التقرير السياسي الذي قدمه الرفيق حنين نمر الأمين العام للحزب الشيوعي السوري الموحد

قدم الرفيق حنين نمر، الأمين العام للحزب الشيوعي السوري الموحد، تقريراً في اجتماع المكتب السياسي للحزب، استعرض فيه آخر المستجدات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وقد ناقش الاجتماع التقرير، وهذا نصه:

أيتها الرفيقات.. أيها الرفاق!

ينعقد اجتماعنا هذا في ظل حالة من الغليان والحروب والتوتر تسود المنطقة العربية بكاملها تقريباً، وتنعكس تأثيراتها ومفاعيلها على كل بلد عربي، إضافة إلى العوامل الداخلية التي تجعل من عملية الترابط قضية ملحة، خاصة أن كل ذلك مرتبط بهذا القدر أو ذاك، بالوضع الدولي، وبالصراع العالمي الذي لم يهدأ لحظة واحدة منذ انهيار الاتحاد السوفييتي، وسعي الولايات المتحدة الأمريكية إلى الهيمنة على العالم، في الوقت الذي تسعى فيه البشرية إلى عالم متعدد الأقطاب بدأت تباشيره تظهر تدريجياً.

لقد استفحل التوتر العالمي حين لجأت الولايات المتحدة إلى القوة العسكرية لتغيير الأنظمة غير المطواعة لها، إضافة إلى الأساليب الاقتصادية، وإغراق العالم النامي بمشاكل ليس أقلها الفقر والجوع وإفشال التنمية وتحريك النزاعات الحدودية والطائفية، وتفتيت الأوطان، وإقامة أنظمة عميلة، وإزاحة الأنظمة الوطنية.

ولم تتوان عن تهديد روسيا بتطوير أسلحة جديدة، أو بالخروج عن المعاهدات الدولية أو الثنائية فيما يخص التسلح، وإعادة تركيز قواتها بجوارها، كما برز في أوكرانيا، ونصب الصواريخ على الحدود البولونية الروسية.

شراسة غير مسبوقة

إن المحرض الأساسي للشراسة الأمريكية، التي ظهرت واضحة في مساهمتها المباشرة في الحروب الإقليمية، بعد أن اعتادت على تكليف قواعدها المتقدمة بشن هذه الحروب، هي الأزمة العامة للنظام الرأسمالي، الذي يعتمد على إنتاج الصناعات الحربية وتصريفها ، وعلى النفط الذي يتم التلاعب بأسعاره، ومحاولة السيطرة المطلقة على مواقع إنتاجه.. وهي تتأثر أيضاً بالتناقضات بين معظم الدول الأوربية التي تنطلق من مصالح احتكاراتها، وبينها وبين الاحتكارات الأمريكية التي تعمل على استلحاق الاقتصاد الأوربي.

روسيا تتصدى وتدعم

بالمقابل تُظهر القيادة الروسية بزعامة بوتين مواقف حازمة بوجه محاولات الولايات المتحدة الأمريكية ابتلاع العالم.. فقد تصدت لها في أوكرانيا، واستعادت القرم، وأرغمتها على القبول بتسوية سياسية تحاول الولايات المتحدة التملص منها.. كما ساعدت روسيا سورية على الصمود العسكري والسياسي والاقتصادي، وأعلنت أن أمن سورية وسلامتها من أمن روسيا وسلامتها.. وانعكس هذا الموقف في كل المجالات، وخاصة على التوازن الاستراتيجي في الشرق الأوسط، وأسست بالتعاون مع الصين وإيران وبعض بلدان أمريكا اللاتينية أحلافاً مثل حلف شنغهاي، ومنظمة بريكس.. كما تم الاتفاق بين روسيا والصين على وضع أسس جديدة للتبادلات التجارية بين البلدين على أساس العملات المحلية وليس الدولار، الأمر الذي ستكون له انعكاساته على مجمل النظام النقدي العالمي.

داعش ــ أمريكا.. تنسيق العداء

أيها الرفاق

لقد طرأ على الوضع الدولي في العامين الأخيرين تطور جديد تمثَّلَ بظهور المنظمة الإرهابية الدولية الكبرى (داعش)، التي تتمركز في مدينتي الرقة السورية والموصل العراقية. إن الحلف الدولي الذي أنشأته الولايات المتحدة، وضمَّ نحو 40 بلداً، لم يقم حتى الآن بحملات جذرية للقضاء على هذا التنظيم، بل يكتفي بضربات غير موجعة له.. وبالعكس فهناك مساعدات أمريكية غير معلنة له، تلقي ظلالاً من الشك على وجود تنسيق أمريكي -داعشي، رغم صدور قرار مجلس الأمن الذي يحظر الدعم المالي لداعش والنصرة.

