أقوال.. وأفعال..

ما أرخص الأقوال إذا لم تقترن بالفعل الطّيب والعمل الصالح، وما أدناه إذا كانت تلمع ولا تنفع، تحرق ولا تُنير، تهدم ولا تبني.

 إن الكلمة سلاح، زنادها العمل، وخنجر قبضته اليد، فإما أن تذبح أو تُذبح. ومن روعة الكلام وجماله وقوته وعجائبه، أنه يقتل أحياناً دون أن نرى دماء المقتول، وقد يكون فعله في القلوب والأرواح أقسى من فعل السّم في الدّم ومفعول الرصاص في العظم واللحم.

 وما أروع ذاك الذي (يريد أن يرتفع بكلمته دون أن يدوس مَن هم دونه، أو يحسد مَن هم فوقه.. فليس المهم أن نُكافأ على أعمالنا في الحياة، إنما المهم أن نستطيع القول عندما نترك الحياة:

لقد عَمِلنا ما استطعنا عمله لخدمة الإنسانية)!

و ما أشبه الناس بالبحار والمحيطات والمستنقعات ومجاري الأنهار.. يتشابهون في المظهر والسّطوح، وجوههم ملساء وجلودهم ناعمة، لكن الباطن يختلف ويتنوّع..  فمنهم من يختزن في أعماقه الكنوز والمرجان، ومنهم من تكون أحشاؤهم مُتعفّنة بالجثث والأعشاب السّامة، والطّحالب المتسّلقة والمياه الآسنة. وهنا يأتي دور الكلمة والعمل…

 وكأن الإنسان غرفة مظلمة لا ترى ما بداخله إلا بنور الكلمة ووهج العمل، فإذا ما تكلّم، إمّا أن يرفعه كلامه أو يُنزله، وإذا عمل، فإمّا أن يكون عمله مثمراً، فيحصد حصاداً طيّباً، أو يكون عمله عاقاً وعلقماً، وعائقاً وحاجزاً أمام نفسه، وأمام الآخرين.

 (إن ثرثرة المرء مرآة أفكاره، وإن الكلام المنطوق به في أوانه تفاح من ذهب في سلاسل من فضة. فلا تتأخروا عن كلمة الحق بحجّة أنها لا تُسمع، فما من بذرة طيبة إلا ولها أرض خصبة، وما من مصيبة إلا ولها منقذ ). كثيرٌ من الناس كالأسماك تموت إذا أَغلقت أفواهها، وقليل منهم كالذئاب والصقور، لهم هيبة ووقار حتى لو لم يتكلّموا.

ففي صمتهم رهبة الزلزال وانتظار العاصفة، وفي عملهم التماع النجوم ووهج النار وعطاء الشجر. وإذا تكلّموا، كان كلامهم حكمة، له رقّة الأزهار وأريج الياسمين، وأنس النار ودفؤها، ورذاذ الماء وسقوط المطر.(وكثيرٌ من البشر كالنّبات.. البعض ينمو مع الزمن، والبعض يفسد)، وما أكثر أولئك الذين يتكلّمون بعكس ما يُضمرون، ويتهامسون بخلاف ما يفكّرون!.  والعاقل (لا يدع كلمته تخرج من فمه قبل أن يستشير عقله، فإنّه خيرٌ للرجل أن يعثر من قلبه، من أن يعثر بلسانه!).

  ولا تَخرجنّ من أفواهكم أيّة كلمة سوء، بل كل كلمة صالحة تفيد البُنيان عند الحاجة، وتكون خيراً للسّامعين.

العدد 1105 - 01/5/2024