تعزيز العلاقة بين القطاعين العام والخاص «المنتج»

حظي موضوع التشاركية بين القطاعين العام والخاص المنتج باهتمام الفريق الاقتصادي والمجتمع السوري، خاصة بعد أن تجلى ارتباطهما الوثيق وعلاقاتهما في الاقتصاد، ولكن جدلاً كثيراً نشأ حول دور كل من القطاعين، كانت نتيجته حدوث تذبذبات في مساهمة كلا القطاعين في الناتج المحلي نتيجة اختلاف الأهداف والتوجه والرؤى لدى المسؤولين، وهو ما أدى إلى عدم توازن في القطاعات الانتاجية والتنموية طيلة العقود الماضية، كما أن الموضوع تجلى في مرحلة التحول من النهج الاشتراكي إلى اقتصاد السوق الاجتماعي عن طريق زيادة الاعتماد على قوى السوق وتوسيع دور القطاع الخاص.

لقد لعب القطاع العام دوراً كبيراً في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي في تأمين احتياجات السوق المحلية من مختلف السلع على الرغم من الفساد الكبير الذي استشرى في العديد من مفاصله وكان له دور كبير في خسارة عدد من شركات، وهو ما استغله مهندسو اقتصادنا في العقد الماضي أثناء سعيهم إلى تهميش هذا القطاع الذي لعب دوراً كبيراً في إعمار سورية، فعملوا على تقليص مساهمته وتحويل الكثير من فعالياته إلى شركات خاسرة، على حساب تفعيل دور القطاع الخاص والاستثمارات الأجنبية وكأنه كان يوجد توجّه مبطن بذلك، فعلى الرغم من القرارات الكثيرة التي أقرت، ولكن التطبيق على أرض الواقع جاء مغايراً لذلك، وجاء لصالح الرأسمال الذي توجه للقطاعات الريعية والخدمية سعياً للربح على حساب القطاعات المنتجة، فمثلاً حقق القطاع الخدمي نمواً مضطرداً خلال السنوات الأخيرة، إذ بلغت مساهمته في تكوين الناتج المحلي الإجمالي لعام 2004 نحو 55% بعد أن كانت 45% عام 2000 وقد تحققت هذه الزيادة على حساب القطاع الصناعي الذي تراجعت مساهمته في تكوين الناتج من 30% عام 2000 إلى 20% في عام 2004 بينما حافظ القطاع الزراعي على مساهمته في الناتج بنسبة 25% طوال السنوات الأخيرة، وبالمجمل بلغت نسبة مساهمة القطاع العام في الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة 35.3% ونسبة مساهمة القطاع الخاص 64.7% في عام 2010.

لقد انعكست السياسات الاقتصادية على أداء القطاع الخاص الوطني لجهة أداء دوره الفاعل في تحقيق عملية التنمية الاقتصادية، ولم يتمكن بالتالي من معالجة الاختناقات في الاقتصاد على المستوى الكلي، أيضاً فشلت آلية السوق في تحقيق التخصيص الأمثل للموارد، لأن ربحية السوق قد لا تتطابق مع صافي المنفعة الاجتماعية، وهذا يتطلب وجود آلية تهتم بالعوامل الاجتماعية، خاصة لو أخذنا بعين الاعتبار أن المحرك الأساسي للقطاع الخاص هو الربح.

معاناة كبيرة عاشها الاقتصاد السوري في السنوات السابقة، تفاقمت مع الأزمة الراهنة ومفرزاتها الكثيرة، فقد بات يعاني مشاكل متراكمة عديدة، منها البطالة والفقر وضعف الاستثمارات والعجز في الميزان التجاري وتراجع النشاط الاقتصادي، ويبدو أن القطاع العام غير قادر بمفرده على معالجة هذه المشاكل دون مشاركة وتنسيق مع القطاع الخاص المنتج، وهنا تبرز ضرورة إعادة النظر بشكل الشراكة والعلاقة بين القطاعين العام والخاص (المنتج) والقوانين الناظمة لعمل كلا القطاعين بغية تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية، تنطلق من ضمان حقوق ذوي الدخل المحدود وتكفل تطبيق العدالة الاجتماعية، بعد مرحلة عانى فيها المجتمع السوري الاحتكار والفساد وسيطرة الرأسمال على مراكز القرار، مع أهمية وجود خطة متكاملة لتعزيز دوره ومساهمته في عملية التنمية وإعادة الإعمار.

فمن جهة يجب إعادة النظر بدور عدد من منشآت القطاع الحكومي ومدى مساهمتها في الناتج المحلي، خاصة بعد سنوات تخللتها محاولات عديدة للقضاء على هذا القطاع بذرائع مختلفة، كما يجب أن يخضع نشاط القطاع الخاص لمعايير أساسية تنطلق من ضرورة إسهامه في بناء الصناعة وتطوير الزراعة، والإسهام في المشروعات الكبيرة بعيداً عن دوره التجاري الطفيلي الذي بات يتّسم به من خلال تشابكه مع النمط الرأسمالي العالمي، من أجل أن يكون قوّة بناء منتجة محلية، وليس طريقاً لتهريب التراكم الرأسمالي إلى الخارج.

العدد 1104 - 24/4/2024