المرأة عبر التاريخ (2من2)

الإسلام والحجاب

عندما جاء الإسلام كانت النظرة إلى المرأة في بلاد العرب تختلف بين مناطق البوادي والحضر، وحسب تأثر كل منطقة بثقافة البلاد المتاخمة لحدودها كالفرس والروم واليمن، ومن ناحية أخرى انتشر وأد البنات في بعض المناطق، وكانت المرأة البدوية حرة في اختيار زوجها وطلاقه مثلاً، وكانت ملكة كبلقيس وزنوبيا، وشاعرة كالخنساء، وكاهنة كزرقاء اليمامة، وحكيمة كجهينة، وكان العديد من القبائل ينسب إلى اسم أمه، وقد حارب الإسلام بعض هذه العادات كوأد البنات، وأقّر اشتراط رضا المرأة عند عقد النكاح، ولم يحمّل القرآن المرأة وزر خطيئة آدم، ولم يفرض القرآن على المرأة تشريعات عقابية من أجل إخضاعها وإذلالها كالحجاب أو العزل أثناء المحيض.

إلا أن الفقه الإسلامي تأثر إلى حد كبير بالفقه اليهودي، وذلك لعدة أسباب أهمها:

– نشأة المجتمع الإسلامي في المدينة، حيث كانت الثقافة السائدة هي اليهودية.

– دخول العديد من الرهبان والأحيار إلى الإسلام، مثل كعب الأحيار وتميم الداري وابن جريج، وقيام هؤلاء بتفسير القرآن وفقاً لموروثاتهم في ضوء الحديث الذي نسب إلى الرسول: (حدّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج) (البخاري). وعلى هذا الأساس لم يجد المفسرون والمؤرخون والقصاصون حرجاً في النقل عن بني إسرائيل.. فدخلت إلى تراثنا خطيئة آدم بكل تفاصيلها التوراتية التي لم تذكر في القرآن، وكان الرسول يعيب على المرأة عدم تزينها، ولم يعتبر تزيّن المرأة غير المبتذل تبرجاً، وهناك أحاديث كثيرة تحض على ذلك.. إلا الزينة والتبرج والتبختر في المسجد.. ولم ينه الرسول عن خروج المرأة من بيتها إلى العمل أو قضاء المصالح والزيارات الاجتماعية، أو حتى مرافقة الجيوش في الغزوات للقيام بأعمال التمريض وإعداد الطعام وغيرها.. كما لم ينه عن اختلاء النساء بالرجال في المجتمع.. لم يكن الرسول يقوم بتخويف النساء من الرجال، أو تشويه العلاقة الطبيعية بينهما، ولم يرفع شعار (الحجاب في عصر الذئاب)، وأخبار سكينة بنت الحسين وعائشة بنت طلحة اللتين عرفتا بطول الباع في الشعر ومجالسة الشعراء، وكان بيت كل منهما صالوناً أدبياً، وكانتا تعتزان بأدبهما وعلمهما، كما رفضتا الحجاب والاحتجاب عن الرجال، هذه كلها توضح بجلاء أن واقع المجتمع في زمن النبوة والصحابة ليس كما يصوره لنا السادة المتطرفون (حجاب وجلباب وبرقع ونساء يشبهن الخفر لمنعهن من التبرج، ولا يغادرن بيوتهن، وكآبة وزهد وتفرغ للعبادة والتقوى والورع وقراءة الأوردة الصباحية والمسائية).

ويجب الفصل بين الدين، كما ورد في القرآن والسنة، وبعض الآراء المتطرفة لبعض الصحابة، التي لا تعد أكثر من آراء شخصية لا يؤخذ منها تشريع.

