ناجي علوش: ذاكرة الأرض… ذاكرة الشعب!

ليس من الممكن أن يغيب ناجي علوش مناضلاً، ومفكراً عربياً، نذر نفسه ـ خلال عمره الوطني، لرحلة حافلة بالكفاح والعمل الدؤوب الجاد في سبيل قضايا أمته الوطنية، والقضايا الإنسانية التي لاتقف عند الحدود الضيقة للأقطار والأمصار، بل تتعدى تلك الرقع الصغيرة التي قذف بتناثرها على خرائط الوهم الطغاة والمارقون، إلى نظرة شمولية وضع أسس ودعائم صرحها الإنساني رجال أفذاذ صدقوا ما عاهدوا الله عليه، ومنهم هذا المفكر الوطني المناضل ناجي علوش، أبو إبراهيم. رجل في أمة، ظلت تبذر الأرض بالرجال، والعطاء، وتظل على عهدها في ذلك على امتداد الزمن الرحيب، ولئن غادر الرجل الحياة جسداً، حيث قافلة المنايا تسير دون توقف، فإن أفكار الرجل باقية، ووجدانه حي باق في أفكاره، وسيرته باقية في آثاره القيمة، التي يستلهمها المناضلون من بعده، احتذاء به على الطريق ذاته الذي عبّده مناضلو الأمة تباعاً بالدم والعرق والكفاح المجيد منذ فجر التاريخ، حتى الراهن الحاضر، وعلى امتداد رحلة النضال والكفاح التي ستستمر ما بقي الوجود ينبض بالحياة، وما دامت إرادة الأمة تستنهض رجالها، فينبثقون من رحمها متوجين بالقدرة والصمود والإرادة لبناء المجتمع الوطني والإنساني عبر أفضل سبل البناء، والتي تعمل في إطار الوعي الخلاق لإنتاج قيم عليا للبشرية تحفظ كيانها من الانهيار، ووجودها من التلاشي المفزع، أمام طغيان القوة الاستبدادية، وعبث الفوضى المدمرة التي رسم خيوطها الماكرة رجال مستبدون طغاة هدفهم السيطرة على العالم بشهوة الجشع والطمع واستعباد الآخرين، والذين تصدق فيهم المقولة التي تقول: (مصارع الرجال.. تحت بروق المطامع). من هنا قامت قوة أخرى مجابهة لتلك القوة الاستبدادية الطاغية، قوة تمثلت في رجال/ قادة أمثال ناجي علوش وغيره.. هدفهم مصالح الأمة الوطنية والقومية المصيرية، ومصالح الإنسانية جميعها في مجتمع كريم حر.

ناجي علوش واحد من رفاق النضال بأشكاله كافة، عاش مناضلاً بالكلمة الهادفة، والرؤية المتبصرة للأشياء بحنكة وحكمة ودراية تعلم أين تضع موطئ قدمها في سبيل مصلحة الوطن العليا، ومصلحة الأمة، ومصلحة المجتمع الإنساني قاطبة، إنه واحد من أولئك الرفاق، الذين يصدق قول الشاعر فيهم:

تقضي الرجولة أن نمـــــــــــدُّ جُســــــومَنــــــــــــــــــــــا

جســـــــراً فَقـــــــــــُـــــلْ لرفـــــــــــــــــــاقنـــــــــا أنْ يعـــــــــــــبروا

رجل عروبي من طراز فريد، ووطني من ثلة على أكتافهم رسم الواقع العربي قيمة وجوده البهي في كينونة العالم الكبير، وهو بالتالي إنساني، متبصر يرى العالم أجمع كينونة إنسانية.. واحدة الوجود والهدف والمصير تسعى للخير والبناء والحرية.

ولد الراحل العربي ناجي علوش في مدينة بير زيت في فلسطين عام 1934م، تلقَّى علومه في المدارس الفلسطينية في وطنه ومدينته بيرزيت. عاش، منذ نعومة أظفاره مخاض النهوض العربي القومي المعاصر، ثم عاش أحداث النكبة بتفاصيلها وحيثياتها الموجعة، ومن خلال معاناة شعبه، والأحداث التي تعصف بوطنه، قرر التفرغ للعمل السياسي والنضالي، والأدبي كذلك. على هذا عاش، وفي ساحاته أقام مناضلاً وشاعراً، وفي سبيل ذلك رحل وهو، حتى في سنوات مرضه القاسية، يمارس عمله النضالي والوطني والقومي ليغدو في ذاكرة التاريخ والوطن والأمة واحداً من الأبطال الوطنيين الأفذاذ، حتى وافته المنية في عمان يوم الأحد 29/7/،2012 ليطوي جسده تراب عربي سيذكره على الدوام مفكراً وشاعراً وقومياً عربياً. ليس التراب فقط، بل الرفاق الذين عايشوه، ومايزالون فوق أرض الكفاح والمجد والحرية، والأجيال التي رباها ورفاقه على الخطا ذاتها، الخطا المتعاقبة على درب التحرير والحرية والعودة.

شغل ناجي علوش في حياته، مناصب وطنية بعد رحلة شاقة وطويلة مع التشرد، والنضال والمقاومة، أهمها:

ـ الأمين العام لحركة التحرير الشعبية العربية.

ـ الأمين العام للاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين.

ـ عضو المجلس الوطني الفلسطيني.

ـ عضو المجلس الثوري لحركة (فتح).

ـ رئيس تحرير مجلة: (دراسات عربية).

ـ عضو اتحاد الكتاب العرب في سورية.

وخلال حياته مناضلاً ومبدعاً صدرت له الأعمال التالية:

الثورة والجماهير، الثورة الفلسطينية، الحركة الوطنية الفلسطينية والنضال ضد الصهيونية، نحو ثورة فلسطينية جديدة، الحركة الثورية الشاملة، الماركسية والمسألة اليهودية، التجربة الفيتنامية: دروسها السياسية، حرب الشعب وحرب التحرير الشعبية، من قضايا التجديد والالتزام، خط القتال والنضال وخط التسوية والتطبيع، المسيرة إلى فلسطين، الثوري العربي المعاصر.

وقد أصدر له بيت الشعر الفلسطيني في رام الله الأعمال الشعرية الكاملة في العام الماضي 2011.

ناجي علوش، أبو إبراهيم، ذاكرة الأرض، ذاكرة الوطن، قيمة نضالية وطنية باقية في الأجيال دائمة الحضور والتوهج والذكرى!

العدد 1105 - 01/5/2024