رفع سعر المحروقات حصيلة سياسات اقتصادية.. الحكومة تُسقط «الاجتماعي» من حساباتها

كما كان متوقعاً، فعلتها الحكومة، ودفعت بأسعار مادتي المازوت والبنزين إلى أعلى، ضاربة عرض الحائط، بكل التمنيات والمطالب، بإرجاء هذا القرار إلى وقت آخر، تتمكن فيه الحكومة، من تمرير قرارها الصعب، بسلاسة.

من نقاط الضعف التي لم تستطع الحكومة تجاوزها، في سلسلة قراراتها المتعلقة برفع أسعار عدد من المواد والخدمات الأساسية (كهرباء، ماء، مازوت، بنزين، خبز، سكر، أرز) أنها لم تنظر إلى المتضررين من هذه القرارات، بل ركزت جلّ اهتمامها على من أسمتهم غير المستحقين، الذين يستفيدون من دعم هذه المواد، وفي هذا الخطأ بعينه. لاننكر أن هناك عدداً من المواطنين يستفيدون من الدعم دون وجه حق، لكن مقابل هؤلاء هناك الملايين الذين لولا هذا الدعم لكان مصيرهم مجهولاً. لم تفكر الحكومة بمصير ثلاثة أرباع السكان الذين انضموا إلى قائمة الفقراء، ولم تنظر اجتماعياً واقتصادياً إلى أن نصف عدد السكان يعيشون بفقر مدقع. حتى أن أصحاب الدخول، رغم أن وضعهم أفضل من غيرهم، إلا أنهم لا يخرجون عن هذا المسار، الذي حوّل السوريين إلى فقراء بامتياز. رفع سعر المحروقات بالشكل الذي خططت له الحكومة، وبالمضمون الذي أخرجته به، يشكل كارثة بحق الغالبية الساحقة من المواطنين، الذين أُخذوا بما لايستحقون، وعاملتهم الحكومة بمعيار العُشر الأخير من الطبقات الاجتماعية، هذا العشر هو الأقل تأثُراً بمثل هذه القرارات، وهو، بنظر الحكومة، السبب الرئيس لاتخاذها.

تعلم الحكومة يقيناً، أن هذا العشر وربما غيره، لن يتأثر استهلاكه من هذه القرارات غير الشعبية، ولن يبدل من عاداته الاستهلاكية، أو يخفض من إنفاقه. ولا نجافي الحقيقة بقولنا إن هذا العشر هو هو المستفيد من انخفاض أسعار هذه الخدمات والسلع أو رفعها، لأن معظم أعماله مرتبطة بهذه الخدمات، وما يجنيه من ثروات تؤمن له إنفاقاً مرتفعاً، بغض النظر عن الكلفة.

ما يثير الضحك، أن تتخذ الحكومة هذه القرارات قبيل عطلة طويلة، وتمهد لها بفقدان المواد من السوق، فهذه الطريقة التقليدية فاشلة بامتياز، ولا يمكن أن تجعل من القرار غير الشعبي مُقنعاً، ولا تسهم بقبوله. كما ظهرت المطالبات برفع سعر المازوت التي جاءت على لسان مواطنين وبثتها وسائل الإعلام الرسمية، خارج السرب، نفحة إيمانية بغير محلها، صوت لا يعكس الواقع إطلاقاً. إن نهج الحكومة في هذا المجال، لا يعبر عن تطلعات المواطنين، ولا يؤسس لعلاقة ثقة وطيدة ومتينة بينهما، بل يعمق الفجوة القائمة، ويخلخل الروابط التي تحكم علاقتهما. هذا النهج فيه شيء من عدم الصدق، والمبالغة، لجهة الكلفة المترتبة على سياسات الحكومة، الاقتصادية والاجتماعية.

على الحكومة أن تتخذ موقفاً، واضحاً، وصريحاً: هل ستستمر بسياسات اقتصادية اجتماعية الطابع؟ أم أنها مصرة على التخلي عن الاجتماعي في سياساتها الاقتصادية؟ هذه هي المعضلة التي تواجه الحكومة، والإشكالية التي لم تجد لها مخرجاً مناسباً. فمعظم إجراءاتها تصب في منحى التخلي عن الجانب الاجتماعي، وهذا ليس خافياً، فالحكومة التي رفعت أسعار المواد الآنفة الذكر، لم تقدم تعويضاً لأحد، كما كان مقرراً في الدراسة التي قدمت سابقاً. التعويض هو مربط الفرس في القضية، لترفع الحكومة الأسعار كما تشاء، وإلى الحدود العالمية، مادامت عاجزة عن ضبط التهريب والاستهلاك، لكنها مطالبة حتماً بتسديد تعويضات للفئات المتضررة.

بلا شك، إن القرار الاقتصادي، هو الحل الأمثل لمعظم مشكلاتنا ذات الصلة، والطريق الذي لابد في نهاية المطاف من السير عليه. لكن لابد من شيء اجتماعي يخفف من وطأة القرار الاقتصادي البحت، وحدّته، وتوحّشه، ولابد من النظر برأفة إلى حال الناس. مضى حتى الآن ثماني سنوات والسوريون يتحدثون بالدعم ومستحقيه، وما أتى به النائب الاقتصادي السابق عبدالله الدردري، يتم إحياؤه حالياً بحذافيره، مع فارق بسيط أن الدردري الذي لم يك يخفي توجهاته الليبرالية، كان يتحدث عن آليات التعويض، وسبل ايصالها لمستحقيها، بينما الآن لا يوجد مسؤول حكومي يتحدث بهذا الجانب على الإطلاق، إنهم يتحدثون عن تخفيف العبء عن موازنة الدولة، ويتبعون أقصر الطرق بزيادة الأعباء على المواطن، وترسيخ عدم المساواة.

العدد 1104 - 24/4/2024