هذا دمي… ارسموه قمراً على ليلٍ العَرَبْ

(… سَقَطَ السقوطُ، وأنتَ تعلو / فكرةً / ويداً / وشاما! / فتقمَّصِ الأشياءَ كي تتقمَّصَ الأشياءُ خطوَتَكَ الحراما / واسحبْ ظلالكَ عن بلاطِ الحاكم العربيِّ حتى لا يُعَلِّقها وساما… سقط القناعُ / عَرَبٌ أطاعوا رومَهم / عَرَبٌ وباعوا رُوحَهُم / عَرَبٌ.. وضاعوا / سَقَطَ القناعُ…).

محمود درويش

 

في هذه الأيام والساعات والدقائق واللحظات الدامية المؤلمة بلا رحمة يصير القلم ثقيلاً على الكتابة… ويتعثر اللسان بالشهداء والأشلاء والدماء والدمار والمدى الفاحم… وترتجف الأصابع ويسيل القلب…

قبل ستين عاماً سعت »الأمم المتحدة«إلى حماية البشرية من الاحتلال والإرهاب الفكري والثقافي والنفسي والسياسي والاقتصادي، والتعصب الديني المدمّر، والجوع والفقر والمرض والإهانة والإذلال والتعذيب بأنواعه كلها…

ومنذ أكثر من نصف قرن من الزمن تضمنت مقدمة ميثاق الأمم المتحدة تعهداً أممياً إنسانياً وجدانياً مؤثراً: نحن شعوب الأمم المتحدة قد آلينا على أنفسنا أن ننقذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب التي جلبت. على الإنسانية أحزاناً يعجز عنها الوصف خلال جيل واحد مرتين. وأن نمارس التسامح، وأن نعيش معاً في سلام وحسن جوار، وأن نوحّد قوانا لكي نحافظ على السلم والأمن الدوليين…

وكان ذلك عبثاً، وكان ذلك سدى..؟! شريعة الغاب والحروب وويلاتها مستمرة… والحزن يغطي وجه المعمورة، واللاسلم، واللاأمن، واللاتسامح، والقلق الوجودي والخوف والمعاناة والألم يلتهم أكثر بقاع العالم كما تلتهم النار الهشيم… وأضحى الجوع والفقر والحرمان والقمع والإرهاب والتعصب والإذلال والتعذيب والمصادرة والصراع والحصار والاحتلال والعدوان من السمات الثابتة والحاسمة لكرتنا الأرضية…

إن ما جرى ويجري منذ فجر يوم الأحد الدامي (6/7/2014 م) على أرض قطاع غزّة الصامد يعطي، فيما يعطي، الدليل الواضح الفاضح على صحة كل ما تقدم ذكره آنفاً، ويكشف عن الوجه العنصري والنازي للكيان الصهيوني، كما يكشف عن الوجه اللاأخلاقي واللاإنساني لدعاة حقوق الإنسان والحرية والديمقراطية والعدالة والسلام… ويبيّن بوضوح سقوط الغرب الرسمي (ولا سيما الإمبريالية الأمريكية) المخزي والمذل في الإمتحان الحضاري عندما ساوى بين الضحية والجلاد، بل عندما حمّل الضحية مسؤولية المجازر والمذابح والإبادة الجماعية… وإلى ذلك كله فقد أسقط ما يجري ورقة التوت عن بعض الأنظمة ((العربية)) وممالكها ومشيخاتها المتخاذلة والمتواطئة…وعن المثقفين ((المارينزيين)) وعن النخب المتصهينة عربياً وعالمياً…

الفلسطينيون المقاومون يدافعون عن سمائهم وأرضهم ومدنهم وقراهم ومنازلهم وتراثهم ومقدساتهم، كما يدافعون عن أطفالهم ومستقبلهم وكرامتهم وشرفهم وعزتهم وعن حقهم المشروع في الحياة الحرة الكريمة…

إن الاستسلام للطاعون الإسرائيلي / الأمريكي نفسياً،عقلياً، جسدياً، سياسياً، اقتصادياً، ثقافياً، معرفياً وحضارياً لهو استسلام مجاني للموت السريري… وهذا الكلام لا علاقة له ألبتّة بالاستعارة والتورية والعبارات الإنشائية والمجازية التي لا تعني في هذا المقام سوى البؤس والتهافت…

أيّها العربيّ في كل مكان… الجرائم الصهيونية في قطاع غزّة، على الرغم من تصاعدها بشكل وحشي وسط صمت عربي ودولي قاتل، لم تستطع كسر إرادة المقاومة، ولم تستطع النيل من عزيمتها… فانهض يابن الكرامة الوطنية والقومية والدينية والأخلاقية والفكرية، يا صاحب النخوة والمروءة والرجولة والشهامة… يا أيّها العربيّ الشريف، الممانع، المقاوم:

انهضْ على قدمٍ وقاومْ

كنْ طائرَ الروحِ المصادمْ

متضاحكاً، متهادياً، متطاولاً…

يمشي إليكَ الموتُ

و ((المطر)) المدمّى…

والليلُ يوغلُ في فضاءٍ

يعربيّ،

 قاحلٍ،

مُرٍّ،

مُعمّى…

العدد 1105 - 01/5/2024