الصليب والهلال يتعانقان على منبر الثقافة للإخاء والعيش الوطني

الشيخ جربوع: التمسك بالوحدة الوطنية والحوار هما السبيل للخروج من الأزمة

المطران سابا: أهمية العمل لتعزيز أواصر المحبة بين أبناء الوطن

أقام فرع الاتحاد النسائي بالسويداء ندوة حوارية بعنوان (سورية منارة الإخاء والوطنية)، تحدث فيها سيادة المطران سابا أسبر، مطران بصرى وحوران وجبل العرب للروم الأرثوذكس، وسماحة الشيخ يوسف جربوع شيخ عقل طائفة المسلمين الموحدين الدروز، بحضور فعاليات ثقافية ودينية وشعبية ورسمية.

وكانت محاور الندوة رؤية للواقع، ولا طائفية في تاريخنا وثقافتنا، والعيش الواحد في جبل العرب تاريخي، والمخططات الخارجية تجزئة وفتنة وتفكيك، ووحدة الرأي وثبات الموقف.

بيّن سماحة الشيخ يوسف جربوع أن الطائفية بمفهومها والمقصود بها هي الولاء الاجتماعي والسياسي للطوائف، والطائفة هنا هي الجماعة التي ينتمي أفرادها إلى معتقد ديني معيّن، أما مجرد الانتماء للمعتقد الديني لطائفة ما دون الولاء السياسي والاجتماعي لهذه الطائفة، فلا ينطبق عليه مصطلح الطائفية، وبناء على ذلك نستطيع أن نعّرف الفرد الطائفي بأنه الذي يدين بالولاء السياسي والاجتماعي لطائفة معينة بغض النظر عن إيمانه بالتعاليم الدينية التي ترتكز عليها هذه الطائفة، والذي يرى أن انتماءه السياسي والاجتماعي للدولة التي هو مواطن فيها، وولاؤه لها يكون بقدر ما تؤمّن له من أمور يظنها حقوقاً له، بسبب ولائه للطائفة التي ينتمي إليها، تلك المواصفات وغيرها تمثل عقلية الطائفي، أما المجتمع الطائفي فهو المجتمع الذي يقر هذا المفهوم ويمارسه، والدولة الطائفية هي تلك الدولة التي تنطلق في ممارساتها السياسية والمدنية والإدارية من هذا المفهوم وتشرعه إما بنصوصها وإما بممارستها وإما بالنصوص والممارسة، فيؤدي ذلك إلى تقسيم المواطنين إلى فئات حسب طوائفهم.. وهذا في الحقيقة لم يكن موجوداً في تاريخنا السوري منذ قديم الزمان وحتى تاريخه.. وهنا ثمة سؤال يمكن طرحه على المعاصرين: هل أحد منا ينسى أن الساعد الأيمن لقائد الثورة السورية سلطان باشا الأطرش منذ اندلاع الثورة حتى رحيل الثوار إلى وادي السرحان هو المجاهد عقلة القطامي؟ ومن لا يتذكر موقف الثائر أسعد العيد في قرية عرمان، حين أكرم الفرنسيين رغماً عنه لينقذ قائد الثورة من قبضتهم، والشهيد طحيمر السيقلي في الماضي التليد، إذ استشهد ووضع بين أخويه منصور وفارس الشوفي في مراسم عزاء مشتركة، وقول أهالي صلخد: (يا إخواننا اللي وحد بينهم الموت في سبيل الوطن ما راح يفرق بينهم الدين)! وبالتالي حينما جاءنا المستعمر الفرنسي كان إخوتنا من جميع الأطياف الدينية يقفون مع الثوار والمقاومين ضد الاستعمار وذهب منهم شهداء كثر، وجبلت دماؤهم بتراب الجبل مع إخوتهم من بني معروف وإخوتهم السنّة. والفضل يعرفه ذووه، فقد تلقت النسبة الكبرى من شباب الجبل التعليم على أيدي أساتذة كبار أمثال صياح جهيم وعطا الله البطرس، وعيسى عصفور وآل الطبرة ونصار واللحام وغيرهم الكثير، ولهذا كانت السويداء حريصة على تكريم هؤلاء وغيرهم، وبالتالي نسبت قاعات الثقافة في السويداء والقريّا بأسمائهم. وختم الشيخ جربوع بالقول: علينا تحديد موقفنا بالوعي والمعرفة والعلم والفهم الصحيح للمبادئ السامية، وجاء في التوراة: ( شعبٌ لا يعقِل يُصرع، هَلكَ شعبي من عدم المعرفة). لعل موقفنا منذ بداية الأزمة السورية إلى هذا الوقت ثابت ولم يتغير ولم يتبدل: نحن مع الحوار الوطني الشامل الذي يضمن سلامة البلاد وصلاح العباد.

أما المطران سابا إسبر مطران جبل العرب وحوران والجولان والقنيطرة للروم الأرثوذكس، فقد أكد أهمية العمل لتعزيز أواصر المحبة بين أبناء الوطن بمختلف أطيافهم وانتماءاتهم، وتعميق قيم التعايش بين مختلف شرائح المجتمع والتمسك بالوحدة الوطنية بين أبناء الوطن الواحد والحوار سبيلاً للخروج من الأزمة التي تعاني منها سورية. وأشار إلى أهمية عمق الأصالة الروحية التي تتمتع بها سورية، وأن ما يحدث في البلاد العربية يدخل ضمن نطاق عالمي بهدف تحقيق مصالح الغرب عبر استغلال الثغرات والشوائب التي تعاني منها المنطقة، ونشر التعصب والفتن الطائفية وخلق الصراعات والتوترات بين أبناء الشعب الواحد بهدف السيطرة على مقدرات الشعوب وثرواتها.

وختم المطران سابا بالدعوة إلى الصلاة من أجل سورية وأمنها واستقرارها وسلامها مؤكداً أن سورية كانت على مرّ التاريخ مهد الحضارات والديانات السماوية، والملاذ الآمن والمأوى لكل المظلومين والمضطهدين في العالم، وستعود كما كانت بلد الأمن والأمان والاستقرار والعيش المشترك.

وأكدت المداخلات دور الوازع الديني في إحلال الفضائل السامية والعمل لمواجهة التكفير وفتاوى الفكر الوهابي التي لا تمت إلى القيم الأخلاقية بصلة، وهو الذي طالت براثنه القامات العلمية والدينية والثقافية مشيرة إلى أن الشعب السوري لن تنال منه أي قوى خارجية مهما تكالبت عليه، ولن يستطيع كل العابثين والحالمين بتدمير سورية أن ينالوا من إرادته في الحياة.

(النور) حضرت الندوة وسألت تعانق الصليب والهلال على منبر الثقافة، بدعوة الاتحاد النسائي يعني أن التنوير هو السائد، ولكن السؤال: هل من الممكن إحداث معاهد مشتركة لنشر تربية العيش الوطني الواحد على مساحة الوطن، وتكون السويداء نموذجاً لذلك؟

العدد 1107 - 22/5/2024