 أيها الرفاق الأعزاء

لقد عبّرنا عن موقفنا من القضايا الدولية والإقليمية كلها تعبيراً كاملاً في الرسائل التي أرسلت إليكم، وبخاصة عبر جريدة (النور) التي تناولت جميع هذه المواضيع ضمن الإمكانات المتاحة لنا.

التصدي للهيمنة الإمبريالية

والآن نؤكد مرة أخرى ألا خيار أمام شعبنا السوري والشعوب العربية وحركات التحرر الوطني، سوى استمرار التصدي للهيمنة الإمبريالية الأمريكية على العالم، فهذا هو التناقض الرئيسي الذي يحكم العالم، وهو البوصلة التي نهتدي بها، مع الإصرار على الحفاظ على قرارنا الوطني المستقل، وإقامة التحالفات الإقليمية والعربية والدولية التي تناسب هذا الهدف، ومعالجة أوضاعنا الداخلية على ضوء ما يتطلبه هذا الأمر، إذ يزداد الموقف السياسي والتحالفات الدولية قوةً بمقدار صلابة الجبهة الداخلية وسلامتها، والعكس صحيح.

الوضعان الإقليمي والعربي: بين مشروعين يجري الصراع في منطقة الشرق الأوسط بين مشروعين:

المشروع الإمبريالي الرجعي الصهيوني، المتحالف مع الإرهاب العالمي الذي تمثله القاعدة وداعش والنصرة وحلفاؤهم من المنظمات الإرهابية الأخرى، ويتمركز بشكل أساسي حول حماية مصالح الدول الإمبريالية، خاصة في ميدان النفط، وفي الدفاع عن وجود إسرائيل.

ومشروع محور المقاومة المدافع عن حركة التحرر الوطني المعادية لأطماع الكيان الصهيوني التوسعية، والمؤيد حق الشعب الفلسطيني في العودة وتقرير المصير، ودعم الأنظمة الوطنية المعادية للإمبريالية والصهيونية.

نتنياهو = استيطان أكثر وتشدّد!

والجديد في القضية الفلسطينية بصفتها قضية مركزية، هو الانتخابات الإسرائيلية التي فازت فيها بأكثرية هامة كتلة نتنياهو، والليكود الأكثر تطرفاً، ما يعني مزيداً من الاستيطان ومزيداً من التنكر للحقوق الفلسطينية، وإضعاف إمكانية الوصول إلى أي تسوية في الوقت الحاضر. وذلك ناتج عن أسباب عديدة أهمها اثنان، أولهما أن الكيان الإسرائيلي يتجه نحو التعصب والتشدد أكثر فأكثر، مما يعني أنه غير جاهز للتسوية بعد، بل يسعى نحو التهويد الكامل لفلسطين والشعب الفلسطيني، وبضمنه فلسطينيو ،1948 وخطر ترحيل نحو مليون منهم ممن لن يوافقوا على التهويد.

والسبب الثاني يعود إلى اهتراء الوضع العربي والفلسطيني بشكل خاص. إن أكثر البلدان العربية قد أدارت ظهرها لقضية فلسطين، وانجرّت بشكل أو بآخر إلى الصراعات المذهبية والطائفية، خاصة مع إيران، عادّة الصراع معها بمثابة التناقض الرئيسي. إن الموقف المتردد والمساوم للقوى النافذة في القيادة الفلسطينية الرسمية، والذي مايزال يراهن على اتفاقيتي كامب ديفيد وأوسلو، وعلى أولوية الدور الأمريكي، قد خلق نوعاً من الإحباط واليأس في الشارع الفلسطيني، يضاف إليه الخلاف العميق بينها وبين حماس بعد العدوان على غزة، والذي لم تنفع في حلّه كل الوساطات والتدخلات.

وبدلاً من أن تستخدم دول النفط العربي إمكاناتها المتعددة في سبيل الضغط على إسرائيل لإحقاق الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، سارت في الاتجاه المعاكس تماماً، أي في اتجاه التعاون مع إسرائيل وإزالة حالة العداء معها، والاشتراك مع الأردن في التآمر على سورية عبر غرفة العمليات المشتركة، التي تقود عمليات التسلل إلى الأراضي السورية وتهريب الأسلحة والأموال إليها.

