فيسبوكيات… «اللايك» سمة العصر

إنه زمن اللايك…

تقاس أهمية الفيسبوكي لدى الكثير من معشر (الفسابكة) بعدد لايكاته، إنه سمة العصر…

وسمة العصر عبارة كانت تسم أدبيات اليسار، كنا نحفظ عن ظهر قلب في ثمانينيات القرن الفائت أن سمة العصر هي الانتقال من الرأسمالية إلى الاشتراكية، بديهيةً غير قابلة للنقاش بالنسبة لنا، لكن بعد أن دبّ الانقسام بين الشيوعيين، وانطلقت لاحقاً حوارات من أجل الوحدة بين الفصائل الناشئة عن الانقسام، أصبحنا نحن الذين في قواعد الفصائل نترقب نتائج الحوار، بعد فترة من التعب والحوار وصراعات سياسية ونظرية لم يعلن أي شيء رسمي، لكننا عرفنا من تسريبات الجلسات أنهم اتفقوا بعد جهد جهيد على تحديد سمة العصر! ثم توقفت الحوارات وعاد كلٌّ إلى خيمته…

***

عود على بدء.

اللايك، هذا الزر السحري الذي لا يكلف (المُلَيّك) شيئاً سوى وضع الماوس عليه والفقس..

يتبادل الفيسبوكيون اللايكات كما يتبادلون التحيات الصباحية، مجتمع قائم على اللايك ثم (الكومنت: التعليق)، وصولاً إلى دردشة تنتهي باتفاق وتآلف، أو خلاف وتنافر قد يليه حذف أو حظر، إن اتسعت شقة الخلاف…

على رصيف مكتظ في شارع الصالحية تمارس تنصتاً غير مقصود على مجموعة شباب وصبايا تعلو أصواتهم في خناقة فيسبوكية، (تتهم) فتاة صديقها بأنه وضع لايكاً على صورة فلانة (تضرب منك إلها)، يضحك الشاب قائلاً: (ولا يهمّك هلّأ بشيل اللايك…)!

يسأل شاب صديقه في المقهى: منذ متى لم تمر على صفحتي وتكلف خاطرك بلايك واحد على الأقل؟ يجيبه الآخر: مشاغل يا حبيب والله مشاغل، بس إنت بالبال والله.

***

الأخطر من هذا وذاك أن من (يطجّ لايكه) على (بوست) سياسي مغضوب عليه من السلطة الحاكمة، حينذاك يصبح هذا (المُليّك) الأرعن مرشحاً آلياً للدخول إلى جنات عدن تجري من تحتها الأنهار، لكن أي أنهار!!

مرة في بداية الحراك السلمي، وقد كان سلمياً شاء من شاء وأبى من أبى، على قول المرحوم ياسر عرفات، قرأت بوستاً لصحفي شاب معروف في البلد ومقيم فيه، ويتحرك تحت سمع وبصر الجهات المختصة، أعجبني مضمون البوست ولم يكن فيه أي دعوة للعنف أو الحقد أو العمالة للإمبريالية والصهيونية، ووضعت لايكاً عليه مع أن لدي كثير من التحفظ على شخص المذكور وممارساته قبل اندلاع الأحداث، شاهدني في مدخل البناء صديق مسؤول في مكان عملي محسوب على المثقفين، فبادرني بعد السلام والتبويس قائلاً:

 (شو ياااه صاير معارض…؟!).

قلت له: (فال الله ولا فالك يا رجل… شو معارض ما معارض…؟!).

 (إي شفتك حاطط لايك لفلان فلنجي…)!

 (أعوذ بالله يا رجل…أنا أليّك لهذا الغليظ التافه؟! لقد تم تهكير حسابي على الفيس ولا أدري ما يحصل فيه…)!

هز رأسه علامة التفهم قائلاً:

 (إي غيّر كلمة السر واجعلها طويلة ومؤلفة من أرقام وأحرف وإشارات لتتجنب التهكير…).

هذا هو نموذج المثقف المخبر، وهو نموذج متأصل في تاريخ النظم الاستبدادية.. والعياذ بالله.

***

شاعرة سورية معروفة جداً تعرِّف نفسها على صفحتها ب (الشاعرة السورية فلانة الفلانية)، وبسبب معرفة شخصية قديمة صارت صديقة فيسبوكية، كانت كلما كتبَتْ (بوستاً) تعتبره هي شعراً، وهي حرة في ذلك طبعاً، ترسل لي ولأصدقائها الذين (تمون) عليهم رسائل على الخاص قائلة:

 (ليش ما حطّيت لايك أو علقت على قصيدتي اللي نشرتها آخر شي؟؟)!

 (والله حطيت.. ومن روعة النص ما عرفت شو علق فاكتفيت باللايك)!

 (لك لا لا… هاي مو الأخيرة…من ساعتين نزلت قصيدة جديدة.. يا الله حط لايك وخلّصنا…)!

وكانت لايكاتها بالجملة والمفرق حتى بعد أن قمنا بإجراء انسحاب تكتيكي ناجح من صفحتها…

***

امرأتان من حارة شعبية فقيرة طبعاً تجلسان أمام عتبة الدار تمارسان نوعاً من السياحة الداخلية، التي تباهت بتطورها وازديادها خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة جهة مسؤولة عن السياحة، طبعاً الأعداد المهولة التي قدمتها تلك الجهة هي حصراً من النازحين الذين يجوبون البلاد من أقصاها إلى أقصاها باحثين عن مأوى، وحملة السلاح أيضاً، فيما يمكن تسميته سياحة الأزمة، تقول إحداهن للأخرى:

 (ابني الله يخليلي ياه ما عم يرضى بأقل من 200 لايك عالبوست).

 اللهم صلِّ عالنبي، الله يحميه، والله يا أختي أنا ابني ما بيقطع العشرين لايك، بس بنتي دخيل عينها بتزعل إذا شي مرة طلعو لايكاتها أقل من ألفين..)!

بقي أن نقول للجميع، والحاضر يعلم الغائب: يا إخوان يا أصدقاء يا حلوين: لا تنسونا من اللايكات.

واللايك عليكم ورحمة الله وبركاته

العدد 1104 - 24/4/2024