أمام عرش الجمال

الحفلة الأخيرة التي قدمتها الفرقة السيمفونية الوطنية بدار الأوبرا تضمنت أعمالاً أوركسترالية هامة لموتزارت وهاندل وغيرهم، وقُدّم بعضها بمصاحبة آلة الأورغن التي تنفرد صالة أوبرا دمشق من بين جميع مسارح العالم بامتلاك تقنية نقلها وتحريكها باستخدام الوسادة الهوائية، وتطمح مدينة دمشق بامتلاك جمهور مثل الجمهور الذي يرتاد الأوبرا في الدول المتحضرة.

عشر سنوات تقريباً مرت على تأسيس دار الأوبرا بدمشق، كانت في بدايتها حكراً على نخبة من الفنانين والذواقة، وهي الآن تستقطب أعداداً متزايدة من الشباب في دمشق ، وهذه ظاهرة إيجابية عموماً، لكن الأمر لا يخلو من المنغصات التي تعكر صفو حفلات الدار. فرغم أن أمتاراً قليلة تفصل بين منصة العرض والجمهور إلا أنه يوجد وادٍ سحيق يفصل بين المتلقي وما يعرض أمامه ، وهنا لن نتحدث عن التذوق الفني والخلفية الثقافية للمتلقي، فقد أنهكت الأقلام وهي تتكلم عن هذا الأمر وعن دور المؤسسات التعليمية والثقافية بهذا الخصوص، بل نتحدث هنا عن عدم إدراك الجمهور للمستوى الحضاري الرفيع الذي يقدم على المنصة، وعن ضرورة الارتقاء إلى مستواه واحترامه ومراعاة آداب حضور الحفلات الموسيقية الراقية في دور الأوبرا.

فقبل بداية العرض يضطر الفنانون للانتظار حتى يكتمل عقد الحضورالذين كتب خلف البطاقات التي اشتروها أن الأبواب تغلق (حتماً) قبل بداية العرض بعشر دقائق، لكن هذه ال (حتماً) تضطر للتواري بعد أن ترى العدد الضئيل الموجود في الصالة قبل هذه الدقائق العشر، وقبيل بداية العرض يتم (تذكير) الموجودين بضرورة إغلاق الهواتف النقالة وبعدم جواز التصوير ، لكن يبدو أنه من الضروري تذكيرهم أيضاً بأن تبادل الآراء حول المعزوفات يفضل أن يكون بعد الحفلة لا في منتصف المعزوفة، لأن هذا الأمر من شأنه التشويش على الآخرين المندمجين بالعرض، وأن إغلاق أجهزة الهاتف يتضمن أيضاً عدم الرد عليها ولو حتى بصوت منخفض، وكذلك عدم مغادرة الصالة لإكمال المكالمة ! وهناك كذلك ظاهرة سيئة جداً تحصل من فترة لأخرى وبدرجات متفاوتة وتتمثل بمغادرة الصالة في منتصف العرض بسبب الملل، أو لأن ما يعرض لم يتوافق مع ما يتوقعه المستمع أو المشاهد. وتبدأ هذه الأمور عادة بخروج شخص أو شخصين ثم يتشجع البقية ويتبعونهم زرافات ووحداناً، وهذه الظاهرة للأمانة تحصل في المسارح العادية مثل مسرح الحمراء والقباني أكثر من حصولها في دار الأوبرا.

و أخيراً هناك طرق للتعبير عن الإعجاب بالمادة التي تم تقديمها غير الصفير والهتاف، فقمة الإعجاب يتم التعبير عنه عادة عن طريق الوقوف احتراماً والاستمرار بالتصفيق، وكذلك من غير الضروري مناداة العازفين أو الممثلين بأسمائهم كأن يقال (برافو فلان) بصوت جهوري، فهذا الأمر لن يقدم شيئاً لهذا (الفلان) سوى إحراجه والنزول بمستوى العمل المقدم. تلك العادات التي ذكرنا ليست من شيم الجمهور الراقي الذواقة الذي يرتاد صالات الأوبرا باستمرار، وينظر إليه كممثل للنخبة المثقفة، فهي تشوش على مشاعر الفخر بالفنانين السوريين وبالسوية الفنية العالية التي يقدمونها باستمرار، فتكدرها وتكشف عمق الهوة بين الفن والمتلقي ، فأقل ما يمكن تقديمه للعمل الجميل هو متابعة جميلة ورد فعل جميل.

العدد 1105 - 01/5/2024