فآية الحجاب التي يستند إليها غلاة المتطرفين كانت وظيفتها حماية نساء الرسول فقط لا غير، ولا تنطبق على سواهن، وكانت وظيفتها حماية نظام المجتمع الذي كان سائداً في ذلك الوقت، ولم تكن لها طبيعة تعبدية كما يروي البعض.. وكانت ثروة الرجل ومكانته الاجتماعية تقاس على أساس عناصر أخرى بما يمتلكه من إماء، وكان لابد للفقه الإسلامي أن يقنن هذه الفوارق حماية للنظام الاجتماعي، ومنها: إحصان المرأة شرطه الحرية، فقذف الحرة يستوجب الحد، أما قذف الأمة فلا يستوجب شيئاً، وللعبد أن يتزوج بامرأتين، أما الحر فبأربع، ويقع الطلاق من العبد بطلقتين، ومن الحر بثلاث، وعدة الطلاق للأمة شهر ونصف، وعدة الترمل بعد وفاة الزوج شهران وخمسة أيام، ولا يجوز للعبد إذا طلق زوجته أن يرتجعها إلا بعد أن يطأها رجل آخر (موطأ مالك)، وحد الزنى للعبد والأمة خمسون جلدة، بينما للحر مئة.. كما فرّق العرب قبل الإسلام وبعده بين لباس الحرة والأمة، فالحرة لها لباس طويل يستر جسدها مع غطاء للشعر، أما الأمة فرداؤها يكون كافياً لستر عورتها.. وجاءت آية الجلابيب لتضع فارقاً بين الحرائر والإماء، عندما كنّ يخرجن لقضاء حاجاتهن ليلاً حتى يعرفن فلا يؤذين بالقول الفاجر ممن كان يتتبع العفيفات.. فإذا كانت هذه هي علة الحكم، فانتقاء الحاجة لهذا التمييز، وعدم حاجة النساء إلى الخروج ليلاً لقضاء الحاجة، وتوفر الأمن، وزيادة الوعي لحقوق الإنسان، وتوفر الرادع القانوني، يؤدي كل ذلك بالضرورة إلى انتفاء الحكم ذاته.. فإذا وجدت العلة وجد الحكم، وإذا انتفت العلة انتفى (أي رفع الحكم). أما التذرع بما يحدث هنا أو هناك من جرائم انتهاك الأعراض، فهي أقل بكثير من جميع العصور السابقة، ويتم محاصرتها ومنع حدوثها بالتعليم والتربية، ولا بحبس النساء داخل أشولة وأكياس.. وإذا كان مبرر الخمار هو منع الفتنة، فلماذا لم يطبق على الإماء أيضاً؟

إن تحويل غطاء الرأس من عادة اجتماعية وفردية إلى فريضة دينية، كان له نتائج خطيرة على مستوى الأفراد والمجتمع، إذ قضى على أسس المحبة والمودة والألفة التي تقوم عليها العلاقات الإنسانية، واستبدل بها قيم الخوف والشك والحذر والنفور داخل العائلة الواحدة، كالمبالغة في تحذير الأخ مثلاً من اعتداء أخيه أو عمه على عرضه، كأن البشر ليسوا سوى حيوانات تنقض على كل من تختلط به مثل القطط والكلاب.. وأصبحنا نسمع فتاوى الغزو الوهابي، مثل عدم جواز تناول الطعام على المائدة بحضور أخي الزوج أو ابن عمه.. أو عدم رؤية العم أو الخال لبنات أخيه، التي مثلت خروجاً عن الدين، ومخالفة لنصوص الشرع المتين. أدى هذا التزمت إلى إحلال التدين السطحي المظهري محل التدين الحقيقي، وإفساد الذوق العام، وإضعاف قيم الجمال في المجتمع، ووجدت شبكات الدعارة ضالتها في الحجاب لإخفاء تحركات عضواتها عن أعين الجمهور وشرطة الآداب، وإلى تشكّل عصابات السرقة والقتل والإرهاب غيرها.. وأصبح ارتداء الحجاب نفاقاً ورياء، فنرى الحجاب تاجاً فوق الملابس الضيقة المثيرة، وتراه مع المبالغة في أدوات الزينة، ومع السلوكيات غير المنضطبة لبعض المحجبات في الشوارع في صحبة غير المحارم.

أما النقاب، فهو فضلاً عن عدم وجوبه شرعاً، فإنه يمثل أحد مظاهر إفساد المجتمع، إذ إن وجه الإنسان جزء من هويته، والنقاب يحول المرأة إلى كائن خفي، غير مسؤول عن أفعاله، يمكن أن يرتكب ما شاء من المعاصي والجرائم، دون أن يتعرف عليه أحد، في حين أن المرأة التي تسفر عن وجهها في الأماكن العامة، إنما تعلن عن نفسها أنها إنسان مسؤول عن أفعاله أمام الله والمجتمع، لهذا فالكثير من جرائم السرقة والإرهاب قد استخدم النقاب في تنفيذها. وكان لانتشار شعارات مثل (الحجاب في عصر الذئاب) و(الحجاب قبل الحساب) أثر كبير في وضع الشباب من الجنسين أكثر بكثير مما يمكن أن تحدثه الأغاني والأفلام المنفلتة في الفضائيات.

والقول بأن الحجاب هو عنوان الفضيلة في المجتمع، هو قول بلا أساس علمي أو شرعي، فالفضيلة تنشئها التربية الصالحة، ويرعاها العلم، ويحميها القانون.

 

من كتاب (علمانية الإسلام والتطرف الديني) ص 154 وما بعدها، بتصرف.

المؤلف: إسماعيل حسني

دار مصر المحروسة  القاهرة 2009

 

العدد 1105 - 01/5/2024