إن الظاهرة الجديدة التي برزت في الآونة الأخيرة أيضاً هي حالة التعاون العسكري واللوجستي بين المجموعات الإرهابية السورية، والقوات الإسرائيلية، ومواقف بعض الشخصيات ممن يسمى بـ(المعارضة)، مثل الخائن كمال اللبواني، الذي زار إسرائيل علانية، وأعرب عن استعداده للتنازل عن الجولان مقابل إسقاط الدولة السورية.

إن استشراء سياسة التطبيع مع إسرائيل لدى أقسام متزايدة من العرب بالتوازي مع استفحال الروح العدوانية والفاشية فيها، هو أحد علائم التردي العربي الذي يجب فضحه باستمرار، وتأكيد حق الشعب الفلسطيني في استعادة أرضه وإقامة دولته المستقلة، وفي استعمال أساليب النضال كافة التي يراها مناسبة، وبضمنها الكفاح المسلح.

اليمن.. عدوان خطير

إن أهم المعارك الساخنة التي تدور رحاها الآن هي معركة اليمن..

لا شك أنكم جميعاً تتابعون أخبار الحرب العدوانية التي شنتها السعودية على اليمن منذ ليلة الأربعاء الماضي، بمشاركة عشر دول.

إن هذه الحرب هي آخر مرحلة تصعيدية في مسار الأزمة اليمنية الممتدة منذ نحو أربع سنوات، والتي هي في جوهرها تنفيذ للمخطط الأمريكي المعد مسبقاً، بالتحالف مع حكام السعودية، لإحكام السيطرة على بلدان الخليج، ولكنها كانت تتعرض بشكل أو بآخر إلى تدخلات خارجية من قبل السعودية وغيرها، فضلاً عن التنامي المستمر في نفوذ (القاعدة) التي تتحول تدريجياً إلى طرف فاعل وخاصة ضد (الحوثيين)، بحجة ولائهم لإيران.

إن تجاور السعودية مع إيران، والميل السعودي الدائم إلى السيطرة على الخليج العربي، وتخوف الدول الغربية من إفلات سيطرتها على مضيق باب المندب، ومضيق هرمز، اللذين تمر عبرهما نسبة كبيرة من التجارة الدولية، خاصة النفط، يجعل منها دائمة الحرص على إقامة نظام مطواع لها في اليمن.

إن هذا التصعيد السعودي هو عدوان صارخ على سيادة بلد عربي مجاور، وهو يهدد بتطور النزاع إلى نزاع دولي فيما إذا تعرضت الممرات المائية الدولية للخطر، وهو يخالف مبدأ أساسياً من مبادئ القانون الدولي التي تحظر على أي بلد في العالم التدخل في الشؤون الداخلية لبلد آخر، وهو محاولة مكشوفة لنسف الأجواء الإيجابية في مسار الاتفاق النووي بين المجموعة الدولية وإيران.

إن التذرع بوجود تهديد إيراني أو شيعي لمنطقة الخليج، هو أكذوبة كبرى تتداولها السعودية وحلفاؤها وأتباعها أينما كانوا، فهم لم يقدموا أي دليل ملموس وحسي على وجود مثل هذا التهديد.. تماماً مثل تلك الأكذوبة الإجرامية التي ادعت يوماً ما بوجود أسلحة كيماوية لدى العراق، وثبت عدم صحتها لاحقاً، لكن بعد أن دُمّر العراق.

إن ردود الفعل الدولية على هذا الغزو تبدو باهتة حتى الآن، أما التعليقات التي تمثل الرأي العام الشعبي العربي فقد عارضت هذا الغزو وأدانته، وتمنت لو أن السعودية تنفق بضعة مليارات من الدولارات فقط لمساعدة الشعب الفلسطيني بدلاً من إنفاقها على المؤامرات والمغامرات العسكرية.

استئناف الحوار الوطني.. مدخل للحل السياسي

إننا نرى أن هذا العدوان يشكل طعنة جديدة في جسد الوطن العربي الممزق والمثخن أصلاً بالجراح، وندعو للضغط الشعبي العربي على السعودية لإرغامها على وقف عدوانها، وندعو جميع الأطراف اليمنية لاستئناف الحوار الوطني للتوصل إلى حل سياسي لمشاكل اليمن بالطرق السلمية، يضمن سلامته وسيادته ووحدة أراضيه.

