لماذا المرأة؟

لماذا في كل الحروب تقف المرأة وحيدة؟

ألحّ عليّ هذا السؤال ونحن نعيش في عمق الأزمة السورية، لماذا تُخلفُ الحروب امرأةً بلا هويةِ وبلا ملامح؟!

لماذا تسحقُ الحروبُ النساءَ وتبقينَ واقفاتٍ موشحاتٍ بكل أنواع الهزيمة، وجرحٌ في قلوبهنَ ينزف ممتداً في البعيد البعيد.

نعم، تأخذ الحرب منا آباءنا وأولادنا وأطفالنا، وقبل كل شيء تأخذ كرامتنا، ونحن لانعرف هل السبب يستحق الثمن الباهظ الذي ندفعه كل يوم؟ لماذا تقف المرأة في وطني مشروخة الولاء؟ وهي لاتعرف مَنْ من أحبائها على صواب؟ أيّ امرأةٍ سوريةٍ رسمتْ ملامحَها الحربُ الجاهليةُ الحديثة، وهي التي كانت أم المعرفة وجامعة القلوب، وهي التي وقفت دائماً في صف واحد إلى جانب المدافعينَ عن النور ضد كل أفاقي الظلام.

لماذا اليوم تمسك المرأة في بلدي بيدِ ابنٍ جريح من هنا، وبيد ابنٍ قتيلٍ من هناك؟ لماذا؟ ومن الذي أضاع البوصلة ومحا البصر والبصيرة، لتُضَللَ كل الولاءات التي كانت واضحةً وضوحَ الشمس؟

لقد همشَ الصراعُ القائمُ في سورية ومن كل الأطراف تاريخ نضال المرأة السورية الطويل في المجتمع المدني، ولم يترك لها المساحة التي تخوض فيها مع الآخرين الصراع بوصفها فاعلاً، بل كانت إلى حد كبير المنفعل والمتضرر والضائع والجريح. لم تكن المرأة شريكاً فاعلاً على أهم الجبهات والوطن يهاجم جنود الظلام، ربما لأن الكثير منا رجالاً، نساءً ومن هول الصدمة، لم نكن ندرك ماذا يحدث تماماً إلى زمن قريب.

ولكن ماذا كانت النتيجة على الصعيدين الاجتماعي والنفسي؟

صحيح أن المرأة في بلدي في ظل الحرب ظلت منتصبة القامة في وجه طيور الظلام، ولكنها:

تعرضت لكل أشكال الانتهاك من تهجير وتخويف وتعذيب وبيع وقتل واغتصاب فردي وجماعي!

قامت بعض النساء المضللات بالقتل والتعذيب وتقديم حرائر النساء للاغتصاب الجماعي!

فقدت المرأة في بلدي أباً  أو زوجاً أو ابناً!

خسر الوطن زهرة شبابه!

تعرض الآلاف من أبنائها للخطف والتعذيب والتنكيل والموت تحت التعذيب!حُرمت الكثيرات منهن من فرحةِ أن تدفن أمواتها، وأن تعرف في أي مكان يمكن أن تزورهم!

خلفتِ الحربُ أيتاماً بجراحات لن تندمل إلى أمد طويل!

تركت بيتها وجنى عمرها باحثةً عن مأوى في الداخل أو في الخارج، تنتظر فتات عطاءاتٍ وهباتٍ وهي التي فتحت بيتها وقلبها لكل من ضاقت به الحياة من الأشقاء والأصدقاء!

دفنت ذاكرتها حيث تستطيع كي لا تُذبحَ كل يوم وهي تُنعشُ ذاكرتها!

وماذا بعد… كيف لهذه المرأة أن تلملم جراح الروح والجسد والوطن، لتعود الأم الجامعة والراعية والمربية؟! ومن سيأخذ بيدها بعيداً عن كل أشكال الاستعراض والبهرجة الإعلامية؟ فهي تريد علاجاً وحلولاً، لا صوراً أو قصصاً في المحافل المحلية والدولية!

العدد 1105 - 01/5/2024