مساهمة في الحوار حول مشروع التقرير الاقتصادي والاجتماعي للمؤتمر الثاني عشر للحزب الشيوعي السوري الموحد: فهم الواقع الموضوعي يُمثل مدخلاً للحل المرتجى

كما يقال بأن فهم السؤال يشكل نصف الجواب، لهذا يمكن القول بأن مشروع التقرير الاقتصادي والاجتماعي للمؤتمر الثاني عشر، بعد إنضاجه من خلال المناقشات المفتوحة، يُشخص الواقع الاقتصادي والاجتماعي بشكل موضوعي، ممهداً السبيل للحل المطلوب لمعافاة الحياة الاقتصادية والاجتماعية في سورية العزيزة.

يشير مشروع التقرير إلى تبني المسؤولين (نهج اقتصاد السوق الاجتماعي)، وقد جرى تطبيق الشق الأول من هذا الشعار فقط، المتمثل باقتصاد السوق، وإهمال الشق الثاني (الاجتماعي) منه).

والملاحظ هو أنه حتى هذا الشق الأول لم تتوفر مقومات تنفيذه، فهو نظام متكامل يفترض توفر المعلومات وتدفقها، وحرية وشفافية تداولها عن المكونات المتكاملة للنظام الاجتماعي القائم على حرية التملك، وحرية التنظيم السياسي والمهني والنقابي، وحرية الإضراب عن العمل، وحرية الفكر والتعبير والنشر والمساءلة، وحماية المستهلك من حيث جودة السلعة والخدمات وأسعارهما، والدفاع عن نظافة البيئة وسلامتها، وكذلك يقتضي هذا النظام للسوق بمعناه المعاصر، الفصل بين السلطات السياسية التنفيذية والتشريعية والقضائية والإعلامية المسموعة والمقروءة والمرئية، واحترام الرأي العام، وإتاحة المناخ الملائم لمؤسسات المجتمع المدني للتعبير عنه بحرية.

والسؤال هنا هو: ماذا يبقى من هذا النظام لاقتصاد السوق وإمكانية المنافسة، في حال غياب الكثير من مقومات وجوده، كما شخصها المتخصصون بموضوعه؟

بعد هذا التمهيد أحاول تركيز مساهمتي على القسم الرابع من مشروع التقرير المتعلق بالمهام والتوجهات المستقبلية، ولاسيما الفقرات (11-15) منه.

فقد جاء في الفقرة 14: (التعاون مع الدول الصديقة في مختلف مجالات إعادة البناء والإعمار من خلال الشركات الوطنية العامة والخاصة).

هذا التوجه حسنٌ، ولكنْ، الأقربون أولى بالتعاون، بل والتكامل، وأقصد الدول الشقيقة، ومنها العراق، الذي يجمعه راهناً مع سورية ضمن أولويات التحشيدُ لكل الجهود الوطنية للتخلص من هذه الهجمة الإرهابية التكفيرية المدمرة لكل معالم الحضارة والتراث الإنساني، المتمثلة بـ(داعش) المتوحش وإخوانه، وذلك تمهيداً لإعادة البناء والإعمار المنشودين.

ومن بين المهام المشتركة الحصول على الحصص المائية من نهري دجلة والفرات وروافدهما، التي تحاول طغمة أردوغان الحاكمة في تركيا سرقتها وتخزين المياه في السدود العديدة التي أنشأتها وحرمت بذلك العراق وسورية من حقوقهما المائية.

وللاختصار أتناول هنا حقول النفط والغاز، فالمعروف عن العراق امتلاكه للاحتياطي الثابت من النفط الخام بنحو 112 مليار برميل، ويُقصد به الذي اكتشف ويمكن إنتاجه بالسبل الفنية المعروفة حالياً، وبالكلف والأسعار السائدة، وهناك دراسات تقدر ضعفي هذا الرقم للاحتياطي النفطي.

ينتج العراق حالياً أكثر من ثلاثة ملايين برميل نفط خام يومياً، ووفقاً لعقود الخدمات التي أبرمها العراق لتطوير الحقول واكتشاف الجديد منها مع دول وشركات نفط عالمية، فمن المتوقع أن يتضاعف إنتاجه في نهاية هذا العقد الأول من الألفية الثالثة إلى أكثر من ستة ملايين برميل نفط خام يومياً، هذا إضافة إلى إنتاج الغاز.

يقدر الاحتياطي من الغاز الطبيعي بـ110 تريليونات قدم مكعب، وحجم المؤكد منه 3100 مليار متر مكعب، نحو 70% منها غاز مصاحب للنفط، والباقي غاز منفرد، وهي توجد في خمسة مكامن مستقلة على الساحة الجغرافية العراقية.

