مفهوم المؤامرة والمشروع المعلن من لورانس البريطاني إلى برنارد لويس الأمريكي

برنارد لويس الأمريكي

رغم حصول غالبية دول المنطقة على استقلالها من الاستعمارين البريطاني والفرنسي، بعد الحرب العالمية الثانية، إلا أن دوائر الاستخبارات البريطانية والأمريكية لم تغفل العين عن رسم السياسات لإبقاء منطقتنا العربية تحت سيطرتها ونفوذها بإقامة الأحلاف (حلف بغداد)، أو إعلان سياسة المبادئ (مبدأ إيزنهاور) نظرية إملاء الفراغ، ورفض بعض دول المنطقة لهذه السياسات (سورية ومصر) وضرب الوحدة السورية المصرية، ودعم حرب 1967 إلا أن رسم خرائط التقسيم بقيت في ذهن هذه الدوائر، ليطلع علينا الأمريكي برنار لويس الوريث المخلص للورانس من أجل إكمال مهمة العبث بأمن المنطقة واستقرارها واستغلال مقدراتها.

وإذا كنا أشرنا إلى لورانس والدور القذر الذي قام به، فإن الأحداث والمخططات التي رسمت له جرى تنفيذها، وأصبحت في ذمة التاريخ، لكننا ما زلنا نعيش الآثار التي نجمت عنها.

وإذا كنا نحاول اليوم أن نلقي بعض الضوء على المهمة الأخطر والأكثر إيلاماً وتأثيراً على مستقبلنا ومستقبل الأجيال القادمة، وهو ما رسمته الدوائر الاستخباراتية الأمريكية التي أوكلت مهمة تنفيذها لمخططها وعرافها الدكتور برنارد لويس، وهي ما زالت أمامنا، ويجري العمل حثيثاً على تنفيذها، ويقتضي الواجب التنبه لها والعمل على درء مخاطرها، وهذا يستدعي الحيطة والحذر رغم أن فصولها قد بدأت.

برنارد لويس ولد عام 1916 في لندن، يحمل الجنسية الأمريكية، صهيوني الانتماء، تخرج في جامعة لندن وعمل مدرساً فيها، اهتم بالدراسات الشرقية، وكتب العديد من الكتب والدراسات الإسلامية. ويعتبر أهم مؤرخي الشرق الأوسط، والمنظّر لسياسة التدخل والهيمنة الأمريكية في المنطقة، وهو صاحب نظرية الاحتواء المزدوج التي تقوم على احتواء القوى المتعاظمة في منطقة الشرق الأوسط كإيران والعراق، وأحد تطبيقاتها احتلال العراق وتقسيمه، الذي اعتبره البعض مفاجئاً جاء وليد الأحداث التي نشأت بعد الحادي عشر من أيلول بضرب برجي التجارة العالمية عام 2001 وما هو إلا تنفيذ لمخططات برنارد لويس الذي كان وثيق الصلة بالمحافظين الجدد، ورجل الشؤون العامة لإدارتي بوش الأب والابن، وهو من شارك في وضع استراتيجية الغزو الأمريكية للعراق، وقدم المبررات لهذا الغزو، وقد وصف برنارد لويس العرب في مقابلة مع وكالة الإعلام الأمريكية عام 2005 بأنهم قوم فاسدون ومفسدون وفوضويون… لذلك فإن الحل السليم للتعامل معهم هو إعادة احتلالهم واستعمارهم، وتدمير ثقافتهم الدينية وتطبيقاتها.

وعلى أمريكا أن تستفيد من التجربة البريطانية والفرنسية في استعمار المنطقة لتجنب الأخطاء والمواقف السلبية التي اقترفتها الدولتان، ومن الضروري إعادة تقسيم الأقطار العربية والإسلامية إلى وحدات عشائرية وطائفية.. وله مواقف معادية من الحل السلمي، وانسحاب إسرائيل من الجنوب اللبناني.

إن مشروع برنار لويس بتقسيم المنطقة ورسم خرائطها بدأ في عام 1980 عندما كانت الحرب العراقية الإيرانية على أشدها، وعندما صرح مستشار الأمن القومي الأمريكي بريجنسكي بأن المعضلة التي تواجه أمريكا كيف يمكن لها أن تنشّط حرباً خليجية ثانية، تقوم على هامش الحرب الخليجية الأولى التي حدثت بين إيران والعراق، نستطيع من خلالها تصحيح حدود سايكس بيكو.

