الصَفعة

لقد صدرت لي مجموعة قصصية بعنوان (الصفعة) عام 1999. ويتابع المواطنون الذين يتلقون على مدار الساعة الصفعات الموجعات والصور التذكارية دون أن يكشفوا عن الأمكنة السرية .وقد ترسخت في أذهان الناس وعادت بقوة منذ أيام، وارتفعت أسهمها حين صفع (الجربا) لؤي المقداد. وأحدثت هذه الصفعة دوياً وصخباً في الصحافة وتناقلتها المواقع الالكترونية. ويقال إن المقداد استعان بزمرته التي انهالت بالأحذية على الجربا، لكن أصدقاءه الميامين منعوه من استدعاء الشرطة التركية.

وأمام ما يجري من صفع ولطم، بدأت أبحث عن المعنى الحرفي لكلمة (الصفعة) في القواميس… وجاء في المعجم المدرسي: صفع: صفعه – صَفعاً: ضرب قفاه بِجمع كفِّه أو بكفّه مبسوطة.

وفي تاج العروس: صفعه كمنعه يصفعه صفعاً: ضرب قفاه بجمع كفّه لا شديداً، أي ضرباً ليس بالشديد، أو أن يبسط الرجل كفّه فيضرب بها قفا الإنسان أو بدنه!

ومن يتابع اجتماعات معظم البرلمانات العربية التي اشتهرت بحوار الصفعات، كما في (لبنان واليمن والكويت ومصر.. وغيرها)، يرى أن (ثقافة الصفع) تعبِّر عن ثقافة (الاستبداد والديكتاتورية). وإن تعددت تسمياتها فالصفع واحد. وتسمى مثلاً في اليمن ب (الملطام).

هناك صفعتان تحملان دلالتين متناقضتين. الأولى حدثت في القرن السادس عشر في إحدى القرى الألمانية، وهي أشهر صفعة في التاريخ. كان هناك طفل اسمه (جاوس) وهو تلميذ خارق الذكاء . وكان سبّاَقاً في الإجابة عن أسئلة أستاذ الرياضيات. وقد أجاب عن سؤال صعب جداً هو: أوجد ناتج جمع الأعداد من 1 إلى 100؟. وقد أجاب جاوس بصوت منفعل 5050 . فصفعه المدرّس على وجهه. وعندما سأله : كيف حصلت على الجواب؟ قال جاوس: لقد اكتشفت أن هناك علاقة بين 99 و 1 مجموعها 100 ، وأيضاً 98 و 2 تساوي 100 ، و97 و 3 تساوي .100. وهكذا إلى 51 و 49 .. وأصبح كارل فريدريك جاوس عالماً كبيراً في الرياضيات..!

هناك إذاً مفارقة بين صفعة المدرس وصفعة الجربا، وزمناً يزيد على أربعة قرون ونيّف حدثت خلاله ملايين الصفعات.ومنها على سبيل المثال، أن زوجة سعودية تقدَّمت بشكوى إلى محكمة بلدة (صفوى) ضد زوجها لأنه صفعها، فحكم عليه بالسجن عشرة أيام وبثلاثين جلدة.. السؤال: كيف حصل هذا في مملكة لا تعطي المرأة حق قيادة السيارة؟ وعلى كل حال هذا تقدُّم، نتمنى أن يتطور أكثر وأن تنال المرأة السعودية حقوقها المشروعة كاملة.

ويروي المحامي المغربي محمد زيان، كيف أن أول رئيس موريتاني كان لا يتحرّج من الاعتراف بمغربية موريتانيا، حتى إن ذلك كلفه خصومة مع الجزائر التي لم تستسغ أن تستمر موريتانيا في حضن المغرب. وعن ذلك قال زيان: إن هواري بومدين ذات مرة قام بصفع المختار ولد دادا، لأنه أقرَّ بأن موريتانيا مغربية أساساً. وقال أيضاً، إنه سيرافق الوفد المغربي الى مدريد ليوقع اتفاقية مدريد..!

وهناك صفعات سياسية تحدث كل ساعة، كما في تعليق حركة شباب 6 أبريل (الجبهة الديمقراطية) على قرار إخلاء سبيل الرئيس مبارك، فكان صدمة للثوار والشعب المصري وانتكاسة وصفعة على وجه الثورة!وأن المتابع للصفعات يدرك أن صدى الصفعة العملية على (القفا والخدّين) أقوى بكثير من الصفعة النظرية (على الهوا مباشرة). وأحياناً تتساوى القوة في كفّتي ميزان الصفعتين (النظرية والعملية)،كالصفعة الدبلوماسيةلرئيسة البرازيل (ديلما روسيف) التي وجهتها إلى واشنطن، بعدما رفضت لقاء باراك أوباما! أما تأثير الصفعات التي يتلقاها المواطن كل يوم من تجار الأزمات ومن حيتان الاحتكارات ، ومن الذين يتاجرون بقوت المواطن من الفاسدين والمفسدين فصفعاتهم أشدّ إيلاماً وتأثيراً، فهي تؤذي المعد والقلوب والنفوس وكرامة المواطن وتزيد إذلاله..!

وتعبّر صفعة (الجربا) عن مدى عمق الحوار ودور الصفعة في تذليل الصعاب، وهي في النتيجة سلاح المهزومين.. وسيظل المقداد (اليوم وغداً) يتلمَّس خدّه كلما (ائتلف) في اسطنبول ويظهر على الشاشات يبخّ السموم… وسيتذكر هذه (الوَحمة) إلى يوم الرحيل..!

أخيراً.. صفعت مصر الولايات المتحدة، بعقد صفقة أسلحة تقدر قيمتها بملياري دولار، ووصول الطرَّاد الصاروخي الروسي (فارياغ) إلى ميناء الإسكندرية..!

العدد 1105 - 01/5/2024