ولا يقتصر التفجر في الوضع العربي على اليمن، إذ تبرز الآن الأوضاع المعقدة جداً في العراق الذي تمكن من تحقيق انتصارات هامة جداً في حربه ضد داعش والمجموعات الإرهابية المسلحة، بالتعاون الوثيق الذي برز بين الجيش والدولة من جهة، والحشد الشعبي الذي شكل ظاهرة إيجابية جديدة، استدعت تدخل الطيران الأمريكي وقصفه مقرات هذا الحشد لإعاقة تقدمه في عملية تحرير (تكريت) من الإرهابيين. إن اشتراك الشعب في تحرير أرضه والدفاع عن وطنه وتجنب المنطلقات الطائفية، يجب أن يصبح قاعدة ومثلاً يحتذى، ويجري ذلك بالتوازي مع تنامي العلاقات والتنسيق المتزايد بين العراق وسورية، البلدين اللذين يخوضان حرباً مشتركة ضد الإرهاب، ويجمعهما العديد من نقاط الالتقاء، إننا ندعو للتخلي عن حساسيات الماضي وجعل الدفاع عن الوطن قضية القضايا.

في الوضع الداخلي.. المعاناة تتفاقم

في خضم الوضع الدولي المتوتر، والبركان الذي يغلي في الوطن العربي، تستمر سورية في خوض المعركة القاسية ضد الإرهاب، وضد القوى العميلة للغرب الهادفة إلى إسقاط الدولة السورية، وتدمير ما عمّرته سورية خلال عقود من الزمن، ويستمر سيل الدم السوري، وتتدفق أفواج المهجرين إلى الخارج والداخل، ويعاني أهالي المناطق المحاصرة أوضاعاً لاإنسانية،  وتزداد معاناة الشعب السوري من الغلاء والارتفاعات الجنونية للأسعار، سواء بسبب المقاطعة والعقوبات الاقتصادية الجائرة، أو بسبب نشاط تجار الأزمات والمحتكرين والمهربين والمتلاعبين المحليين بالعملة.

ميدانياً.. إنجازات للجيش

أما في الوضع الميداني، فإن الجيش العربي السوري يخوض من مكان إلى آخر معارك شرسة ضد المجموعات الإرهابية، التي تتبدى استراتيجيتها في فتح جبهات جديدة بشكل مستمر مع استمرار تدفق المتسللين الأجانب من البوابة التركية التي تواصل دعمها للتمرد الإرهابي. لقد حقق الجيش إنجازات كبيرة، بعضها يحمل طابعاً نوعياً واستراتيجياً، كما في الحملة التي استهدفت قطع الطريق على إقامة شريط إسرائيلي عازل في الجنوب والجنوب الغربي من البلاد، أو التقدم الحاصل في الشمال والشمال الغربي من حلب، بالقرب من خط الإمداد الرئيسي لهذه المجموعات من تركيا، إضافة إلى القضاء على مواقعهم في العديد من المحافظات كما في القلمون وريف اللاذقية والسلمية وريف درعا. وقد سبق القول إن طبيعة المعركة ضد هذه المجموعات لا تسمح بتحقيق قضاء نهائي عليها، إذ يمارسون حرب عصابات (اضرب واهرب)، ويحتمون بالسكان ويتسببون في تهجيرهم من مكان إلى آخر.. ولكن الخط البياني لإنجازات الجيش هو في صعود مستمر، بالرغم من أن المسلحين قد تمكنوا من السيطرة على إدلب وبصرى الشام، لكن قطعات الجيش بالتعاون مع الأهالي في هاتين المنطقتين ستتمكن من استعادة السيطرة عليهما.

أما وضع هذه المجموعات فهو في تدهور مستمر، فقد قُطع عنها التمويل المالي من بعض المصادر، وطُلب منهم التحول إلى متطوعين، وتستمر الخلافات فيما بينهم وتصل إلى حد التصفيات الجسدية، وأسبابها هي الصراع على عائدات السرقة والضرائب التي يفرضونها على السكان، وكذلك على الزعامة وانتزاع الاعتراف بها ممثلة للمعارضة، وبسبب التبعية والولاء للدول المساندة لها كالسعودية وقطر وتركيا التي لكل منها جماعتها الخاصة بها وتسيّر وفق أوامرها. وتبرز في العديد من المحافظات مظاهر تراجع أو استسلام، أو ميل نحو المصالحة والتسوية مع الدولة.. إن التوسع في المصالحات وتعميمها بحيث تصبح مصالحات وطنية عامة هو أمر في غاية الأهمية وينبغي علينا توسيع مشاركتنا فيها.

