع مجموعة من المنحرفين، لكي يشعر بأنّه مقبول.

يبلغ إياد من العمر 14 سنة، عبّر عن انتسابه إلى إحدى العصابات بالتّالي: كل الظّروف ضدي، والكلّ يعيش في أحسن الأحوال، ومادمت لا أحد، فأنا لا أستحق أيّ شيء جيّد، لذا لماذا لا أُمتع نفسي، أملأُ معدتي بالطّعام، أشعر بالسّعادة وأنا أتعاطى المخدرات، والكحوليات، أفعل كلّ ما ينصحني به أصدقائي لأصبح عضواً في العصابة، أنا لا أحبّ نفسي كما هي، لذا ليس لديّ شيء أخسره.

هؤلاء الأولاد الّذين لديهم انطباع سيئ عن أنفسهم، يصعب عليهم إدراك شعور الآخرين بأنّهم ليسوا بهذا السّوء، الانطباع السّيئ يُشعل صراعاً داخلياً في أنفسهم يؤدي في النّهاية إلى إيذاء علاقاتهم الشّخصية مع الآخرين، وهذا يخلق صورة ذهنية ثابتة للتدمير الذاتي.

حاولتُ أن أوضحَ بعض الخصائص الّتي يعانيها الأولاد الّذين لم ينالوا قسطاً وافراً من الحبّ غير المشروط. والآن سوف أعرض عليكم بعض الخطوات الّتي أكّد الاختصاصيون والخبراء بأنّها مفيدة في رفع تقدير الأولاد لذاتهم.

1. علينا ألاّ نفاخر بنتائج التّحصيل العلمي عندما كُنّا في المدرسة، فجميع الآباء كان سلوكهم ممتازاً، وكانت درجاتهم 10 من ،10 وهذا يصيب الأولاد بالإحباط، إذا لم نراع نمطهم بالتّعلم.

2. يجب أن نعلّم أولادنا ونذكّرهم بأنّه لا أحد يستطيع أن يجعلهم يشعرون بقلّة شأنهم دون أن يسمحوا هم أنفسهم بذلك، وأن يعلموا بأن من لا يُخطئ أبداً ليس سوى اللّه سبحانه وتعالى وحده.

3. مادام الحاكمون على شخصيتك هم الآخرين، ودائماً يتابعونك بنظراتهم، لذا فمهمة الآباء والمربين أن يعلّموا أولادهم كيف يتواصلون، لأنّ هذا مفيد في كلّ جوانب الحياة. مثلاً إذا تقابل ابنك مع آخر فعلّمه أن يقول له بكلّ أدب (شيء طيب أن أقابلك)، وأن يناديه بعد ذلك باسمه الأوّل مع حفظ الألقاب. إذا تعلّم أولادنا كيف ينادون الشّخص باسمه المجرد فسوف ينقل إليهم أنّ اسم الشّخص أمر مهم، وهذا يجعلهم مقبولين اجتماعيّاً ويسهّل عليهم اكتساب الصّداقات. وعندما ينتهي الحوار علّمه أن يقول (شيء جميل مقابلتك، أو، فرصة سعيدة)، ثُمّ يكرر اسم الشّخص. ينبغي أيضاً تعريفهم كيف يقولون (من فضلك)، (أشكرك)، وكيف يصافحون الآخرين. كما ينبغي أن توضح لابنك أنّ له شخصية متميّزة، وله قيمة كبيرة عندما تُقدمه إلى الآخرين، هذا هام للغاية، فعندما يبلغ الطّفل سن السّادسة أو السّابعة من العمر من المهم أن تقدمه (هذا هو ابني، أو هذه هي ابنتي) بنبرة تدلّ على الحبّ والفخر.

4. اختر لأبنائك أعمالاً أو مهام يقومون بتأديتها داخل المنزل، لكن يجب أن يكون لها بداية ونهاية، إنّ استكمال أيّ عمل له شأن كبير في تحسين صورة الإنسان لنفسه، يُمكنك المساعدة في تأكيد انتهاء المهمة على أحسن وجه، وذلك بتخطيط العمل ليمكن إنجازه في زمن معقول.

5. شجع أولادك أن يحسنوا اختيار أصدقائهم، وضح لهم بأنّهم إذا اختلطوا بالطّموحين ذوي الأخلاق الجيّدة الّذين يملكون نظرة متفائلة للحياة، فإنّ الفوائد ستكون عديدة.

6. وينبغي أن تؤكّد لابنك كيف يصبح أميناً، مؤدباً، مرحاً، مخلصاً، متحمساً، وأنّ في قدرته امتلاك أيّ صفة أخرى من مئات الصّفات الإيجابية. إذا ما اتبعنا هذه الخطوات آباء ومربين فسنخفف من نسبة العنف الّذي تفشى بين أولادنا، فهم بحاجة إلى الحبّ غير المشروط، وإلى الإصغاء الصّادق لهم الخالي من التّأنيب، وإنما التّوجيه النّابع من القلب، فلكي ننهض بمجتمعنا من جديد وننطلق، علينا أن نغير الأسس التّربوية الّتي تربينا عليها وربينا أولادنا عليها، ونطبق استراتيجيات جديدة كي لا نكرر أخطاء الماضي.

العدد 1105 - 01/5/2024