قانون العمل رقم 17 لعام 2010 هل يحتاج المرسوم التشريعي رقم 64 لعام 2013 إلى تعديل؟

لم يحظ أي قانون قبل صدوره كمشروع وبعد صدوره كقانون بانتقادات ومطالبات بتعديله مثلما حظي قانون العمل رقم 17 لعام 2010 الذي ألغى قانون العمل الموحد رقم 91 لعام1959 وتعديلاته، وألغى معه المرسوم التشريعي رقم 49 لعام 1962 وتعديلاته، الذي يحدد أصول تسريح العمال.. وأصبح بالتالي قانوناً غير قابل للتنفيذ، ومس بالحقوق المكتسبة للطبقة العاملة التي ترسخت على مدى خمسين عاماً في ظل القانون رقم 91 لعام 1959 وتعديلاته.

ولسنا هنا في معرض التطرق لجميع الانتقادات التي وجهت إلى هذا القانون قبل صدوره وبعده، والتي تضمنت المطالبة بإعادة النظر فيه وتعديله كاملاً.. إلا أن صدور هذا القانون أدى إلى تعطيل مرفق القضاء العمالي تعطيلاً كاملاً على مدى الأعوام اللاحقة لصدوره من خلال المادة 205 التي تنص على تشكيل محكمة البداية العمالية، خلافاً لقانون السلطة القضائية والمؤلفة من قاض وممثل عن اتحاد غرفة الصناعة أو التجارة أو السياحة أو التعاوني حسب مقتضى الحال.. ،بهذا التشكيل تعذر على المحكمة عقد جلساتها لتعذر استكمال النصاب القانوني، وبالتالي تنسب الدعاوى إلى ميعاد آخر. وشكلت هذه الحالة استياء عاماً لدى المتقاضين، وتراكم عدد الدعاوى لدى المحاكم لتعذر القيام بالإجراءات الواجبة لسير الدعاوى والبت فيها، وارتفع الصوت عالياً مطالباً بتعديله من قبل المتقاضين والمهتمين بقضايا العمل والحركة النقابية. وقد استجاب المشرّع لهذه المطالب، وأصدر المرسوم التشريعي رقم 64 تاريخ 22/9/،2013 نص بموجبه على تعديل المادة 205 من قانون العمل 17 لعام ،2010 وإحداث محاكم عمل في كل محافظة تختص بالنظر في المنازعات المتعلقة بالعمل وعقد العمل الفردي، وتشكل من قاض يسميه وزير العدل، وممثل عن العمال يسميه الاتحاد العام لنقابات العمال، وممثل عن أصحاب العمل يسميه وزير العمل، وكلاهما من حملة الإجازة في الحقوق.

إن إحداث محاكم العمل وفق نص المرسوم 64/2013 لم يتدرج تحت أي مسمى وفق قانون السلطة القضائية، هل هي محاكم صلح؟ أم هي محاكم بداية؟ حيث لا مكان للقضاء الجماعي في محاكم الدرجة الأولى. وحدد المشرع الاختصاص الموضوعي بفض النزاع بين العمال وأرباب العمل، وحدد الاختصاص المكاني في مركز كل محافظة.

إن الانتقادات السابقة لتشكيل هذه المحاكم مازالت قائمة في ظل المرسوم التشريعي 64 بعد إعادة تشكيلها خلافاً لنص المادة ،205 وإن الحل لإشكالية المرفق القضائي العمالي هو إعادة الاختصاص إلى محكمة الصلح وفق نص المادة 63 من قانون أصول المحاكمات باعتبارها صاحبة الاختصاص للنظر بقضايا العمل.

وباستطاعة المتقاضين من العمال وأرباب العمل إقامة دعاواهم أمام محكمة الصلح حيث وجدت وفق اختصاصها المكاني، مما يوفر على المتقاضين الوقت والجهد والمال. ورغم العدد الكبير لمحاكم الصلح الموجودة في جميع مناطق القطر، كانت إجراءات التقاضي تستغرق زمناً طويلاً، مع أن القانون نص على سرعة البت بالدعاوى العمالية، فكيف والحالة هذه مع تطبيق المرسوم 64 الذي نص على وجود محكمة واحدة في مركز كل محافظة، وأصبح لزاماً على المتقاضين من جميع أرجاء المحافظة اللجوء إلى هذه المحكمة في مركزها، ويجعل من النص القاضي بسرعة البت في هذه الدعاوى غير قابل للتطبيق.

وبالرغم من مرور ما يقارب الخمسة أشهر على صدور هذا المرسوم، فإن القضاء العمالي لم يقلع بالعمل بعد حتى كتابة هذه السطور.. آملين السرعة في تعديل هذا المرسوم، وإعادة الاختصاص إلى محكمة الصلح للبت في النزاعات العمالية، ومرجعية الطعن بالأحكام التي تصدر عن هذه المحاكم، محكمة النقض، تجنباً لسلوك طريق الطعن نفعاً للقانون.. وبهذا نتجنب الخطأ الذي حصل وأدى إلى تعطل القضاء العمالي طوال الفترة اللاحقة لصدوره، ومازال حتى الآن.

وهذا لا يلغي إعادة النظر بهذا القانون بكل مواده، بسبب الظروف التي أحاطت بالإسراع في إصداره، ودور الفريق الاقتصادي آنذاك الذي كان وراء إصداره، إضافة إلى بعض القوانين والتشريعات الاقتصادية والاجتماعية والتي نعتبرها جزءاً من الأزمة الراهنة.

العدد 1105 - 01/5/2024