عظمة الفنون وروعتها

تبقى القصائد خالدة إذا كتبت بالدم لا بالحبر، وإذا رسمت فوق الورق بكلمات ذات معنى، وتظل اللوحة صامدة إذا أبدعتها أصابع فنان أصيل، ويردد القلب صدى تلك الأغنيات المشغولة خصيصاً للروح.

وكل ذلك لا يولد من فراغ..

فمثلما تخفي الشمس نارها بنورها، هكذا المبدع الحقيقي يخفي ألمه وأحزانه خلف لوحاته وقصائده وألحانه، فنرى كيف تتحول الكلمات تحت قلمه إلى نجوم، ودمعته إلى نهر، وجرحه إلى وردة. (وكلما كان الفن رفيعاً هز فيك أنبل المشاعر).

إن الفنون الخالدة من قصائد وأغنيات وروايات وقصص تبدو  من شدة رقتها وعظمتها  بسيطة وسهلة لمن ينظر إليها لأول مرة، ومن ينظر إلى الجبال من بعيد، حتماً سيجدها ملساء، مسالمة وسهلة الصعود إلى قممها، إنما من يقترب منها ويحاول تسلقها، فسيدرك حينئذ صعوبة واستحالة ذلك، خصوصاً إذا كان المتسلق من أولئك المنافقين، الدجالين، المغرورين بمواهبهم الضحلة وعقولهم الخفيفة.

ومعنى أن يكون الإنسان مبدعاً، ليس سوى اقترابه أكثر من ناره الداخلية، وينابيعه العميقة، المخفية أصلاً عن أعين الكثيرين من حولنا، المتعلقين بالمظاهر والمال، والمدّعين أن المال يخلق الإبداع ويبقيه على مرّ الزمن.

صحيح أن كثرة النقود بيد الإنسان ضرورية، لكنها ليست كل شيء في الحياة، فقد تجلب أحياناً وجع الرأس وعذاب الضمير، وتجعل من يملكها عبداً رخيصاً وإن ملك كنوز الأرض.

ومَن يحاول أن يجعل ملابسه أغلى شيء فيه، سيجد نفسه يوماً أرخص مما يرتديه، فهؤلاء الذين يجعلون مظهرهم الخارجي جزءاً أساسياً من أنفسهم، لن يصبحوا على العموم أكثر من قيمة ثيابهم..).

(ذات يوم.. وبينما كان رجل يحفر في حقله، عثر على تمثال بديع من المرمر، فأخذه ومضى به إلى رجل كان شديد الولع بالآثار وعرضه عليه، فاشتراه بثمن غالٍ ومضى كل منهما في سبيله، قال البائع حين كان عائداً إلى داره:

ما أكثر ما في هذا المال من القوة والحياة، إنه بالحقيقة ليدهشني كيف أن رجلاً عاقلاً ينفق ماله مقابل صخر أصم فاقد الحركة والحياة، وكان مدفوناً في التراب منذ آلاف السنين، وفي الوقت عينه كان المشتري يتأمل التمثال قائلاً في ذاته: تبارك ما فيك من القوة والحياة أيها التمثال الجميل، إنني لا أفهم كيف يمكن لإنسان أن  يبيع مثل هذه التحفة النادرة بمالٍ زائل؟!).

العدد 1105 - 01/5/2024