موسكو 2… نحو حوار وطني

أما على الصعيد السياسي فإن التحضير لمنتدى موسكو 2 المقرر بتاريخ 6 نيسان 2015 جارٍ على قدم وساق، ونظراً لحالات الانشقاق المتعددة يصعب رصد أسماء المشتركين القدامى والجدد.. فالائتلاف يعاني خلافات وانشقاقات، كذلك تعاني هيئة التنسيق التي انشق عنها عدد من المتزعمين فيها وهم في طريقهم لتشكيل مجموعة جديدة، وليست واضحة تماماً أسباب الخلافات سوى الأسباب المتعلقة بالموقف من مقررات اجتماعي باريس والقاهرة، التي ليس لها طابع محدد أو معلن، ولا يتفقون إلا على مبدأ واحد وهو تشكيل هيئة انتقالية مهمتها (استلام وتسليم) السلطة بينها وبين الدولة السورية التي يستبعدون منها مسبقاً الرئيس الأسد (حسب فريق الائتلاف)، ويؤجل هذا الموضوع إلى مرحلة لاحقة (حسب فريق هيئة التنسيق)، ويتحدث الفريقان كما لو أنهما في موقع يسمح لهما بفرض شروط تعجيزية مثل هذا الشرط، غير مدركين أو معترفين بهزالة قواهما وعجزهما عن فرض شروط لا يسمح لهما بها ميزان القوى المتدحرج في غير صالحهما.

ومع ذلك فإن مجرد قبول المعارضين بمبدأ الحل السياسي، هو خطوة إلى الأمام يجب ملاقاتها والتعامل معها، وعدم اليأس من إمكانية نشوء ظروف قد تدفع بالعملية السياسية قدماً إلى الأمام.

تدابير الثقة.. ضرورية

ونحن ندعو إلى استمرار الحوار مع أي شخصية أو تجمع معارض أو محايد يقبل بمبدأ الحل السياسي على أساس الدفاع عن الوطن أولاً والقيام بإصلاحات ديمقراطية واجتماعية. ونرى أن اشتراك ممثلين عن الجبهة الوطنية التقدمية في اجتماعات موسكو هو أمر ضروري، وإشراكها أيضاً في جميع الحوارات الداخلية. ونشير هنا أيضاً إلى أهمية تدابير الثقة والانفراج المطلوبة كمقدمات للحوار، مثل إطلاق سراح الموقوفين السياسيين من ذوي الرأي، واتخاذ الإجراءات الإدارية الاستثنائية لتأمين إطلاق السراح هذا دون مزيد من التدابير البيروقراطية التي تؤذي ولا تفيد في شيء.

الاحتكام إلى الدستور.. والقوانين

كما نشير هنا إلى بعض القضايا الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الراهنة:

1- إن انتشار عصابات السلب والنهب وخطف المواطنين وابتزازهم بهدف الحصول على أموال طائلة هو ظاهرة مستنكَرة تماماً، وتثير استياءً لدى المواطنين الذين لم يعودوا آمنين على حياتهم أو ممتلكاتهم، مما يدفعهم إلى التفكير بالهجرة إلى الخارج، طلباً لأمانهم وأمان أطفالهم.

2- إن توقيف المواطنين دون مذكرة قضائية، وزجّهم في السجون والمعتقلات مدداً غير محددة دون ذنب ملموس ومثبت ووفق القانون، وحتى دون إعلام أهل الموقوف بتوقيفه، وتعريضه للتعذيب، هو أمر لامبرر له، لا قانونياً ولا إنسانياً، وهو يؤدي إلى زيادة الاستياء الشعبي، وينبغي الرجوع عنه والاحتكام إلى الدستور والقوانين.

