المرأة عبر التاريخ (1من2)

يتردد كثيراً أن الحجاب هو رمز للمرأة المسلمة، لكن الواقع يخبرنا بأن غطاء الشعر ليس اختراعاً إسلامياً بل هو طقس وثني، فلقد كان الوثنيون الفرس والزرداشتية والمانوية والمزدكية يقومون بتحجيب المرأة وتغطية فمها حتى لا تدنس النار المقدسة، باعتبار المرأة دنساً، ثم تدنت النظرة إلى المرأة في بابل وآشور عندما تنامت في هذه المجتمعات الروح العسكرية، وتحول المجتمع الأمومي إلى المجتمع الذكوري، وأصبحت سلطة الأب مطلقة، واعتبر المرأة دنساً ومصدراً لشقاء الرجل، بعد أن كانت تعتبر إلهاً ورمزاً للخصوبة والسعادة والازدهار، فأصبحت شهادة الرجل تعادل مئة امرأة.. كذلك اعتقدت الديانات البراهمية والبوذية أن المبدع الإلهي حين خلق المرأة صاغها من قصاصات وجذاذات المواد الصلبة التي زادت لديه، بعد عملية خلق الرجل، وأوجبت على الزوجة أن تخدم زوجها كما لو كان إلهاً، وحرمت المرأة من دراسة كتب الحكمة والفلسفة والدين، فقد جاء في الماهابهارتا: إذا درست المرأة كتب الفيدا كان هذا علامة فساد في المملكة. وفرضت الديانات الهندية الحجاب على المرأة ومنعت الاختلاط بها، وكان بوذا يتردد كثيراً في قبولها لتكون من أتباع دينه، وكان المصريون القدماء رجالاً ونساءً يحلقون شعورهم في طقس ديني، ويضعون على رؤوسهم غطاء أو طاقية تقيهم حرقة الشمس. وكذلك كان الحجاب عند الرومان عبارة عن غطاء للرأس، للرجال والنساء، يستخدم في مناسبات دينية.

وكان اليهود قبائل بدوية تعبر الصحراء سعياً وراء الكلأ والماء، فكان الرجال والنساء يغطون رؤوسهم للحفاظ على الشعر نظيفاً أطول مدة ممكنة بسبب قلة المياه، ولكي يتقوا العواصف الرملية الشديدة، وتأثر اليهود بالتراث الديني المصري لجهة تغطية الرأس عند ممارسة الشعائر الدينية، وبما نقلوه من الحضارة البابلية خلال فترة السبي، وخاصة النظرة المتدنية للمرأة.

مردوخ وجلجامش

المرأة في المجتمعات البدائية بما يخرج من بطنها هي سر الحياة ومصدرها، وكانت آلهة الخصوبة ورمزاً للخير والعطاء، ومع تنامي النزعة العسكرية، كان لا بد للرجل من تبوّؤ موقع الصدارة في المجتمع، فظهرت الأسطورة التي قام بها الإله (مردوخ) بإعلان الحرب على الآلهة (تيامات) وهزمها، وأصبح هو أعظم الآلهة. تقول أسطورة الخلق السومرية (3000 ق.م) في اللوح الرابع: (اشتبكت تيامات مع مردوخ أحكم الآلهة والتحما في معركة منفردين، وتعاركا أطلق سهماً ومزق بطنها، هكذا غلبها وأطفأ حياتها، طرح جثتها ووثب فوقها، وبعد أن ذبح (تيامات) القائدة شتّت عصابتها ودمر جيشها).

وتأتي أسطورة (جلجامش) فتقوم على تمجيد ثقافة الذكورة المنتظرة، وتعلن انتهاء سيطرة المرأة على مقدرات المجتمع والحضارة، فعندما رفض جلجامش الاقتران بعشتار بصفتها آلهة، وجد أن زواجه منها يمنعه من البحث عن الخلود، فتغضب وتحرض أباها الإله (أنو) ضده، وتنقلب حياة جلجامش إلى جحيم، وفي الأسطورة تذهب البغي التي هي المرأة لترويض (أنكيدو) الذكر وتقوده إلى الهلاك، ورغم تمجيد جلجامش لأمه (ننسون) فإنه يصب جام غضبه على (عشتار) ويتهمها بكل التهم التاريخية التي سيستخدمها الرجل في كل الصور اللاحقة في استعباد الإناث، فهن غادرات ماكرات لا يُخلصن لأحد، ويلوثن من يتصل بهن، ويذم عشتار مع بنات جنسها في نص طويل (من سوء حظ النساء أنه أقل ألواح الأسطورة تشوهاً وتفتتاً)، فيقول: (ما أنت إلا موقد تخمد ناره من البرد، قار يلوّث حامله، قربة ماء تبلّل حاملها، أي حبيب أخلصت له أبداً، وأي راعٍ أفلح أن يرضيك دوماً، تعالي أفضح لك حكايا عشاقك)!