هذا الإنتاج المتعاظم من النفط والغاز يحتاج إلى تسويق وممرات نقل آمنة وخطوط أنابيب التصدير الحالية كما يقدرها الخبراء المعنيون بذلك، بعد صيانتها وتأهيلها، يمكن أن تحقق قسماً من المطلوب، وهي كمايلي:

* الخط الاستراتيجي، وهو داخلي ينظم التدفق بين الجنوب والشمال وبالعكس، ابتغاء للمرونة، تبلغ طاقته 800-900 ألف برميل يومياً.

* الخط العراقي – السعودي، تبلغ طاقته التصميمية 6,1 مليون برميل نفط يومياً، وقد توقف العمل به منذ اندلاع حرب الخليج الثانية، وقامت السعودية بوضع اليد عليه، معللة ذلك بديونها على النظام السابق.

* الخط العراقي – التركي، وهو يتكون من أنبوبين بطاقة تصميمية تبلغ 6,1 مليون برميل نفط خام يومياً، وقد تعرض للتخريب مرات عديدة، إلا أنه مستمر في تصدير النفط إلى الميناء التركي.

* الخط العراقي – السوري، طاقته التصميمية تبلغ 700 ألف برميل يومياً، وهو متوقف حالياً، ومن المتوقع إعادة تشغيله.

تقتضي مصلحة الشعبين الشقيقين العراقي والسوري، كما أعتقد، ليس فقط إعادة تشغيل هذا الخط ومضاعفته وتأهيله للتصدير، وإنما إضافة خطوط موازية لنقل المزيد من النفط والغاز العراقي، وكذلك لنقل النفط والغاز من البلدان المنتجة والمصدرة للنفط والغاز المجاورة للعراق عبوراً (ترانزيت) وصولاً إلى الموانئ السورية على البحر الأبيض المتوسط، وذلك لأن هذا الطريق هو الأقصر ما بين هؤلاء المنتجين وزبنهم من المستهلكين في أوربا.

إضافة إلى عوائد النقل في الأرضي السورية التي تشكل مورداً للموازنة  الحكومية السورية، فإن المتوقع فتح آلاف فرص العمل للسوريين، ولاسيما إذا رافق ذلك إقامة صناعات لتكرير النفط وتصدير المنتجات لتعظيم القيمة المضافة من هذا المصدر الهام.

يرتبط بصناعة  النفط والغاز هذه متغيرات ينبغي الاستعداد لها من الآن، مثل حجم الإنتاج، الأسعار، التسويق، الاستثمارات، الاختيارات التقنية (التكنولوجية)، الأنماط الإنتاجية، التمويل (منه مؤجل التسديد مع الفوائد)، نوعية تأهيل الموارد البشرية في صناعة النفط والغاز.. إلخ.. هذه المتغيرات الحاكمة والمماثلة لها، لا يمكن تناولها فقط وفق آليات السوق والمنافسة، إذ كثير منها تتحكم فيه عوامل خارجية، مما يتطلب تنسيقاً عراقياً سورياً مع دول عربية أخرى، عبر سلطاتها المسؤولة وقطاعها العام وأجهزة التخطيط المعنية.

* الخط العراقي – الأردني، يجري الحديث عن خط مزمع إقامته من العراق إلى ميناء العقبة، وذلك لسد احتياجات الأردن من النفط والغاز، والباقي للتصدير.

* الموانئ العراقية، تبلغ قدرتها الحالية على التصدير مليوني برميل نفط خام يومياً، وهناك جهود تبدو متعثرة لبناء ميناء الغاز الكبير الجديد.

مما تقدم يتبين أن العراق مقبل على توسيع خطوط تصدير نفطه وغازه، وهنا الدافع لتحويل هذه الفرصة لمزيد من التعاون والتكامل فيما بين العراق وسورية في هذا المجال وغيره.

وقد تناول مشروع التقرير في الفقرة 13 منه بشكل صحيح (تكثيف الجهود لتسريع عمليات استكشاف النفط والغاز واستثمارها في الساحل السوري والمناطق الأخرى، بالتوازي مع إعداد ما يلزم من إجراءات وتدابير لإعادة تأهيل المنشآت النفطية والغازية الحالية وخطوط النقل، بما يساهم في توفير موارد وطنية، إضافة إلى مواجهة أعباء مرحلة إعادة الإعمار والحد قدر الإمكان من التمويل الخارجي).

والخلاصة هنا هي بالتركيز على الحقول الإنتاجية في الصناعة (الاستخراجية والتحويلية) والزراعة والخدمات الفعالة المكملة لهما، تكمن قاطرة النمو والتنمية المستدامة كما نستشفها من تشخيص مشروع التقرير، وليس كما كان يقال: (تحرير التجارة الخارجية قاطرة النمو)، أو (السياحة قاطرة النمو).

لقد تضمنت محاضرات ومداخلات برامج (الثلاثاء الاقتصادي) التي نظمتها جمعية العلوم الاقتصادية السورية، بطلان هذه الشعارات في ظروف سورية الراهنة، وقد أكد مجرى الأحداث صحة ذلك.

العدد 1105 - 01/5/2024