بعد هذا التصريح كلفت وزارة الدفاع الأمريكية برنارد لويس بوضع مشروعه القاضي بتفكيك الوحدة الدستورية لمجموعة الدول العربية والإسلامية جميعاً ومنها العراق وسورية ولبنان ومصر وإيران وتركيا وأفغانستان وباكستان والسعودية ودول الخليج والشمال الإفريقي، على أساس دويلات دينية وعرقية ومذهبية وطائفية، وقد رسم خرائط ووضع حدوداً بشكل مفصل لهذه الكيانات الجديدة المرشحة للتفتيت استناداً إلى تصريح بريجنسكي المستشار القومي في عهد الرئيس جيمي كارتر، نشرته لأول مرة مجلة وزارة الدفاع الأمريكية مرفقاً بمجموعة من الخرائط التي توضح تقسيم البلدان العربية، وقد وافق الكونغرس الأمريكي عام 1983 على مخطط برنار لويس بالإجماع، وتم اعتماده وإدراجه في ملفات السياسة الاستراتيجية الأمريكية للسنوات القادمة، ثم نشرت هذه الخرائط في مجلة (استراتيجيا) التي تعنى بالشؤون العسكرية عام 1991 وأعيد نشرها على نطاق واسع عام 2005 والحديث عن المخطط بات واضحاً في المجلات والدوريات العربية، وآخر الخرائط نشرتها كل من صحيفة نيويورك تايمز ومجلة تايم الأمريكيتين.

والسؤال الذي يطرح هنا: إذا كان العرب قد خاضوا الحرب ضد الدولة العثمانية مع لورانس ومن خلفه بعقلية بدوية وعشائرية، بصفاء نية وطيب قلب، وبساطة في التفكير، وثقة مطلقة بالعدو، ولم يكونوا على علم بدهاليز السياسة، وآلت الأوضاع في المنطقة ومستقبلها السياسي وفق اتفاق ما زال قائماً حتى الآن، كشفت النقاب عنه ثورة أكتوبر عام 1917 فماذا نقول اليوم عما يجري في المنطقة من مخطط جرى الكشف عنه منذ ما يزيد على ثلاثين عاماً، ونرى بأم العين آفاق تنفيذه، وبدأت طلائع التقسيم من السودان، بانفصال جنويه عام 2010 والعمل جارٍ على قدم وساق بعد تهيئة الأرضية النظرية والفكرية وتسويق المفاهيم التقسيمية التي أخذت تلقى قبولاً ورضاً من بعض القيادات التي جرى تصنيعها في الخارج على مدى الأعوام السابقة، والتي تطلب المساعدة والتدخل الخارجي، وبمشاركة من أنظمة بدوية عشائرية، ولكن هذه المرة بقلب حاقد وسوء نية، بل ذهب العديد من المحللين والخبراء السياسيين أبعد من ذلك إلى أن ما يعرف اليوم بتنظيم داعش ما هو إلا صناعة أمريكية بامتياز وتمويل خليجي لتنفيذ هذه المخططات وتغييب المفاهيم الوطنية والقومية والوحدوية.

وعلينا أن لا نغفل المظاهر السلبية في مجتمعاتنا، التي استطاعت الدوائر الاستعمارية الاعتماد عليها، والنفاذ من خلالها لرسم مخططاتها واعتبارها ركائز تبنى عليها هذه المخططات.

بعد كل هذا ماذا علينا أن نفعل؟ هل سيكون القبول بوضع المنطقة ومستقبلها السياسي وفق مخطط برنارد لويس؟ أم علينا التصدي لهذا المشروع المعلن بصياغة مشروع وطني تقدمي علماني في مواجهة المشروع الظلامي التكفيري بمستوى سياسي وثقافي واقتصادي واجتماعي يكون قادراً على إسقاط وإنهاء هذا المشروع وأي مشاريع قادمة.

 

المراجع:

* جريدة الشعب المصرية.

* جريدة الأهرام.

* وكالة معاً الإخبارية الجزائرية.

العدد 1105 - 01/5/2024