ليليت: ليليت في الأساطير السومرية عامة هي آلهة الغواية، وقتل الأطفال، وهي شيطان العواصف التي ترافق الريح وتحمل معها المرض والموت، وعرفت باسم (ليليتو) في سومر نحو 3000 ق.م.

وبعد سبي اليهود في بابل قام كتبة التوراة بتحويلها إلى نصوص مقدسة تدنس المرأة بعار الخطيئة إلى الأبد، واعتبرت التوراة (ليليت) هي الزوجة الأولى لآدم التي خلقها الله بالطريقة نفسها التي خلق بها آدم، وولدت له عدة شياطين غير أن آدم وليليت لم يتفقا أبداً، فلم تكن ليليت مستعدة للخضوع لآدم، وقد بررت مطالبها بالمساواة مع آدم، بامتناعها عن أن يلقي آدم جسده فوقها أثناء ممارس الجنس، وأرادت أن تكون مشاركة في الفعل الجنسي بصورة فاعلة وأن تنام هي فوق آدم، وزاد امتناع ليليت عن الخضوع لآدم قلقه وغضبه، ثم زادت حدة الخلافات بينهما، فهربت ليليت من الجنة في النهاية، وأقسمت أن تنتقم منه، ولذا فهي تقتل أولاد حواء، فليليت، في التراث الديني اليهودي الشعبي هي شيطانة الليل والظلام التي تأتي بالأحلام الجنسية للرجال وتسبب لهم القذف أثناء النوم، وتقتل الأطفال المولودين وأمهاتهم، وخصوصاً في الأيام السبعة الأولى بعد الميلاد، ولكن يمكن أن يوقف مفعول لعنتها عن طريق استخدام الحجاب المناسب. ويصوّر التلمود ليليت على شكل أنثى متبرجة ومغرية ذات شعر مسدل على كتفيها ونهدين نصف عاريين، تغوي الرجال وتهدد الأطفال. وقد عاقب الله ليليت لرفضها الخضوع لآدم ولهروبها من الجنة، وكان العقاب أن تظل غاوية شهوانية ومرعبة وقاتلة للأطفال، وأن تعيش في الأماكن المقفرة والموحشة بين الحيوانات الكاسرة. وعندما اشتكى آدم ربه حلت عليه الرحمة، فخلق له حواء، ولكن لم يخلقها من التراب كما خلق ليليت، بل من أحد أضلاعه هذه المرة لتكون خاضعة له وليست مساوية لآدم، حتى يحل الود والوفاق (بعد أن أصلح الله خطأه الأول). حتى تدخلت الأفعى التي تشير كذلك إلى ليليت، فتغري حواء لدفع آدم إلى أكل التفاح من الشجرة المحرمة، فتسببت كلاهما في طرد آدم من الجنة.

وهكذا أصبح هناك صورتان للأنثى منذ آلاف السنين: حواء المقدسة وليليت الملعونة، وترمز حواء لخضوع المرأة لزوجها، والسلبية الجنسية، والأمومة والتضحية، وخدمة الزوج والأولاد، وترمز ليليت إلى الصفات السيئة في المرأة كالمساواة والاستقلال والفاعلية الجنسية، والشهوة والإغواء.

وسواء كانت المرأة مقدسة أو ملعونة فهي تتحمل وزر الخطيئة التي أخرجت آدم من الجنة، واعتبرت المرأة نجساً وعليها أن تخفي عارها تحت الحجاب، ولا ترفع صوتها، ويتم عزلها خارج المنزل أثناء الحيض، وألزمت بتغطية رأسها دون أن  يكلف الحاخامات أنفسهم عناء كتابة نصوص توراتية تلزم ذلك.

المسيحية: وقد ورثت المسيحية هذه النظرة الدونية إلى المرأة من التراث اليهودي، فأصبحت المتدينات والراهبات المسيحيات يتحجبن، وقام رجال الدين المسيحي بإدخال النصوص اللازمة. فيقول القديس ترتوليان عن المرأة إنها (مدخل الشيطان إلى نفس الإنسان، وهي ناقضة لنواميس الله، ومشوهة لصورة الرجل المخلوق على صورة الله).

ويقول بولس في رسالته إلى كورنثوس: (ما خلق الرجل من المرأة بل المرأة خلقت من أجل الرجل).

لذلك على المرأة أن تغطي رأسها علامة للخضوع.

 

من كتاب (علمانية الإسلام والتطرف الديني) ص 154 وما بعدها، بتصرف، المؤلف: إسماعيل حسني – دار مصر المحروسة  القاهرة 2009

العدد 1105 - 01/5/2024