نقطة تحول جديدة في الأزمة السورية.. محاولات السيطرة على الاقتصاد والاستحواذ على المقدرات

شهد ما يجري في سورية من حرب شعواء، نقطة تحول كبيرة وجديدة في آن، منذ بدء القوى المتحاربة محاولات السيطرة على مصادر الطاقة، والثروات المختلفة لاسيما مخازين القمح والحبوب، وفروع المصارف. هذه المحاولات توازت أيضاً مع ممارسات أخرى، تتعلق بأعمال السرقة والنهب، للمنازل في المناطق التي تخضع للعمليات العسكرية، أو التي تركها أصحابها هرباً من آلة القتل والدمار. كما يندرج في هذا الإطار أيضاً ما جناه تجار الأزمة، وأمراء الحرب الجدد، من أموال تبحث عن قنوات خاصة بها لتظهر للعلن. ولن تقف حصيلة الحرب الباهظة على الاقتصاد الوطني عند حدود التقديرات وتريليونات الدولارات التي ستظهر لنا على شكل فجيعة، لحظة توقف آلة القتل، فهناك آلاف القصص المريرة، التي سنسمع بها لاحقاً، ونبكي عليها دون توقف، لكنه الواقع الذي لن يترك لنا الكثير من الأمل، لنقود المستقبل. إذ إننا ننقاد إلى مستقبل ما، إلى حتفنا، إلى المطارح التي لا نرغب، والأماكن التي ليست بالضرورة أنها تحمل الخير لنا. إذاً هي الحرب الظالمة، والضالة، والقاسية، التي تأتي على كل شيء، تدمر، وتحرق، وتقضي، وتعيث بالأوطان خراباً وفساداً، وتجعل من مقومات الحياة حالة عدمية. حلت بسورية، على مدى 40 شهراً متوالياً، كوارث من الموت المعلن، لايمكن الاكتفاء بتعدادها، أو ذرف الدموع عليها، فهناك ما هو أعمق من ذلك، وذو دلالة كبيرة، وربما فاضحة أحياناً. وأحد أشكال ما يجري في سورية اليوم، من صراع دامٍ، هو النزاع على الاقتصاد، باعتباره مفصلاً مهماً في رسم مستقبل الدولة. بماذا نفسر محاولات تنظيم دولة الإسلام في العراق والشام (داعش)، السيطرة على آبار النفط وحقول الغاز؟ هو إعادة إنتاج فكر الاستعمار القديم، التقليدي، الذي لم يك يرى في الشعوب الأخرى إلا أنها تقف فوق ثروات باطنية، لاتستحقها، ولا تعرف كيف تديرها، ولا تعلم كيف تستفيد منها؟ هو شكل آخر من الاستحواذ، والفساد المعلن، وشرعنة عقلية القبيلة، ونهج الاستبداد، وعودة إلى قناعات مراحل ظننا أنها انقضت كالإقطاع، وقوانينه الوضعية التي لاتقيم وزناً للعدل، ولاتنظر بجدية إلى المساواة. دخل الاقتصاد على خط الأزمة في سورية مبكراً، فكانت المدن الصناعية إحدى ساحات المعارك، في محاولة من القوى الفاعلة على الأرض السيطرة على مقدرات الاقتصاد، في الشيخ نجار بحلب، سُرقت المعامل، فُككت بأيد خبيرة، وغدت تركيا موطنها الجديد، آلات بمليارات الدولارات بيعت بسعر بخس، والمتورطون في هذه العملية معروفون، كما أكد أكثر من مرة رئيس اتحاد غرف الصناعة فارس الشهابي، والدعوى القضائية المرفوعة على أردوغان أحد الدلائل على ذلك. حقول الخير كما كنا نصفها، باتت بلازراعة، لا أحد يتجرأ على زراعة أراضيه، لأن صراع المصالح، وقانون المحاصصة، يتطلبان حصة من الغلة الوفيرة التي كانت توفرها أراضي البلاد الشاسعة. ماذا ننتظر من فلاح يرى أرضه أمامه ولا يستطيع حرثها وزراعتها وريها؟ ماذا يمكن أن يفعل تجاه كل من منعوه من ممارسة عمله الذي يحب؟ وبالمسطرة ذاتها يمكن القياس على الصناعيين، الذين يرون منشآتهم، خاوية، صامتة، مسروقة، منهوبة، مدمرة، وتقف فيها الآلة العسكرية؟ فعلا أمر محزن أن تقف دبابة مكان آلة صناعية، ويتمركز قناص فوق مستودع للمواد الأولية، ليس فقط للفارق الجوهري في إنتاج كلا الآلتين، بل أيضاً للموقف منهما، ولتأثيرهما المعنوي على الصناعي والعامل. أليس من المضحك أن نتحدث عن تكرير النفط يدوياً؟ وماذا بشأن سنوات طويلة من البحث العلمي لضمان حماية البيئة من مخلفات هذه الثروة التي لاغنى عنها؟ تطور الأحداث في سورية على مدار الأربعين شهراً الماضية، دفع الاقتصاد ليكون أبرز العناوين، فالمؤسسات العامة تغالي في تقدير خسائرها المباشرة وغير المباشرة، والشركات تحاول طي كل الملفات السابقة بحجة السرقة والاحتراق، كفعلين فرعيين للأزمة الراهنة. الأراضي قاحلة، والمياه مفقودة، والينابيع جفت، وآبار النفط مسروقة. وهناك من يبيع، ويشتري، ثروات سورية بالعلن. حدودنا المفتوحة مع الجميع، باتت أشبه ما تكون بمناطق التجارة الحرة، لا حاجة إلى جوازات سفر، وبيانات جمركية، المهم أن البضائع تتدفق بسرعة هائلة بلاقيود أو رسوم، وبأثمان بخسة، أليس هذا مطلباً سابقاً لتحرير الاقتصاد، وتسهيل انسياب السلع، لكن بنسخته المصلحية الفردية البحتة، ودائرته الضيقة جداً؟ حال اقتصادنا ليس بخير على الإطلاق، والمشهد العام لمؤشراته الكلية والفرعية، يثير الخوف، وتحول الأزمة إلى نزاع للسيطرة على ثروات البلاد، واقتصادها، يهدد ما تبقى من أمل، للخروج من الأزمة ودوامتها.

العدد 1104 - 24/4/2024