إيرادات الخزينة تأتي من جيوب الفقراء فقط..!

الإيرادات العامة للدولة هي مجموع الأموال التي تجبيها الدولة من مختلف المصادر والجهات، لتمويل النفقات والإيفاء بالحاجات العامة، وهي الوسيلة المالية التي تمكن الدولة من تنفيذ سياستها العامة، والأداة التي توزع الأعباء العامة وفق مبدأ العدالة والمساواة، وهي مكون هام في السياسة المالية. وتتعدد أنواع الإيرادات العامة مع ازدياد وظائف الدولة وتدخلها في الشؤون الاقتصادية والاجتماعية، وتأتي الإيرادات من مصادر مختلفة سواء الضرائب أو إيراد غير ضريبي (مثل الإيراد من شركات القطاع العام).

في  سورية قدرت اعتمادات مشروع موازنة 2015 بمبلغ 1554 مليار ليرة سورية، بزيادة مقدارها 164 مليار ليرة سورية وبنسبة زيادة قدارها 11.8% عن موازنة 2014، مع الإشارة أنَّ الموازنة الحالية حسبت على أساس سعر صرف الدولار 150 ليرة، واليوم متوسط سعر الصرف 180 ليرة، وإذا حسبت الموازنة على أساس 180 ليرة للدولار تنخفض قيمتها بنحو 17%.

وقدر إجمالي الإيرادات العامة بما فيها القروض والموارد الخارجية البالغة 11.94 مليار ليرة في مشروع موازنة 2015 بـ992.28 مليار ليرة، بزيادة مقدارها 108.91 ملياراً، مقارنة مع موازنة 2014، ونسبة زيادة مقدارها 12.3%، فارتفعت الإيرادات الجارية من الضرائب والرسوم وبدل الخدمات وغيرها من 318.19 ملياراً بموازنة 2014 إلى 350.99 ملياراً بموازنة 2015، بزيادة مقدارها 32.8 ملياراً ونسبتها 10.3%، مع زيادة إجمالي الإيرادات المقدرة من الضرائب والرسوم في مشروع موازنة 2015 بنسبة 46.7%، وعزا البيان ذلك إلى التحسن في مستوى النشاط الاقتصادي, وبدء عودة عجلة الإنتاج تدريجياً إلى المستوى الذي كانت عليه قبل الأزمة.

ولكن كيف السبيل لزيادة الضرائب والرسوم بهذه النبسبة والحكومة لم تقدم أي مشاريع قوانين أو حلول للتصدي لهذه المشكلة، على الرغم من أنَّ الإصلاح المالي يعد نقطة الانطلاق في عملية الإصلاح الاقتصادي سواء على صعيد الإنفاق العام بشقيه الجاري والاستثماري أو على صعيد الموارد وفي مقدمتها الموارد الضريبية بشقيها المباشرة وغير المباشرة، إذ تعدُّ الضريبة أداة هامة في معالجة العديد من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية كالتضخم والبطالة وسوء توزيع الدخل القومي.

ففي 2013 مثلاً بلغت مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي نحو 65%، ونسبة الضرائب التي يدفعها 15%، أي أنَّ الضرائب والرسوم التي تدفع لخزينة الدولة تأتي من القطاع العام والحكومة للأسف لم تقدم أي حلول لتلافي التهرب الضريبي، في حين أضحى من يدفع النسبة الكبرى من الضرائب هم أصحاب الدخول الثابتة من موظفين وعمال ومحدودي الدخل، كما أن الحكومة جهدت لرفع الضرائب والرسوم التي يدفعها كامل المواطنين، إضافة إلى تقليص الدعم وتهرب الحكومة من دورها الاجتماعي.

فعلى الرغم من أنَّ بيان الحكومة المالي رفع الدعم إلى 232.5 مليار، لكنه أشار إلى عدم وجود إيرادات نفطية حقيقية تغطي مبالغ الدعم، ثم يتحدث عن الإيرادات ويشير إلى فائض أسعار يأتي من رفع أسعار المشتقات النفطية، علماً أن الإيرادات النفطية من فروقات الأسعار، بلغت 185.5 مليارات بموازنة 2014 مقابل 161 ملياراً في مشروع موازنة 2015، أي أنها انخفضت بنسبة 13.2%.

ومن ناحية أخرى ارتفعت الإيرادات الاستثمارية «فائض السيولة وفائض الموازنة» من 431.5 ملياراً إلى 509.89 بزيادة مقدارها 78.39 ملياراً ونسبتها 18.2%، وهو ما برره البيان بتحسن مستوى أداء الجهات العامة ذات الطابع الاقتصادي، كما قدر حق الدولة من حقول النفط والثروات المعدنية في الموازنة بـ 71.06 ملياراً، بزيادة مقدارها 3.93 مليارات ونسبتها 5.9%، واعتمدت تقديرات الإيرادات النفطية انطلاقاً من اعتماد سعر برميل النفط في مشروع الموازنة بواقع 80 دولاراً، للنفط الخفيف و64 دولاراً للنفط الثقيل، مع الإشارة إلى أن أي تغير في هذه الأسعار المعتمدة سينعكس على إيرادات مشروع موازنة 2015، وبالتالي على العجز المقدر في الموازنة.

وأرجع بيان الحكومة الزيادة في إجمالي الإيرادات الجارية المقدرة في مشروع موازنة 2015 بالمقارنة مع موازنة عام 2014 بنسبة زيادة قدرها 10.3% إلى الزيادة المقدرة في الضرائب الرسوم, فقد قدرت نسبة الزيادة في الضرائب والرسوم غير المباشرة 99.8%، كما قدرت نسبة الزيادة في الضرائب والرسوم المباشرة بـ5.1%, إضافة إلى الزيادة في بعض الإيرادات الأخرى، في حين من الملاحظ انخفاض في فروقات الأسعار المقدرة بمقدار 24.5 مليار ليرة أي بنسبة انخفاض مقدارها 13.2% مما انعكس سلباً على الإيرادات المتنوعة بنسبة انخفاض قدرها 11.1%.

ولكن كيف السبيل لتحقيق كل تلك الإيرادات في ظل ما يمر به الاقتصاد السوري من تدهور، فقد تعرّضت محرّكات الاقتصاد الأساسية لضربة قوية وتراجعت مؤشرات اقتصادية عديدة مصحوبة بقرارات حكومية انعكس العديد منها سلبياً على المواطن السوري، فالمطلوب اليوم لتحقيق الإيرادات المطروحة في مشروع الموازنة تصويب التوجه الأساسي للسياسة المالية بدلاً من توسيع الضرائب على الفقراء وتخفيضها على الأغنياء، علماً أنه في كل بلدان الدنيا حتى الرأسمالية منها ترتفع ضرائب الدخل ارتفاعاً كبيراً على الفئات الغنيّة والشركات وتأخذ الطابع التصاعدي، وهي خطوة مهمة في ظل تفاقم معدلات الفقر والبطالة.

ختاماً إنَّ المدخل الأساسي في أي علاج للوضع الاقتصادي يكمن في وقف نزيف الدم وأخذ البلاد إلى حل سياسي يوقف الدمار، ويبدأ في توفير أساسيات الحياة للسوريين، ومعالجة ما جرى تخريبه وتدميره  خلال الأزمة.

العدد 1107 - 22/5/2024