3- يستمر سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار بالتدهور، ما يثير قلق الاقتصاديين والمواطنين من انعكاسات هذا التدهور على مجمل النواحي الاقتصادية والاجتماعية في البلاد، وخصوصاً ارتفاع الأسعار المستمر الذي يتجاوز عملياً أضعاف ارتفاع سعر الدولار، نتيجة جشع تجار الأزمة وعجز الجهات المعنية عن ضبط الأسعار وحركة الأسواق. ولا شك في أن ظروف الأزمة ونتائجها التي أدت إلى فرض الحصار والمقاطعة وتجميد الأرصدة الحكومية السورية في البنوك العربية والدولية، وتراجع حركة الإنتاج والتصدير، سواء من النفط أو من المنتجات الصناعية والزراعية الأخرى، وتراجع السياحة قد أدت كلها إلى انخفاض العوائد من القطع الأجنبي من ناحية، وضرورة اللجوء إلى استخدام الاحتياطي الوطني من هذا القطع لتمويل المستوردات الضرورية من ناحية أخرى.. إلا أنه بات واضحاً، وعلى أرض الواقع، عدم كفاءة الإجراءات والتدابير التي يتخذها المصرف المركزي في هذا المجال، والتي تتسم بالارتجال المستمر والارتباك والتبدل شبه اليومي، ما يؤدي إلى استمرار تردي سعر صرف الليرة السورية واستنزاف المزيد من الاحتياطي الوطني من القطع الأجنبي لصالح شركات الصرافة وتجار السوق السوداء.

قوة ليرتنا!

 وفي هذا المجال نؤكد ضرورة اتخاذ الإجراءات والتدابير التالية:

1- وقف استيراد السلع الكمالية وغير الضرورية، كإجراء مؤقت لحين تحسن الظروف الراهنة.

2- حصر تمويل مستلزمات الإنتاج الصناعي والزراعي بالمصارف العامة، والعمل على ضبطها وقوننتها بما يساعد على دوران عجلة الإنتاج والتصدير من ناحية، وعدم التلاعب بهذه العملية أو استغلالها من قبل المستغلين.

3- السعي قدر الإمكان إلى اعتماد مبدأ المقايضة في استيراد السلع الضرورية.

4- حصر منح القطع الأجنبي للمواطنين بالنفقات الدراسية والمعالجة فقط.

5- إيجاد آلية فعالة تضمن الرقابة على التحويلات الخارجية الواردة إلى شركات الصرافة من ناحية، وضمان تحويلها إلى ليرات سورية عبر المصارف العامة من ناحية أخرى.

6- تشجيع الودائع المصرفية بالقطع الأجنبي في المصارف العامة والخاصة.

7- العمل على تأمين خطوط نقل النفط الخام من الحقول في المناطق التي حُررت إلى مصفاتي حمص وبانياس.

مطلوب إجراءات استثنائية.. لمكافحة فساد استثنائي

لقد استشرى الفساد كثيراً في أنحاء البلاد، وشمل القطاعين العام والخاص، ووصل إلى نخر ضمائر الكثيرين، وأساء إلى سمعة سورية، هذه السمعة التي دفعت ثمنها من دم أبنائها الشهداء والجرحى، ومن صمودها الوطني البطولي. ولم نلمس حتى الآن أية تدابير تحدّ من هذه الآفة التي ضربت العلاقات الاجتماعية، وأخلّت بالقيم الإنسانية والوطنية التي تربّت عليها أجيال وأجيال.. ونحن في حالة حرب حقيقية ضد الإرهاب والاستعمار، لا يمكن قبول استمرار هذه الظاهرة، لا بل استفحالها على النحو الذي نشاهده جميعاً في حياتنا اليومية.

وينبغي اتخاذ إجراءات استثنائية وبمنتهى الجدية للبدء في مكافحة الفساد الكبير، الأمر الذي يؤدي إلى وضع حد لكل أشكال الفساد في البلاد.

أيها الرفاق..

إن ما أوردناه في هذا التقرير يعبر عن استمرار موقفنا السياسي الداخلي والخارجي وخطنا الاقتصادي والاجتماعي، الذي لقي ويلقى الكثير من التقدير في الأوساط السياسية في البلاد، والذي يحتاج إلى ترجمة عملية ووضع البرامج والخطط والآليات المطلوبة لنشره على أوسع نطاق، ولتنفيذ ما يمكننا تنفيذه منه، خاصة أننا نستعد لعقد المؤتمر العام الثاني عشر لحزبنا في هذا العام، الذي سنعقده رغم الصعوبات الخارجة عن إرادتنا، والذي نرى أنه لابد من عقده لتقييم وضع الحزب ومواقفه وسياساته منذ المؤتمر الحادي عشر حتى الآن.. أين أصبنا وأين أخطأنا، أين تقدَّمنا وأين تراجعنا؟!

العدد 1105 - 01/5/2024